المهلب بن أبي صفرة.. التاريخ ينطق بعُمانيته

المهلب بن أبي صفرة.. التاريخ ينطق بعُمانيته
المهلب بن أبي صفرة.. التاريخ ينطق بعُمانيته المهلب بن أبي صفرة.. التاريخ ينطق بعُمانيته

تاريخ عمان – أثير
إعداد: نصر البوسعيدي

تاريخ عمان – أثير
إعداد: نصر البوسعيدي


 

يواجه البطل الإسلامي المهلب بن أبي صفرة محاولات للسطو المتعمد من قبل بعض مزوري التاريخ على عمانيته ونسبه إلى عُمان ذات التاريخ الساطع منذ ما قبل الميلاد.

 

ويذكر المؤرخون من أهل عمان القدامى بأن عائلة المهلب بن أبي صفرة الأزدية نشأت وترعرت في شمال عمان وتحديدًا في محافظة مسندم بولاية دبا، وبعض المؤرخين كالشيخ سيف بن حمود البطاشي يشير إلى أن أبا المهلب وُلد في أدم وإليه ينتسب البوسعيد عمان ، وفي كل الحالتين فأزد عمان بترحالهم كانوا يقطنون في سكناهم في الباطنة وحتى مسندم سيدة هرمز ونصل عمان مثلما أشار إلى ذلك الشيخ المؤرخ أحمد بن سعود السيابي.

 

 

وكان والده ظالم بن سراق من أكابر الأزد في عمان، وقيل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أطلق عليه لقب “أبو صفرة” حينما قدم هذا العماني للرسول يعلن إسلامه وعليه حلة صفراء وحينما قال للنبي اسمه ظالم بن سارق، قال له النبي أنت أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما مثلما روى ابن حجر في كتابه الإصابة.

 

وقد كان أبو صفرة من ضمن الوفد العماني الذي خرج من البلاد لتعزية المسلمين في المدينة بوفاة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وهو من قال خطبته المشهورة بالنيابة عن الوفد العماني أمام الصديق، وقد أثنى الخليفة أبوبكر كثيرا على أهل عمان وشكر أفضالهم وحكى لهم حب النبي الكريم لعمان وأهلها، وأمرهم بقيادة المهاجرين والأنصار لحرب الغساسنة حينما ارتدوا عن الإسلام، فكان النصر لقادة عمان وقد زادهم ذلك مكانة وشرفًا، لتبدأ من هنا حكاية بزوغ قوة أزد عمان وعائلة آل المهلب.

 

 

كان أبو المهلب ظالم بن سراق سيد قومه في عمان، وله تسعة عشر ولدا، وثماني بنات، وقد أخذ اسمه هذا في زمن الجاهلية قبل إسلامه، وحينما أسلم حسن إسلامه وشارك في الفتوحات الإسلامية وخاصة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي أمر واليه عثمان بن أبي العاص بالتوجه لمحاربة الفرس برفقة رجال عمان، وبالفعل أخذ هذا الوالي معه الجيش العماني بقيادة أبو المهلب، الذي استطاع أن يقتل هو وصاحبه ناب الحميري القائد الفارسي شهرك ويكسر شوكة الفرس في الخليج العربي، وتقدم الجيش الإسلامي بأهل عمان إلى العراق وتحديدًا إلى مدينة البصرة التي اتخذها المسلمون معسكرًا تنطلق من خلالها جيوشهم للفتح الإسلامي، فاستقر هذا القائد الأزدي وأولاده في البصرة ليشاركوا جميعا في صناعة التاريخ الإسلامي بالفتوحات التي وصلت لبلاد فارس وسمرقند وآسيا الوسطى بشكل عام وخاصة المهلب الذي كان حاضرا بقوة فيما بعد في فتوحات آسيا الوسطى بعهد الخليفة عثمان بن عفان فاستطاع المهلب فتح خراسان وكابل، واستمر ظالم بن سراق وأبناؤه يشاركون في الفتوحات بتلك الأنحاء واشتهر صيتهم بين الخلفاء.

 

 

وحينما التقى أبو صفرة بالخليفة علي بن أبي طالب، شكى له علي كرم الله وجهه عن موقف بعض أزد عمان في معركة الجمل حينما وقفوا بصف السيدة عائشة أم المؤمنين، وكان أول من استشهد في هذه المعركة من العمانيين وسقط شهيدا حاملا مصحفه يدعو الناس للسلام هو الشيخ الجليل كعب بن سور الذي كان قاضيا للبصرة لعلمه وتقواه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

 

فحزن أبو المهلب لذلك وأبدى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كل المواساة لما حدث، وقد ولاه سيدنا علي رئاسة الأزد ونهر تيرى، ومناذر الكبرى، وطلب منه أن يأتيه بأحد أبنائه ليوليه القيادة ويعقد راية الأمان لكل معارضيه، وبالفعل حاول أبو المهلب في ولده النجف، لكنه رفض ذلك رفضا قاطعًا لموقفه السياسي اتجاه علي رضي الله عنه في موقعة الجمل، وبعدها توجه إلى ابنه المهلب الذي لم يتجاوز عمره حينها 27 عاما، فقبل بالمهمة وذهب أبو صفرة بابنه المهلب لعلي بن أبي طالب الذي رحب به وبنسبه وبعمانيته، فهو من البلاد التي يحبها نبي الله ويدعو لها ويقول لأصحابه دوما حينما يتعرض أحدهم للأذى في سبيل الدعوة : “لو أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك”.

 

وأمره مباشرة بعد أن عقد له القيادة ليسير إلى البصرة ليصلح بينه وبين بعض أهلها الفارين بعد فتنة معركة الجمل ويستأمن أرواحهم على ضمانته، فنجح المهلب في ذلك وعاد الكثير للبصرة في كنف حكم علي بن أبي طالب بعدما ضمنوا صدق المهلب.

 

 

وبعد فترة وجيزة من ذلك مات هذا القائد العماني العظيم أبو صفرة ظالم بن سراق في البصرة سنة 37هـ تقريبا، مخلفًا من بعده ذرية كالمهلب وإخوته وأبنائهم تقود الأمة الإسلامية للفتوحات خاصة في عهد الدولة الأموية.

 

لقد ورث المهلب بن أبي صفرة كل معاني الشجاعة ومكارم الأخلاق والقوة والمهابة من والده، وكان هو القائد الأكثر شهرة في عهد الدولة الأموية، والبداية معهم كانت مع خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي استمر بالفتوحات الإسلامية معتمدا كذلك على قادته وجنده برفقة أهل عمان بقيادة المهلب بن أبي صفرة، ففي معركة بلاد خراسان حينما التقى الجيش الإسلامي والعدو، توقف الجند حينما رأوا أن عدوهم أتى بفيل ضخم بمقدمة الجيش، فانطلق ابن عمان المهلب إلى مقارعة هذا الفيل فقطع خرطومه ليسقط الفيل صريعا ومن معه ويتقدم الجيش الإسلامي للمعركة ويكتب الله نصره للمسلمين بفضل شجاعة المهلب بن أبي صفرة ومن معهم ففتحوا خراسان وما جاورها كمدينة كسمرقند في أوزبكستان وسجستان وغيرها.

 

وفي عهد يزيد بن معاوية استطاع المهلب بكل بسالة فتح بخارى وكان حينها والي الأمويين في خراسان شخص يسمى سلم بن زياد، وحينما مات يزيد بن معاوية ثارت الفتنة القبلية في خراسان وخرج منها سلم بعدما ترك المهلب واليًا عليها، فكان الكثير من هؤلاء يكيدون بالغيرة لأزد عمان ومكانة المهلب لدرجة أن أحد أشراف القوم قال لسلم معاتبا له حينما عين المهلب واليا على خراسان مثلما ورد في تاريخ الطبري:

 

“أما وجدت في مضر رجلا تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل ومزون عُمان؟!”.

 

وهنا إشارة مهمة وواضحة للعيان في حقيقة عمانية هذا القائد الفذ المهلب بن أبي صفرة والذي ترك خراسان بعد أن رأي كل هذا التباغض القبلي وانسحب منها بسلام سنة 64هـ.

 

وحينما حدثت الفتنة بين ابن الزبير والخليفة عبد الملك بن مروان مال المهلب إلى ابن الزبير الذي ولاه مرة أخرى خراسان، وبنفس الوقت هاجم الأزارقة الخوارج بقيادة قطري بن الفجاءة البصرة، فهلكوا الحرث والنسل، فاستنجد أهل البصرة بالمهلب كي ينجدهم من جور الأزارقة، وفعلا لبّى المهلب وأبناؤه هذا النداء لنجدة البصرة وأهلها فجمع أصحابه وجلهم من أزد عمان وقال لهم: “سمعت أمير المؤمنين عليا يقول : للأزد أربع خصال ليست في حي من العرب، بذل لما في أيديهم، ومنع لحوزتهم، وشجعان لا يجبنون، نصر الله بهم هذا الدين وبهم تشتت شمل المارقين”.

 

فاجتمع الجيش تحت رايته وأبنائه وتوجهوا لمحاربة الأزارقة وأصبحت المعارك بينهم حامية الوطيس وكان مدرك والمغيرة ويزيد وحبيب أبناء المهلب أشهر من في الجيش شجاعة وفتكا في معاركهم ضد الأزارقة كأبيهم، ويكفي أن نعلم بأن بعد معارك عنيفة وكثيرة بين الجيشين استطاع المغيرة ابن المهلب أن يقتل قائد الأزارقة قطري بن الفجاءة ولاحقهم المهلب وجيشه حتى كرمان وشتت شملهم وعادت البصرة لأهلها وقد تم تسميتها “بصرة المهلب” لدوره الكبير في نجدتها لذلك كان أهل الكوفة ينادون أهل البصرة دوما بموالي المهلب.

 

وحينما وصل خبر هزيمة الأزارقة بيد المهلب وجيشه سر الخليفة عبد الملك بن مروان لذلك فولاه ولاية خراسان وما جاورها من البلدان.

 

وظل المهلب بعد هذا الانتصار خمس سنوات في ولاية خراسان حتى توفاه الله وهو بعمر 72سنة وذلك في سنة 83هـ.

 

لتنتهي بذلك حياة مقاتل عُماني وقائد فذ حمل سيفه في سبيل الله وأمجاد الإسلام ليفتح بشجاعته وشجاعة أبنائه أغلب دول ومدن آسيا الوسطى.

 

وقد نعاه الكثير من الشعراء منهم المغيرة بن عمرو التميمي ابن حبناء الذي قال:

 

ترحلت الأخيار تنعى عميدها
إذا العرف وارته السقائف والقبر
يقولون هل بعد المهلب مثله
ألا بل الأمصار من مثله قفر
كأنا سكارى يوم عالوا نعيه
وليس بنا إلا المصاب بنا سكرُ




 

وقد خلد التاريخ الإسلامي اسمه في صفحات التاريخ المشرق الذي لن يندثر إلا بزوال هذه الأرض ومن عليها، لنبدأ اليوم نحن أبناء عمان صفحات جديدة لتوثيق سيرة عظمائنا وأجدادنا والسير على نهجهم وكسر شوكة من يسيل لعاب مراهقته للسطو على مجدهم ونسبهم وذلك احترامًا للأمانة والمنطق والمصداقية التاريخية وإحقاق الحق ولو كره المزورون.

 

********************************

المصادر:
1- الأنساب، للعلامة أبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، ج2، تحقيق د.محمد إحسان النص، الطبعة الخامسة 2016م، وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان.
2 – الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، حميد بن رزيق بن بخيت النخلي العماني، تحقيق أ.د محمد حبيب صالح، د. محمود بن مبارك السليمي،ج1، الطبعة السادسة2016، وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان.

المصادر


 

******************************
المراجع:
• آل المهلب العمانيون في المشرق الإسلامي منذ ظهور الإسلام وحتى قيام الدولة العباسية “دراسة وثائقية”، عبدالمنعم عبدالحميد سلطان، الطبعة الرابعة2010م،المكتب الجامعي الحديث.


المراجع


Your Page Title