أثير- سيف المعولي
أثير-
سيف
المعولي
بعلاقةٍ محرّمةٍ آثمةٍ بدأت جريمتهما، وعبر أشهرٍ من التخطيط كان الشيطان يُغمسهما أكثر في بحره المظلم، ويسطّر الوساوس لتتراءى أمام ناظريهما؛ فانساقا خلفها “بلا ضمير”، بعد أن ظنّا أنهما سينجوان، وسيعيشان في “رغدٍ من العيش” لم تنزل قطرة عرق واحدة منهما لتحقيقه، بل هو “تعب وكد” الشخص الذي راح ضحية عملهما الشنيع.
تلبسهما الشيطانُ وأوهمهما بأنهما قادران على “مواراة” إثمهما في تراب النسيان حتى اقترفا الجريمة، ولم يكادا ينتهيان منها حتى “كسّر مواعينه” فوق رأسيهما، فافتضح أمرهما، وتبدلت “أحلام” الثروة والميراث في مخيلتهما إلى “كوابيس” بحبل المشنقة ورصاصة الإعدام.
الحكاية ليست مشهدًا من أفلام بوليود، ولا خيالًا من سينما هوليود، ولا تشويقًا من إحدى الروايات التي يُمثّلها شاروخان، أو مهند، أو روبن هود، بل هي جريمة حقيقية وقعت في مسقط مطلع العام الجاري 2018م، استطاع الادعاء العام “كشف خيوطها” من كل الجوانب، وبأدلة “لا تدع مجالًا للشك” بما حدث.
عنوان القضية -التي حصلت “أثير” على تفاصيلها- يشير إلى قيام زوجة وعشيقها بقتل زوجها، حيث انطلقت الفكرة منها والتنفيذ عليه، وشاركهما “الشيطان” في التخطيط، وكان الهدف الحصول على الميراث وخلو الجو لهما للزواج بعد تنفيذ المهمة.
أما التفاصيل “المؤلمة” فتشير إلى حدوث تعارف بين المتهم وزوجة المغدور به منذ حوالي ثلاث سنوات، وبدأ كل واحدٍ منهما “الفضفضة” عن همومه ومشاكله للآخر، ثم تطوّر الأمر إلى لقاءات “حميمية” متواصلة، حضر في بعضها “الخمر” وفي بعضها الآخر “التصوير”.
اكتشف الزوج جانبًا من “عشقهما المحرّم” أكثر من مرة؛ فتغاضى وأعطى زوجته فرصة للإصلاح، بعد أن استشار أهله وأهلها، لكنها لم ترتدع بل “قدحت” في رأسها فكرة التخلص منه؛ لأن الطلاق سيجعلها تخسر كل شيء، وليس سوى “موته” مَن سيهب لها منزلًا جديدًا بقيمة تتجاوز 100 ألف ريال عُماني، وجوًا مُريحًا لتفعل ما تشاء مع مَن أوقعته في شَركِها.
رفض المتهم الفكرة في البداية؛ فالقتل ليس بالأمر الهيّن، لكنه انصاع لطلبها المتواصل ورضخ لها لتعلقه بها، فبدأ يبحث في الجانب المظلم من “محركات البحث” عبر الإنترنت عن “أسرع طرق للقتل”، و”كيفية إخفاء آثار الجريمة” إلى غيرها من المصطلحات التي ليس لها إلا نتيجة واحدة هي الجريمة.
كان التآمر والتخطيط بين المتهمين حول طريقة تنفيذ الجريمة مستمرًا، واستخدما برنامجًا هاتفيًا للتواصل يحذف جميع الرسائل بعد الاطلاع عليها، فطرحا فكرة “التسميم” و”القتل بالمسدس” حتى استقرا على سيناريو يوهمان به الناس أن القتل وقع بمناسبة “سرقة سيارة المغدور به” لإبعاد فرضية “العمدية والقصد” في الحادثة، “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، ورغم أنهما لم يحددا تاريخًا معيّنًا لتنفيذ مخططهما، لكنّ أمرًا حدث جعلهما يستعجلان القيام بالجريمة.
علمت المتهمة بأن زوجها سيطلّقها في تاريخ معيّن؛ فاستحثّت المتهم لتنفيذ الجريمة قبل يوم من ذلك التاريخ؛ لأن زوجها سيأتي ليلًا بعد الانتهاء من مهمة عمله، فذهب المتهم إلى أحد المراكز التجارية المعروفة في مسقط واشترى سكينًا ذات مقبض أحمر، كما اشترى الملابس المزمع تنفيذها في العملية، وهي بنطال ومعطف أسودا اللون وقفاز وجوارب وحذاء وقناع.
التقى المتهمان مساء يوم الجريمة، واتفقا على السيناريو، وبدأ التنفيذ الساعة الحادية عشرة ليلا؛ حيث أخذته بسيارتها من منزل والده إلى منزله ليرتدي عدة القتل، ثم أقلته من منزله إلى مكان قريب من منزلها، وأغلقت باب المنزل الكبير؛ لتضمن دخول زوجها المجني عليه من الباب الصغير الذي ترصّد خلفه المتهم وهو يتنكّر بقناع.
جلست وابنها في صالة المنزل متعمّدة رفع صوت التلفاز، وتُراسِل زوجها لتتأكد من موعد مجيئه، كما كانت “بين الفينة والأخرى” تذهب للمتهم و”تشدّ من أزره” وتشجعه، حتى جاءت لحظة ارتكاب الجريمة.
كان أحد الأبناء (16 عامًا) يجلس في غرفته بالطابق العلوي، وفجأة سمع صوت صراخٍ في الخارج، وعندما أطلّ من الشرفة وجد أباه يتعارك مع شخص، وقد استطاع نزع قناعه وبانت ملامح وجهه، كما سمع أباه يُردد “فلان خلينا نتفاهم”، فهرع مُسرعًا إلى الخارج، وعندما وصل وجد المتهم يطوّق والده بيد ويغرس بيده الأخرى سكينًا “ذات مقبض أحمر” في رقبته حتى خرّ صريعًا، فلحق به وأدركه إلا أن المتهم أشهر له ذات السكين، وهو ما دفعه للخوف منه والرجوع.
المشهد الآخر للحكاية أثناء حدوث الجريمة كان في الصالة، حيث يشاهد الابن الأصغر (13 عامًا) التلفاز مع أمه، فسمع صوت الصراخ في الخارج وأخبرها بذلك فردت عليه “لا تهتم، هذا أكيد صوت سُكارى”، لكنّ نزول الأخ الأكبر من الطابق العلوي مسرعًا نحو الخارج جعلهم يركضون خلفه، ويشاهدون بـ “أمّ أعينهم” المتهم وهو ينفّذ جريمته.
لم يُسعِف الوقت المغدور به للنجاة؛ فأتاه الأجل المحتوم وهو بملابس عمله؛ نظرًا للطعنات الكثيرة التي تلقاها، كما أن “الحِيل” التي اتخذها المتهمان للنجاة من فعلتهما لم تفُلِح، فما تكذب به “الألسن” لا تستطيع “الأعين” التي شاهدت كل شيء “تصديقه”.
بعد أن أسفرت جهود الجهات الأمنية وتحقيقات الادعاء العام عن “فضح” ملابسات قصة “الغدر والخيانة” وكشفت هوية أبطالها، أحال الادعاء العام الملف للمحكمة المختصة وقدّم مرافعة مرصّعة بالأدلة والبراهين ليختمها بالمطالبة بالقصاص من المتهمين وإعدامهما؛ ليكونا “عبرةً لأولي الأبصار”.
وأخيرًا؛ على مدى ثلاث سنوات “زيّن” لهما الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء أن ما بينهما “حبًا صادقًا وثقة”، وما إن مثُلا في “قفص الاتهام” بين يدي المحكمة، حيث انكشفت “الحقيقة” وبان “الخسران”؛ تنكّر كلٌّ منهما للآخر وقال “اللهم نفسي نفسي”؛ فهو يصفها بأنها “كذّابة” وهي تزعم بأنه “يُريد توريطها”، والمنطق يقول “ما بُني على باطل فهو باطل”.