main

الأسرار التي كشفتها الرواية الشفوية عن الجهاد الليبي ضد الاستعمار الإيطالي

المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي

أثير-جميلة العبرية

قال سعادة أ.د. محمد الطاهر الجراري، رئيس المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، إن مشروع جمع الرواية الشفوية في ليبيا يمثل أحد أهم المشاريع الوطنية التي سعت إلى توثيق الذاكرة الليبية من خلال تسجيل روايات المجاهدين والناجين من فترة الاستعمار الإيطالي.

وأضاف الجراري في عرضه لورقة عمله “تجربة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية في جمع رواية التاريخ الليبي " ضمن المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي الذي حضرته “أثير”، أن المشروع انطلق منذ السبعينات بهدف توثيق قصص الليبيين الذين عاشوا فترة الجهاد ضد الاستعمار، وهي قصص لم يتم توثيقها في الوثائق الرسمية، والذي يسعون إلى تسليط الضوء على هذه الروايات الإنسانية وتسجيلها للأجيال القادمة.

وأشار الجراري إلى أن المشروع يهدف إلى استكمال فراغات تاريخية مهمة لم تغطها المصادر الرسمية، قائلاً: “الرواية الشفوية تتيح لنا الوصول إلى تفاصيل دقيقة عن أحداث تاريخية لم تسجلها الوثائق المكتوبة، وهذا يسهم في إثراء فهمنا للتاريخ الليبي ويعزز الهوية الوطنية من خلال ربط الأجيال الجديدة بالتاريخ”.

منهجية المشروع والتحديات التقنية

أوضح الجراري أن المشروع اعتمد على فريق بحثي مدرب جمع روايات من جميع مناطق ليبيا، مشيرًا إلى أن فريق الباحثين الليبيين تلقى تدريبًا خاصًا بإشراف خبراء دوليين، مثل الدكتور جان فنسينا عبر قوله: “لقد اعتمدنا على فريق بحثي متخصص تم تدريبه على منهجيات جمع الروايات الشفوية وتوثيقها بدقة، خاصة أن هذا النوع من التوثيق يتطلب مهارات خاصة لضمان دقة المعلومات وموضوعيتها”.

وتابع قائلاً: “أحد أكبر التحديات التي واجهناها كانت تنوع اللهجات وتفاوت أعمار الرواة، وهذا الأمر تطلب مجهودًا كبيرًا في تفريغ الأشرطة وترجمتها، فساعة من التسجيل قد تستغرق ساعات من العمل للتفريغ والتوثيق؛ لكننا واصلنا العمل ونجحنا في تفريغ جزء كبير من الأشرطة وتوثيق العديد من الروايات المهمة”.

أهمية الرواية الشفوية في توثيق الجرائم الإيطالية

وعن دور المشروع في الكشف عن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الإيطالي، قال الجراري: “تمكنا من توثيق حقائق لم تكن موثقة في السابق، مثل استخدام الغازات السامة ضد الليبيين خلال الحروب الاستعمارية، والاعتقالات الجماعية في المعتقلات الإيطالية، كما توصلنا إلى أدلة تؤكد أن عدد ضحايا الإبادة الإيطالية تجاوز 700 ألف شخص، وهو رقم تم التحقق منه من خلال مقارنة التعداد السكاني للدولة العثمانية في تلك الفترة”.

وأضاف الجراري: هذه الحقائق التي كشفناها من خلال الروايات الشفوية تعيد كتابة التاريخ الليبي بشكل أكثر دقة وإنصافًا، مما يعزز من أهمية هذا النوع من التوثيق في الحفاظ على الذاكرة الوطنية.

الخطط المستقبلية للمشروع

وحول الخطط المستقبلية للمركز، أكد الجراري أن العمل على المشروع لا يزال مستمرًا، قائلاً: “نعمل حاليًا على استكمال تفريغ الأشرطة المتبقية وطباعة المجلدات التي تحتوي على الروايات الشفوية، فحتى الآن، تم تفريغ 7126 شريطًا من أصل 8578، وتم نشر 50 مجلدًا من الروايات الشفوية، ونحن بصدد إعداد المزيد من المجلدات للطبع”.

واختتم الجراري عرضه لورقة عمله قائلاً: “نسعى من خلال هذا المشروع إلى أن تكون هذه الموسوعة مصدرًا للباحثين والأكاديميين، كما نأمل أن تلعب دورًا في توثيق التراث الثقافي والإنساني لليبيا، فالرواية الشفوية ليست مجرد تسجيل للتاريخ، بل هي أداة لإبراز الهوية الوطنية وتوثيق تجربة الشعب الليبي للأجيال القادمة”.

يذكر أن ”المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي: المفهوم والتجربة عربياً“، تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية ومؤسسة وثيقة وطن في الجمهورية العربية السورية، وتمتد فعالياته لثلاثة أيام من ٢٣ إلى ٢٥ سبتمبر، بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والباحثين والممارسين في مجال التاريخ الشفوي من مختلف الدول العربية والعالمية.

Your Page Title