تاريخ عمان

تقرير عن مخطوط طبّي مهم ألّفه أحد الأطباء العُمانيين

مخطوط طبّي مهم ألّفه أحد الأطباء العُمانيين

مسقط-أثير

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

عرفت عمان على مدى تاريخها الطويل الضارب في القدم العديد من الشخصيات التي برزت في المجالات الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية المختلفة، وكان لها إنجازات كبيرة تضاف إلى سجل الإنجاز العماني المتخم.

ويعد مجال الطب من المجالات المهمة التي برع فيها العمانيون، وحفظ لنا التاريخ أسماء عدد من الأطباء، والمؤلفات الطبية العمانية في مختلف المجالات الطبية، وما تزال أرفف المكتبة العمانية زاخرة بتلك المؤلفات، عدا عن العديد من المخطوطات والمؤلفات التي لم تر النور بعدها، أو تلك التي لا تزال في طيّ الدراسة والتحقيق.

”أثير“ تأخذكم في هذا التقرير لاستعراض بضعة أوراق من مخطوط طبّي مهم ألّفه أحد الأطباء العمانيين، وهو السيّد حسن بن عمر بن أحمد عيديد المولود في مدينة صلالة عام 1915، والذي ينتمي إلى أسرة علمية وتجارية بارزة ألا وهي أسرة (عيديد)، حيث كان جدّه السيد أحمد بن علوي عيديد أحد القضاة الذين برزوا خلال عهدي السلطان فيصل بن تركي وابنه السلطان تيمور بن فيصل. كما كان والده السيد عمر بن أحمد عيديد من أبرز التجار العمانيين وربطته علاقات وطيدة مع السلطان تيمور وابنه السلطان سعيد بن تيمور.

ويعكف الباحث محمد علوي باهارون المتخصص في تاريخ المنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة على تحقيق هذا المخطوط ودراسته والاعتناء به بعد أن حصل على نسخة مصوّرة منه قدّمها لها ابن أخ المؤلف، وهو الباحث محمد بن أحمد بن عمر عيديد، ومنها اعتمدنا على ما سنكتبه خلال السطور القادمة.

كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى الصديق الباحث محمد بن أحمد بن عمر عيديد على تزويدي بالعديد من الوثائق والصور الخاصة بالموضوع، والمعلومات القيّمة التي قدمها، والمراجعات والتصويبات التي قام بها.

المخطوط الطبّي

أودع السيد حسن بن عمر عيديد تجاربه الطبية وما سمعه من أهل الخبرة والمعرفة من الوصفات الطبية والفوائد العلاجية في مذكرة ضخمة تدعى (مجموع الأدوية المجرَّبة في الطب الشعبي العُماني) حوت على ( 204) صفحات بالإضافة إلى صفحتي الغلاف دوّن فيها العشرات من المجربات والفوائد التي جربها هو بنفسه أو وصفها له من جربها من المهتمين بالتطبب والمعالجة أمثال والده السيد عمر بن أحمد عيديد، والسيد سالم بن حسين البيض من أهالي الشحر، وعلي بن محمد الباص من أهالي بروم، وسعيد بن عوض باعباد، واحمد بن سالم العماري من أهالي الحامي وغيرهم الذين التقى بهم، وهي مدونة بين عامي 1362- 1390م أي خلال ثلاثين سنة وقد استفاد منها العشرات من المرضى وما يزال بعضهم يتطبب ببعضها إلى اليوم في ظفار.

مجموع الأدوية المجرَّبة في الطب الشعبي العُماني

وقد احتفظ الباحث سعيد مسعود المعشني بنسخة مصورة من الكتاب قدمها له ابن المؤلف السيد عبد القادر بن حسن عيديد، كما ترجم له في كتابه (الآثار التاريخية في ظفار)، فذكر أنه تلقى علومه في الهند، ويجيد اللغة السواحلية والهندية إلى جانب لغته الأم (العربية)، وأن له كتابا في الطب الشعبي يقع في (204) صفحات، وأقدم تاريخ على صفحاته 1362هـ، وقد دوّن فيه معظم تجاربه العلاجية وأسماء النباتات والأدوية المستخدمة.

وعنه نقل صاحبا كتاب (التاج المرصع في سير أعلام عمان من مذاهب الأربع) (1/503) ما يأتي: "كتاب الطب الشعبي للسيد حسن بن عمر بن أحمد عيديد (ت 1414هـ) ولد بصلالة تلقى علومه بالهند، وكان يجيد اللغة السواحيلية والهندية إلى جانب لغته الأم (العربية). له كتاب في الطب الشعبي يقع في 204 صفحات وأقدم تاريخ على صفحاته 1362هـ، وقد دون فيه معظم تجاربه العلاجية وأسماء النباتات والأدوية المستخدمة، ولا يزال مخطوطا“.

جانب من بعض أوراق المخطوط. مكتبة الباحث محمد علوي باهارون
جانب من بعض أوراق المخطوط. مكتبة الباحث محمد علوي باهارون
جانب من بعض أوراق المخطوط. مكتبة الباحث محمد علوي باهارون

وقد قام السيد حسن بوصف بعض الموضوعات الاجتماعية الأخرى في مدونته الطبية مثل بيان بعض أسماء الأشجار، وزراعة البر والبصل والبن والسمسم، وصناعة بعض الأكلات مثل السكر نبات والبث والقبع والحلوى والنعنع والكيك والزنجبيل والفلل الأسود المربى.

المدونة الطبية

كما قام المؤلف بتوثيق بعض الحوادث التي حصلت في ظفار في القرن الرابع عشر الهجري مثل العواصف البحرية المسمى عند البحارة بالطوفان بين عامي 1377هـ - 1383م وظهور بعض النجوم والأجرام السماوية الغريبة بين عامي 1385-1390هـ، وحادثة الغريقة سنلحقها بهذا المجموع لإتمام الفائدة، وهي حادثة غرق حوالي 200 من أهالي محافظة ظفار من بينهم عدد من النساء والأطفال والتي أحدثت هزة في المجتمع آنذاك وهو ما يعرف في محافظة ظفار بسنة (الغريقة) بسبب الأنواء المناخية التي اجتاحت المنطقة بتاريخ 23 مايو 1959م.

بعض الأحداث المناخية التي قام المؤلف بتدوينها.
بعض الأحداث الجارية التي قام المؤلف بتدوينها.

التعريف بالمؤلف

هو السيد الطبيب حسن بن عمر بن أحمد بن علوي عيديد، ولد في يوم الأربعاء 7 شوال سنة 1333هـ الموافق 18 أغسطس 1915م في مدينة صلالة، ونشأ تحت رعاية والده السيد عمر بن أحمد عيديد الذي كان يعد من كبار تجار ظفار ويمتلك عددا من المحال التجارية بسوق الحصن في صلالة والاأاضي الزراعية، ورحل مع عمّه حسين إلى الهند وكان لديه مكتب تجاري في ميناء بومباي يفد إليه ربابنة عمان واليمن، وتعلم بها الإنجليزية وغيرها. كما اكتسب خبرةً في التداوي بالأعشاب الطبية ومن هناك كانت بدايته مع رحلة العلاج والطب.

الطبيب حسن بن عمر بن أحمد بن علوي عيديد

ثم سافر إلى شرقي أفريقيا التي مكث بها سنتين تعلم خلالها الإيطالية واستفاد من العلوم الطبية هناك، ثم عاد إلى ظفار حيث عمل في التجارة وفتح له دكانًا في سوق الحصن. كما تردد على حضرموت ومكث فترة في مدينة الحامي واستفاد من المهتمين بالطب أمثال الطبيب الماهر العلامة عبد الرحمن بن عبدالله باهارون وغيره في الحامي والشحر والمكلا، ثم تنقل بين عدن وظفار تاجرا وناقلا للبضائع التجارية.

وفي سنة 1380هـ رحل إلى وادي حضرموت وزار مدينتي سيؤن وتريم والتقى ببعض المشايخ الذين لهم اهتمام بعلم الطب وفي مقدمتهم الحبيب علوي بن عبدالله بن شهاب الدين المتوفى سنة 1386هـ بتريم والحبيب العلامة أحمد بن علوي بن علي الحبشي بسيئون وأفاده ببعض المجربات التي جربها أو نقلت عن جده الإمام علي بن محمد الحبشي المتوفى بسيؤون سنة 1333هـ.

استقراره في ظفار ووفاته:

استقر السيد حسن بن عمر عيديد في مدينة صلالة حيث افتتح محًلا تجاريًا في سوق الحصن ثم فتح مؤسسة تجارية باسمه، وكان يقوم بعلاج المرضى بدون مقابل لوجه الله تعالى، وكان بيته مشفى للعديد من أهالي ظفار، وكان يؤتى بالمريض ويقوم بمعالجته ولا يخرج من عنده إلا وقد بدأت العافية على بدنه بإذن الله وهو معروف ومشهور عند أهل ظفار، وقد قدمت له دعوة كريمة من السيدة الجليلة ميزون بنت أحمد المعشني والدة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله وأرادت أن تفتح له مؤسسة خاصة بالطب العربي، لكنه فضل أن يقوم بعمله لوجه الله.

وفي أواخر أيام حياته أصيب بوعكة صحية نقل على أثرها إلى مدينة مسقط للعلاج، وكانت وفاته في ليلة الجمعة بالمستشفى السلطاني بمسقط 5 محرم سنة 1414هـ كما هو مكتوب على شاهدة قبره بمقبرة الشيخ أحمد بن عفيف بصلالة، ثم نقل إلى صلالة ودفن بها عصر يوم الجمعة 6 محرم الموافق 25 يونيو 1993م.

شاهدة قبره بمقبرة الشيخ أحمد بن عفيف بصلالة

وصفاته الطبية:

تميز السيد حسن عيديد بوصفاته وتجاربه الطبية البارعة والتي جربها على نفسه غالبا، وأنقذ بها العديد من المرضى، بلمن الميؤوس منهم، وما يزال أهل صلالة يذكرونها إلى اليوم، وكان يصف الدواء للمرضى ويعطيهم الدواء مجانا، ويُعلِّم لهم أماكن الكيّ ثم يرشدهم إلى أحد المختصين.

ومن ذلك أن أحد الأشخاص كان مريضًا وترقّد في مستشفى السلطان قابوس وكانت عنده كحة شديدة مصحوبة بدم، فجاء السيد حسن وزاره ووصف له استخدام الكركم مع الليمون الحامض، يعمل مثل الحبوب بعد أن يبشر الكركم من العود ويشرب منه فانقطع منه الدم بعد ساعتين.

وعالج بنت أحد أصدقائه من لحمةٍ نبتت لها على لسانها وقد عجزوا في علاجها، فعالجها ببودرة يضعها على لسانها ويضم عليها بإبهامه حتى خرج الدم وتقطعت تلك اللحمة وصارت أثرًا بعد عين.

ومنها أن إحدى بنات إحدى النساء في ظفار كانت مصابة بمرض بالرئة في أيام حكم السلطان سعيد بن تيمور، فجاءوا بها إليه لعلاجها وقد عجز الأطباء عن شفائها فعالجها بالمر فطير العربي تشرب منه بعد أن ينقع ويذوب في الماء، ثم سافرت إلى لندن لإجراء الفحوصات فأخبرها الدكتور المعالج بأنها أصيبت بالسرطان وآثاره واضحة على الرئة فكيف تعالجت؟ فأخبرته بأنها تعالجت عند السيد حسن بشرب المر فطير.

ومنها أن أحد أهل الجبل عنده فهقة قوية فلما جاؤوا به إليه قال لهم والمريض يسمعه أن هذا المريض لن يصبح إلى الصباح ليدخل الخوف والرعب على قلبه، وبعد ساعات نام المريض وهو يرتجف من الخوف وقام وقد شفاه الله.

أسرة آل عيديد

تعد أسرة آل عيديد من الأسر العلمية والتجارية البارزة في حضرموت وظفار، وهم من سلالة محمد بن علي بن محمد باعلوي صاحب مرباط، وقد لقّب جدّهم الأول بعيديد لسكناه في وادي عيديد الشهير جنوب غرب تريم، حيث بنى فيه مسجدًا ودارًا واستقر بها للعبادة ولا ينزل عنها إلا في أيام الجُمَعْ أو لعيادة أهله ومعارفه، ثم سكن بجواره عدد من أصحابه حتى صار المكان قرية معمورة.

وقد برز من هذه الأسرة العديد من الشخصيات البارزة وبالأخص في مجال العلوم الفقهية، والأدب، والتأليف، كما برز عديدٌ منهم في مجال الملاحة البحرية، حيث امتلكوا مجموعة من السفن التي تاجروا بها مع العديد من موانئ الخليج والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا.

ولأن مجال الحديث عن شخصيات هذه الأسرة واسع ومتشعّب، فإننا سنقتصر ذلك على ذكر نبذ ذاتية عن بعض شخصيات الأسرة في محافظة ظفار، وهم السيد أحمد بن علوي عيديد جد المؤلف، ووالده التاجر المعروف عمر بن أحمد عيديد، وأخيه الدبلوماسي البارز وصاحب أول مطعم عماني في نيويورك، محمد بن عمر عيديد.

العلامة السيد أحمد بن علوي بن حسن عيديد

هو السيّد العلّامة القاضي أحمد بن علوي بن حسن عيديد، ولد حوالي عام 1265هـ من أبوين كريمين، ونشأ نشأة دينية صالحة مع إخوانه عمر وحسن، وشبّ على الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة.

وقد أخذ السيد أحمد مبادئ العلم الشرعي وعلوم القرآن الكريم عن والده الحبيب علوي بن حسن عيديد، وعن العلامة السيد عوض بن محمد عيديد (ت ١٢٩٣)، والعلامة عبدالله بن سالم عيديد (ت ١٣٠٦هـ)، والعلامة محمد بن سالم عيديد (ت ١٣١١)، والعلامة سعيد بن عبدالله باهارون (ت ١٣١٣)، والحبيب صادق بن عمر مكنون (ت ١٣١١)، بالإضافة الى تلقيه العلم بصحبه اخويه النوخذة عمر بن علوي وحسن بن علوي برباط دوعن.

تولى السيد أحمد بن علوي عيديد القضاء في عهد السلطان فيصل بن تركي إلى وفاته في عام ١٣٣٧ هـ في عهد السلطان تيمور كان خلالها محل للتقدير والاحترام سلاطين عمان ومن اهل المشورة والنصح لهم، وخلال فترة عمله بقضاء ظفار أقام العدل وقدّم الاصلاح بين المتخاصمين.

وثيقة يظهر فيها توقيع القاضي أحمد بن علوي

وبالإضافة للقضاء كان القاضي أحمد عيديد يقوم بالتعليم والارشاد حيث أقام الدروس العلمية وتولى الخطابة بالمسجد الجامع بصلالة، ومن تلامذته ابنه السيد عمر بن أحمد بن علوي عيديد، والشيخ سالم بن أحمد السيل الغساني، والسيد حفيظ بن سالم بن عبدالله الكاف، والسيد أحمد بن محمد باعمر وغيرهم.

ويذكر الباحث محمد علوي باهارون أن القاضي أحمد بن علوي كانت تربطه علاقة أخوية مع السلطان فيصل بن تركي ثم ابنه السلطان تيمور بن فيصل، وكانا يستشيرانه في العديد من الأمور، كما كانت تربطه علاقات حميمة مع ولاة ظفار في عهده.

ورث السيد أحمد وأخويه النواخذة عمر بن علوي وكان من أبرز النواخذة الذين جابوا موانئ المحيط الهندي في عصره، وحسن بن علوي عدة مراكب تعمل بين سواحل عمان وحضرموت وعدن والخليج والسواحل (شرق افريقيا ) والعراق والهند، ومنها المركب (عيديد)، والمركب (العبري)، والمركب (الزعيمة)، إضافة لمزارع واملاك اخرى بحضرموت، وقام السيد عمر بن علوي بإدارة هذه الأملاك والتجارة وتوسعتها حيث اشتروا منزل بصلاله ومحلات بمرباط وصلالة.

وثيقة خاصة بشراء القاضي أحمد عيديد بيتًا في صلالة له ولأخويه
إحدى المراسلات التجارية الخاصة بأسرة علوي بن حسن عيديد. مكتبة الباحث محمد باهارون

كما عمل القاضي أحمد بن علوي عيديد بالتجارة بظفار من خلال ما تظهره الوثائق وتملكه لمحال تجارية وأراضي زراعية كمحل في بيت مكال (على شاطي الحافة موقع قصر الحصن لاحقا) ومزارع وبساتين كبستان الزعفران، وبير بابقي الشهيرة المذكورة في كتاب الدلائل والاخبار في خصائص ظفار وغيرها.

مراسلة تجارية خاصة بالسيد أحمد عيديد وأخيه عمر. مكتبة الباحث محمد باهارون
جانب من بيت أسرة السيد أحمد بن علوي عيديد. أرشيف وثائق الأسرة

ومما قيل فيه في واحدة من أقدم أشعار فن الشبانية الظفاري:

رحب بنا عيديد ... وفرش لنا روشان

جاب الزوالي والقطايف ... شغل بوكان

قلنا صباح الخير ... ياشيخ ولد الشيخ

يا عنبر وعود ... ومجالس الحكام

ومن بين الوثائق القديمة التي تشير إلى دوره كقاضي في ظفار؛ وثيقة تعود إلى شهر شعبان عام 1299هـ الموافق شهر يونيو 1882م باعتماد وتوقيع وختم القاضي السيد أحمد بن علوي عيديد وبخط المعلم حسن عبدالرحمن عتيق وشهد عليها سعيد بن علي، وعلي بن فتح.

وثيقة تعود إلى شهر شعبان عام 1299هـ الموافق شهر يونيو 1882م

كانت وفاة السيّد القاضي أحمد بن علوي عيديد في 5 شوال سنة 1337ه الموافق 4 يوليو 1919، كما ورد في بعض العتائد بخط الشيخ أحمد محمد علي سالم، كما أشارت إليه كذلك الرسالة التي أرسلها السلطان تيمور بن فيصل يعزي فيها ابنه عمر بوفاة والده، توجد منها نسخة عند الباحث الدكتور حسين بن علي المشهور.

وثائق
وثائق
شاهد قبر السيد أحمد بن علوي عيديد ويظهر وجود خطأ في تاريخ الوفاة

وقد أنجب السيد أحمد بن علوي بن حسن عيديد عددًا من الأبناء منهم: محمد، وحسين، وحامد، وعبدالله، وعلوي، وعمر، برزوا في المجالات الملاحية، والتجارية، والعلمية.

السيد عمر بن أحمد بن علوي عيديد

من الشخصيات العمانية المهمة التي برزت مع مطلع القرن العشرين، ومن أبرز تجار مدينة صلالة في عهد السلطان تيمور بن فيصل. ولد بحسب رواية الباحث محمد علوي باهارون في ١٧ ذي الحجة ١٣٠٩هـ الموافق 13 يوليو 1892م، وتلقى علومه على يد والده القاضي السيد أحمد بن علوي عيديد قاضي ظفار، ولما شب وأيفع مارس التجارة والابحار إلى الهند يتاجر في اللبان، وإلى شرق أفريقيا يجلب منها السيوف والاقمشة، وهو – بحسب الباحث محمد بن علوي باهارون- أول من جلب الفندال الهندي، ومن ثم قامت الدولة بتعميمه ونشره، كما جلب المصباح الناري(التريك)، والشولة (موقد ناري).

صورة أرشيفية للسيد عمر بن أحمد عيديد. أرشيف الأسرة

ويذكر عن السيّد عمر بن أحمد عيديد أنه كان كثير الأسفار إلى الهند وكانت له بعض الصلات هناك، إذ كان أحد إخوته وهو السيد حسين بن أحمد مستقرًا في بومباي لمزاولة النشاط التجاري، وهذا ما ساعده على سهولة التواصل فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير، وهناك مراسلات تشير إلى استقراره في الهند لفترة من الزمن حيث سافر إلى الهند في عام 1344هـ كما تشير إلى ذلك رسالة أخيه السيد حسين بن أحمد إلى عمه السيد عمر بن علوي المؤرخة في 7 ربيع الآخر من تلك السنة وفيها يشير إلى وصول أخيه عمر. إضافة إلى تعاملاته النشطة مع تجّار حضرموت وأراضي المهرة.

ويشير الباحث باهارون إلى أن السيد عمر امتلك بسوق ظفار ستة دكاكين مواقع للتجارة والتخزين بعوقد وطاقة، إضافة لمخزنين بفرضة ريسوت، كما عمل بتجارة اللبان، وكان من كبار تجار اللبان نظرًا لعلاقاته مع كبار مشتري اللبان في الهند وعدن.

ومما قيل من أشعار في ذكر تجارة السيد عمر بن أحمد عيديد وبالأخص تجارة اللبان، ما قاله الشاعر الكبير الشيخ محمد بن سعيد النقيب اليافعي للسيد عمر يحثّه على شراء اللبان أثناء فترة الحرب العالمية وكساد تجارة اللبان وتوقف تصديره:

يا بن عيديد على الله توكل ... لا تخاف من حروب النصاره

ربنا هو الواحد المدبّر ... بيده الفايدة والخسارة

وثيقة خاصة بمعاملة مالية بين التاجرين عمر بن أحمد عيديد وعبدالله بن عقيل آل إبراهيم

ويذهب الباحث الدكتور حسين بن علي المشهور إلى أن السيد عمر بن أحمد عيديد كان من التجّار البارزين في سوق الحصن، ومن المؤسسين لحركة هذا السوق، وكانت له بعض الدكاكين في السوق القديم بعوقد وكذلك في مدينة طاقة، ويظهر أنه طلب من السلطان تيمور السماح له ببناء بعض الدكاكين لمزاولة البيع والشراء وذلك في العقد الثالث من القرن العشرين، وبموجب ذلك الطلب سمح له السلطان ببناء أربع محلات في سوق ظفار المعروف بسوق الحصن بموجب وثيقة تعود إلى يوم 28 من شهر صفر 1342هـ الموافق 9 أكتوبر 1923م:

وثيقة إباحة بناء بخاخير بسوق ظفار من قبل السلطان تيمور. تاريخ الوثيقة ٢٨ صفر ١٣٤٢هـ
وثيقة إباحة بناء دكان بسوق ظفار من قبل السلطان تيمور. تاريخ الوثيقة 2 ربيع الأول ١٣٤4هـ

كما يشير الباحث المشهور إلى أنه وبعد ظهور الكساد التجاري الذي ساد تجارة ظفار مع الهند في أواخر الأربعينات انزوى السيد عمر عن التجارة، والتفت إلى استصلاح الكثير من الأراضي الزراعية، حيث استصلح البئر المسمّاة ”بئر أنيسة“ نظر قعدٍ سنويّ يدفعه للحكومة، كما اعتنى ببعض الآبار التي ورثها عن والده ومن بينها ”بئر الزعفران“ المشهورة بغارف الحافّة.

وثيقة خاصة بشراء عمر بن أحمد عيديد البئر المسماة بالخريستاني
وثيقة شراء عمر عيديد بئر بوذار

ونعرض لرسالتين منشورتان في كتاب (محمد عمر بازرعة ودوره في تجارة المحيط الهندي) لمؤلفه الباحث محمد علوي عبد الرحمن باهارون، مرسلتان من التاجر محمد عمر بازرعة الى السيد عمر بن علوي عيديد تتعلق الاولى باستلام مبلغ من الحاج عبد العزيز كادوه بمسقط، والثانية عن استفسار كتب من مسقط بخصوص شحنة تمر:

رسالة منشورة في كتاب (محمد عمر بازرعة ودوره في تجارة المحيط الهندي)
رسالة منشورة في كتاب (محمد عمر بازرعة ودوره في تجارة المحيط الهندي)

وعدا عن اهتماماته التجارية، فقد كان السيد عمر بن أحمد عيديد حريصًا على اقتناء العديد من الكتب الدينية والأدبية، عدا تلك التي كانت في مكتبة والده القاضي، وهذا ليس بالأمر الغريب على شخص تربى وسط بيئة علمية دينية، وكانت تلك الكتب تجلب من أماكن عديدة كالقاهرة، وبغداد، وبومباي، وزنجبار، وغيرها.

الكتب الدينية والأدبية
الكتب الدينية والأدبية

وقد توفي السيد عمر بن أحمد بن علوي عيديد في ليلة الجمعة ١٠ صفر ١٣٩٢هـ كما هو مدوّن على شاهد قبره في مقبرة الشيخ أحمد بن عفيف بصلالة، وترك ذرية من الأبناء منهم: حسن، سالم، محمد، عوض، أحمد، عبدالله.

السيد محمد بن عمر بن أحمد عيديد

أحد أبناء السيد التاجر عمر بن أحمد بن علوي عيديد، ولد في 26 رجب 1356هـ واشتهر ببازرعة، وسبب شهرته بذلك الاسم أنه أصيب بمرض وهو في طفولته أعيا الأطباء في علاجه، وكان قد أصيب به أحد اخوانه وتوفي على إثره. وفي إحدى السنوات جاء إلى ظفار التاجر المعروف على محمد عمر بازرعة وكانت تربطه علاقة قوية بآل عيديد، فأخبره والده بمرض ابنه، فأرشده إلى استعمال بعض الدواء العربي، فعمله ثم أطلق على ابنه ذلك الاسم.

وقد تلقى السيد محمد بن عمر تعليمه بالمدرسة السعيدية في صلالة، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية للعمل بها، وأكمل تعليمه الإعدادي في مدرسة الدمّام في الفترة المسائية، وخلال الصباح كان يعمل في شركة كهرباء الدمّام، وفي عام 1958 سافر إلى لندن ومنها إلى الولايات المتحدة، وفي نيويورك عمل في مصنع وواصل تعليمه الثانوي ثم الجامعي في كلية (ألسيون كولج) ونال منها شهادة البكالوريوس، وفتح له مطعمًا تحت مسمى (واحة عمان) وتولى إدارته، ثم التحق بمدرسة (وليز سكول) المتخصصة في إدارة الفنادق الراقية، وبعدها عمل مديرًا لإحدى الفنادق في نيويورك، ثم مشرفًا في المطار.

صورة تجمع السلطان قابوس بن سعيد مع معالي الوزير متقاعد أحمد عبدالنبي مكي ومحمد عمر عيديد
صورة أرشيفية نادرة لمطعم (واحة عمان) في نيويورك لصاحبه محمد عمر عيديد

وفي عام 1980، رجع إلى عمان ليستقر بها، حيث عمل في وزارة الخارجية ثم انتدبته وزارة التعليم العالي كملحق ثقافي عنها في واشنطن، وفي عام 1994 عيّن سفيرًا لسلطنة عمان في سويسرا، وفي عام 2002 نُقِل إلى بروناي دار السلام حتى تقاعده في الأول من يناير 2006م.

تعيينات
تعيينات
السيد محمد بن عمر بن أحمد عيديد

المراجع

- باهارون، محمد علوي. العقد النضيد في تراجم بعض أعلام آل عيديد، دار الحامي للدراسات والنشر، حضرموت، اليمن، 2013.

- باهارون، محمد علوي. الشيخ محمد عمر بازرعه ودوره في تجارة المحيط الهندي، دار الحامي للدراسات والنشر، حضرموت، اليمن، 2013

- باهارون، محمد علوي. مدوّنة مكتوبة عن سيرة السيد الطبيب حسن بن عمر عيديد، 20 نوفمبر 2021م.

- المشهور، حسين بن علي. تاريخ ظفار التجاري، مطابع ظفار الوطنية، سلطنة عمان، 2009.

- المعشني، سعيد بن مسعود. الآثار التاريخية في ظفار، سلطنة عمان، 1997

- الباحث محمد بن أحمد بن عمر عيديد، اتصال هاتفي، 5 أكتوبر 2024

الوثائق والصور

- أرشيف وثائق آل عيديد.

- مكتبة الباحث محمد علوي باهارون، الحامي، حضرموت.

- شبكة المعلومات العالمية

Your Page Title