مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في الأول من نوفمبر عام 1959م أسست المدرسة السعيدية في مطرح، وهي واحدة من ثلاث مدارس نظامية حملت هذا الاسم قبل نهضة عام 1970م، وقد تحولت في بدايات النهضة إلى مدرسة للبنات تحت اسم “مدرسة أسماء بنت أبي بكر” لمدة أكثر من 3 عقود، عادت بعدها لتحمل اسمها القديم “المدرسة السعيدية”.
“أثير” تسلّط الضوء في هذا التقرير على جانب من تاريخ هذه المدرسة وأبرز المحطات التي مرّت بها.
تأسيس المدرسة
عرفت مدينة مطرح قبل تأسيس المدرسة السعيدية أنماطًا مختلفة من التعليم، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أهمية المدينة وموقعها التجاري، ووجود فئة متعلّمة ومثقّفة من أبناء المدينة، وتواصل أهلها مع دول وموانئ عرفت أنظمة التعليم الحديثة، الأمر الذي شجّعهم على الاهتمام بهذا الجانب من خلال تأسيس العديد من المدارس الأهلية التي وصل عددها إلى حوالي (22) مدرسة أهلية، من بينها: مدرسة جمعة بن عبيد السودي، ومدرسة محمد بن عبدالله اللواتي، ومدرسة حسن علي هاشم، ومدرسة قاسم عبدالله محمد، ومدرسة جواد الخابوري، وغيرها، بالإضافة إلى عشرات المدارس القرآنية في حارات مطرح المختلفة.
وقد بدأت الدراسة بالمدرسة السعيدية في مطرح عام 1959م، ولم يكن لها مقر خاص بها في بداية نشأتها، حيث بدأت من بيت المنذري في حارة الشمال بمطرح، وكان يملكه وقتها الحاج علي بن عبد اللطيف اللواتي، وشملت المدرسة في تلك الفترة بحسب دراسة الباحث ناصر بن عبد الله الصقري صفوف التمهيدي والصف الأول والثاني.
بعدها تم شراء أرض لبناء مقر خاص للمدرسة، وقد أشرف على عمليات البناء مكتب التحسينات في الفترة التي كان يرأسه (هيج بوستيد)، وتم اكتمال البناء عام 1960، وبدأت الدراسة فيه بفصل لمرحلة التمهيدي أ، وفصلين لمرحلة التمهيدي ب، والصفوف الأول، والثاني، والثالث، وكان أول مدير لها هو الأستاذ قاسم شاهين.
وخلال سنتين بعد ذلك اكتملت المرحلة الابتدائية حتى الصف السادس الابتدائي، وأصبح الناجحون من هذا الصف يتخرجون ويحصلون على الشهادة الابتدائية، وقد تخرجت أول دفعة منه في عام 1963 م.
وكانت واجهة المدرسة في الدور الأرضي تضم الصف الأول الابتدائي، ومكتب مدير المدرسة، ومكتب المعلمين، وفي الدور العلوي الصفوف من الثاني إلى الرابع والخامس الابتدائي.
ويذكر الباحث الدكتور ناصر الصقري أنه تم إجراء ترميم للمدرسة عام 1971م وتم تحويلها إلى مدرسة للبنات، وهي مدرسة أسماء بنت أبي بكر، غير أن ذلك لم يكن مستساغًا لدى العديد من الأعيان والأهالي الذين رأوا في ذلك طمسًا لمعلم حضاري ظلت ذكرياته راسخة في أذهانهم، فتمت إعادة المسمى في عام 2006م إلى المسمى القديم وهو المدرسة السعيدية بمطرح.
وقد أشار ملف بعنوان “اقتصاد مسقط” منشور ضمن ملفات الأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم (FO 371/140140 /42) لعام 1959، وضمن الحديث عن خطط الاهتمام بالتعليم، إلى أن العمل في إنشاء المدرسة قد بدأ منذ مارس، وأنه تم اختيار موقع المدرسة على الشاطئ، وأن أعمال الإنشاءات تجري تحت إشراف مهندس السلطان ويدعى ساردار برادان سينج، وقد تباطأ العمل في المشروع، ولكنه من المتوقع أن ينتهي مع مطلع العام القادم.
كما أشار التقرير إلى أنه سيتم الاتفاق على استقدام مدير للمدرسة وعدد من المعلمين من لبنان، وأن هناك صعوبات في الحصول على العدد الكافي من المعلمين بسبب ضعف قيمة الراتب المقدّم، وأنه قد تم توفير بقية المستلزمات من كتب وأثاث مدرسي، وهناك اقتراح لبدء العمل في أكتوبر من خلال افتتاح فصلين في مرحلة التمهيدي وفصلين في المرحلة الابتدائية.
كما أورد الملف السابق جانبًا من البيانات المالية المتعلقة بالكلفة التشغيلية والمصاريف المتعلقة بإنشاء المدرسة:
وفي الملف " العلاقات التجارية بين دول شبه الجزيرة العربية والمملكة المتحدة" المنشور ضمن ملفات الأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم ( FO 371/149020 /9 ) والخاص بعام 1960، والمتعلق بالتنمية المدنية والعسكرية في سلطنة مسقط وعمان، هناك إحصائيات وجداول تتناول المبالغ المصروفة في إطار خطة دعم التعليم ومن بينها إنشاء المدرسة السعيدية في مطرح:
طاقم المدرسة
كان النظام الإداري للمدرسة يتبع نظام المدرسة السعيدية بمسقط، وقد توالى على إدارة المدرسة السعيدية في مطرح والتدريس فيها عدد من المديرين والمعلمين من داخل عمان أو من الخبرات العربية التي استعانت بها الحكومة خلال تلك الفترة، ومن مديري المدرسة ومدرسيها من الدول العربية الشقيقة الأساتذة: قاسم محمود شاهين، أحمد محمد دراز، رمزي مصطفى، محمد بدر شعث، رشيد حسن سلايمة، صالح محمد طه الذي كان معلمًا للغة الإنجليزية ومشرفًا على مادة الرياضة المدرسية.
كما كان يقوم بالتدريس في هذه المدرسة عدد من المعلمين العمانيين من بينهم: علي بن سيف بن علي الوهيبي، والسيد سيف بن سلطان بن حمود البوسعيدي، وعبد الله بن هاشل الجرداني، وسعيد بن إبراهيم الكندي، وعلي بن سالم بن سليمان الفارسي من سداب وكان يدرّس الرياضيات، والسيد محمد بن سلطان بن حمود البوسعيدي، وسليمان بن سعيد بن علي الوهيبي، وسليمان بن خلف الخروصي، وذياب بن صخر العامري، ومحمد بن سعيد الوهيبي وكان يدرّس المواد الاجتماعية.
وقد سارت هذه المدرسة على خطى المدرسة السعيدية بمسقط من حيث النظام التعليمي والكتب الدراسية والدوام اليومي، وإشراف دائرة المعارف عليها.
المراحل التعليمية:
ضمت المدرسة مرحلتين دراسيتين هما: مرحلة ما قبل الابتدائي ومدتها سنتان تمهيديتان، والمرحلة الابتدائية: ومدتها ست سنوات في ستة صفوف من الأول حتى السادس يحصل الناجح في السنة النهائية منها على الشهادة الابتدائية من دائرة المعارف.
المناهج
كانت الكتب والمناهج الدراسية الخاصة بالمدرسة تجلب من بعض الدول العربية كمصر، وفلسطين، ولبنان، ومثل كتاب “النحو الواضح”، و“القراءة الرشيدة“، وكتاب “المروج”، وكتب العلوم والرياضيات والجغرافيا واللغة العربية، وكانت تحت إشراف دائرة المعارف.
ويذكر معالي يحيى بن سعود السليمي وكان أحد طلاب المدرسة خلال النصف الثاني من الستينيات والنصف الأول من السبعينيات أنهم انتقلوا إلى المنهج القطري في بداية السبعينيات، وكانت الكتب توزّع عليهم في الفصول، وأن مقرر التاريخ كان يسلّم إليهم على شكل رزم من الأوراق عن تاريخ عمان يضاف إليها الموضوعات الموجودة في المنهج القطري.
وكانت حصص الرياضة المدرسية مقررة على طلاب المدرسة، وتمارس في فترة ما بعد الظهر ويتحتم على الطلاب العودة لممارستها، كما كانت تمارس في المدرسة عدد من الأنشطة أبرزها النشاط الكشفي الذي ارتبط ظهوره في النظام التعليمي بسلطنة عمان بالمدرسين القادمين من فلسطين وأبرزهم الوالي إسماعيل بن خليل الرصاصي الذي كان أول مدير للمدرسة السلطانية الأولى في عام 1928م والذي كان واليًا على مطرح، ومشرفًا على المعارف أثناء تأسيس المدرسة السعيدية بمطرح.
كما كانت المدرسة تنظّم عددا من الرحلات الخلوية إلى قرى الولاية أو لزيارة بعض المؤسسات الحكومية، أو لزيارة المدرسة السعيدية في مسقط للمشاركة في بعض الأنشطة الرياضية أو الاجتماعية المشتركة.
أحداث ارتبطت بالمدرسة
كثيرة هي الأحداث التي ارتبطت بالمدرسة السعيدية في مطرح كونها كانت تعد من أبرز المؤسسات التعليمية على قلّتها وقتها، وكانت تستضيف العديد من الفعاليات والمناشط المحلية، كما كانت هدفًا لزيارة المسؤولين وضيوف مطرح.
وسوف نذكر بعضًا من تلك الأحداث اعتمادًا على كتاب “التحولات الكبرى للتعليم في عمان” للوزير متقاعد يحيى بن سعود السليمي الذي كان أحد طلاب تلك المدرسة كما أشرنا سابقًا، فقد ذكر في منعرج حديثه عن ذكرياته في المدرسة عددًا من الأحداث من بينها: مشاركة طلبة المدرسة بالمسيرة التأبينية يوم تشييع جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1970م حيث وزّعت عليهم شارات سود لوضعها على الجانب الأيسر من صدورهم دليلًا على الحزن، وانتقلوا إلى مسقط عن طريق عقبة ريام على شاحنات تابعة للشركات المنفذة لطريق مطرح دارسيت البحري وميناء السلطان قابوس، وكان تجمع المشاركين في ساحة نادي عمان سابقًا حيث يقع مدخل قصر العلم الجديد.
ومن تلك الأحداث زيارة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه- إلى المدرسة في 23 فبراير 1972، وكان مؤلف الكتاب وقتها في الصف الخامس، والحصة كانت في مادة التربية الإسلامية، وظل السلطان قابوس لمدة طويلة في الفصل يسأل الطلبة فيما يدرسونه يومها ويشرح لهم بنفسه، وطلب منهم مصحفًا وطلب من أحد الطلاب قراءة إحدى السور.
ومن تلك الأحداث كذلك، انهيار سقف عدد من فصول المدرسة نتيجة الأمطار الشديدة التي انهمرت في عام 1973م وتم نقل طلبة الصف السادس إلى مبنى مدرسة البنات الذي أصبح فيما بعد مدرسة حسان بن ثابت مقابل معسكر بيت الفلج للدراسة المسائية، بينما نصبت الخيام لطلبة الصفوف الأخرى في الساحة المقابلة لبيت الشرفي خلف مستشفى طومس.
كما يذكر السليمي أنه في إحدى الرحلات التي كانت تقيمها المدرسة لطلابها وقع حادث مروري مؤسف حيث تدهورت إحدى السيارات التي كانت تقل الطلبة وأدّى ذلك إلى وفاة أحد الطلبة، الأمر الذي أدّى إلى وقف أنشطة الرحلات المدرسية.
أرشيف المدرسة
بحسب الباحث الدكتور ناصر الصقري، فقد ضاع كل أرشيف المدرسة السعيدية أثناء تجديد بناء المدرسة في فترة بداية السبعينيات ولم يتبق سوى بعض الوثائق والصور الخاصة التي احتفظ بها بعض طلبة المدرسة، والأمل في تجميع هذه الوثائق وإعادة عرضها في متحف خاص بالمدرسة أسوة بمتحف المدرسة السعيدية في مسقط.
المراجع
- الأرشيف الرقمي للخليج العربي. اقتصاد مسقط. (FO 371/140139)،
- الزدجالي، عباس غلام، والسالمي، عبد الرحمن. مسقط، بيت الغشام، ط1، مسقط، 2015.
- السليمي، يحيى بن سعود. التحولات الكبرى للتعليم في عمان، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2018.
- السيابي، حمود بن سالم. بروة استدعاء لمطرح، ط1، بيت الغشام للصحافة والنشر، مسقط، سلطنة عمان، 2020.
- الصقري، ناصر بن عبد الله. التعليم في مدينتي مسقط ومطرح بين عامي 1888-1970، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب والعلوم الإجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2017.
- مجموعة مؤلفين. الموسوعة العمانية، المجلد التاسع، حرف الميم، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، 2013.
- مجموعة مؤلفين. عمان منذ الأزل، الجزء الثاني، مكتب مستشار جلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي، ديسمبر 2020.
- وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب. لمحات عن ماضي التعليم في عمان، 1985.