مسقط - أثير
بدرية بنت عبدالله الهنائية، باحثة ماجستير بجامعة السلطان قابوس، كلية الحقوق
تُطرح العقوبات كإجراءات رادعة للجرائم التي قد تهدد أمن المجتمع واستقراره، ومن أبرز العقوبات التقليدية التي تتبادر إلى الأذهان هي عقوبة السجن، أو حجز الحرية. ورغم ذلك، تضمن العديد من القوانين العربية والأجنبية عقوبات أخرى كالإعدام والغرامة والمصادرة والإبعاد. إلا أن بعض التشريعات قد بدأت تتوجه نحو ما يُعرف بـ”العقوبات البديلة”، وهي نوع من العقوبات التي تهدف إلى إصلاح وتأهيل الجاني بعيدًا عن الطرق التقليدية، مما يسهم في تخفيف الأعباء المالية على الدولة، حيث يُكلف الاحتجاز الدولة موارد ضخمة لتوفير احتياجات السجناء من مسكن وغذاء ورعاية.
ويتزايد الاهتمام بالعقوبات البديلة نتيجة التطورات التكنولوجية والزيادة السكانية، مما أدى إلى ازدياد معدلات الجريمة، خاصة في الدول النامية التي تعاني من نقص في الوظائف. فعقوبة السجن وحدها كوسيلة ردع قد تثقل كاهل الدول ماديًا، بينما البدائل توفر فرصة لتحقيق الإصلاح وتقليل التكاليف. ومن هنا، اعتمدت بعض الدول فكرة العقوبات البديلة، التي تتيح إصلاح الجاني وإعادة دمجه في المجتمع دون تكاليف باهظة.
أحد أبرز أشكال العقوبات البديلة هو “المشاركة في برامج التطوع”، وهي عقوبة طُبقت في دول مثل المملكة العربية السعودية، حيث يُكلف المحكوم عليه بأداء خدمات عامة بدون مقابل، مما يعود بالنفع على المحكوم والدولة على حد سواء. هذا النوع من العقوبات يُبقي المحكوم بعيدًا عن السجن، ويجنبه الاختلاط بالمجرمين، مما يقلل من احتمالية تكرار الجريمة بعد انتهاء العقوبة. كما أن التدريب على العمل التطوعي يكسب المحكوم مهارات عملية، ويسهل له العثور على فرص عمل لاحقًا، فضلاً عن غرس قيمة العطاء والمساهمة في تنمية المجتمع.
وقد نص مشروع نظام العقوبات البديلة السعودي، في مادته الثامنة، على إمكانية استبدال عقوبة السجن بالأعمال التطوعية بمعدل أربع ساعات عمل يوميًا ولمدة لا تزيد عن ثمانية عشر شهرًا. وصدرت أحكام سعودية تتضمن تكليف الجناة بتنظيف المساجد أو حضور حلقات تحفيظ القرآن، مما يعكس تطبيقًا عمليًا لهذه العقوبات. وفي المقابل، لم يخصص المشرع العماني نصوصًا صريحة للعقوبات البديلة في قانون الجزاء، رغم أنه أشار في نص المادة (57) من قانون الجزاء ضمن العقوبات التكميلية إلى عقوبة “التكليف بأداء خدمة عامة”، التي يمكن اعتبارها قريبة في مفهومها من المشاركة في برامج التطوع.
وينبغي عند تطبيق عقوبة التطوع مراعاة احترام كرامة الإنسان، وضمان عدم تعريض المحكوم للإهانة أو الأذى الجسدي، امتثالًا لأحكام الشريعة الإسلامية، التي تدعو إلى الحفاظ على الكرامة الإنسانية، حيث قال الله سبحان وتعالى في كتابه العزيز: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”، كما أنه من الضروري ألا تترتب على العقوبة آثار جسيمة تتجاوز هدفها الإصلاحي، كأن تؤدي إلى الوفاة أو فقدان عضو من أعضاء المحكوم عليه أو تلفه، أو منعه من الطعام والشراب، أو ما شابه ذلك. إضافةً إلى ذلك، ينبغي أن تتناسب العقوبة مع الجريمة المرتكبة، استنادًا إلى مبدأ العدالة الذي أرسته الشريعة الإسلامية. وعليه، يجب ألا تكون العقوبة مشددة إلى حد الظلم، وألا تكون مخففة بحيث تفقد فعاليتها في تحقيق التأديب والزجر والإصلاح. ومن المفضل أن يتناسب نوع العمل التطوعي المفروض كعقوبة مع نوع الجريمة التي ارتكبها الجاني لتحقيق الغرض من العقوبة. كذلك، يُستحسن أن تُطبق عقوبة الإلزام بالأعمال التطوعية على الجنح البسيطة، خاصة تلك التي يرتكبها الأحداث، فيما تُستثنى من هذا النوع من العقوبات الجرائم الكبيرة كالقتل وتهريب المخدرات وما يمس أمن الدولة.
في ضوء ما سبق، واستنادًا إلى تجارب المنظمات الدولية في تطوير أنظمة مرنة للعقاب، يبدو استبدال العقوبات التقليدية بالأعمال التطوعية خيارًا مؤثرًا وإيجابيًا. إن هذه البدائل لا تحقق فقط التوفير المادي، بل تساهم أيضًا في دمج الجناة بالمجتمع وتشجيعهم على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، مما يعود بالفائدة على الدولة والأفراد، وعليه، نوصي المشرع العماني بضرورة دراسة استبدال العقوبات التقليدية بعقوبات بديلة أكثر تنوعًا ومرونة، لما تحققه هذه البدائل من فوائد ملموسة على مستوى الأفراد والدولة.