أثير- تاريخ عمان
تلخيص: د. محمد بن حمد العريمي
نتيجةً لموقعها المهم، ودورها الحضاري الكبير منذ القدم، وتوافر البنية الأساسية ممثلة بالموانئ المهيأة لاستقبال السفن المختلفة، وظهور أسر حاكمة قوية اهتمت بالتجارة والملاحة؛ فقد كان لعُمان العديد من العلاقات السياسية والاقتصادية مع كثير من الدول، وكانت الدول المتنافسة في السيطرة على الخليج تخطب ودّها وتسعى إلى إيجاد علاقات متبادلة على أساس من الاحترام والتعاون المشترك.
وتعد العلاقات العمانية الفرنسية من العلاقات التي أكدت مدى أهمية عمان كلاعبٍ مهم في المنطقة، وكشريكٍ تجاريّ مهم، لذا سعى الفرنسيون في غمرة تنافسهم مع البريطانيين إلى إيجاد علاقات مع مسقط منذ بداية القرن الثامن عشر، وبدأت تلك العلاقة فعليًا زمن الإمام أحمد بن سعيد، وتطورت فيما بعد في عهد أبنائه وأحفاده، وإن كانت تخللتها بعض عوامل الشد والتوتر أحيانا.
“أثير” تتبع في هذا التقرير جانبًا من تاريخ العلاقات العمانية الفرنسية منذ بداية عهد الدولة البوسعيدية وحتى إغلاق السفارة الفرنسية في مسقط في عام 1920م اعتمادًا على المعلومات الواردة في ورقة عمل بعنوان “العلاقات العمانية الفرنسية”، للباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني قُدّمت ضمن الفعالية المشتركة ما بين جمعية الكتّاب والأدباء والسفارة العمانية في باريس عام 2014م حيث تناول من خلالها الباحث حمود الغيلاني عددًا من المحاور من بينها: لمحة عن تاريخ عمان، ومقدمة تاريخية حول الوجود الفرنسي في الشرق، وبدايات العلاقات العمانية الفرنسية، والبعد التاريخي لتلك العلاقات. كما تناول أبرز المحطات في العلاقات خلال الفترة من 1856 م إلى 1920م من خلال تسليط الضوء على ثلاث قضايا هي: بندر الجصة، وأزمة الأعلام الفرنسية، وتجارة الأسلحة. كما أشار الباحث حمود الغيلاني إلى محاور أخرى مثل القنصليات الفرنسية في عمان وزنجبار وصور، والقناصل الفرنسيين الذين تم تعيينهم في مناطق النفوذ العماني.
لمحة عامة عن تاريخ العلاقات العمانية الفرنسية
أشار الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني إلى أن الوصول الفرنسي إلى الخليج العربي كان عبر فارس، وأن أول قنصلية فرنسية أنشئت في المنطقة كانت بالعراق في عام 1679م حينما أصدر (لويس الرابع عشر) مرسوما يقضي أن يكون الراهب الفرنسي في البصرة قنصلا لفرنسا، وفي عام 1740 م عيّن ( مسيو بيليه M.Baillia ) أول قنصل فرنسي في بغداد.
أما بداية الاهتمام الفرنسي بعمان فقد كان نتيجة دعوة من شاه فارس إلى الملك الفرنسي يدعوه فيها إلى التعاون بين الدولتين في احتلال مسقط، وكان ذلك في عام 1699 م حينما أرسل الشاه رسالة مع (الأب مارتن غوديروPere Martin Gaudereau) وهو الأمر الذي لم يحدث.
ويعد السيد سعيد بن خلفان أول قنصل فرنسي في مسقط، وذلك في عام 1840م، كما عين (دي بيلينيه) عام 1849 قنصلا في زنجبار وخلفه عام 1855 م (لاديسلاس كوشيه LadislasCochet )، وفي عام 1902 م أقيمت أول قنصلية فرنسية في مسقط.
ورغم أنه خلال القرن السابع عشر لم تكن هناك علاقات مباشرة بين الدولتين، إلا أن زيارات السفن الفرنسية استمرت لأجل بحث الوجود الفرنسي في مسقط، وهو أمر لم يتحقق وذلك لأن عمان كانت خارجة من حرب طويلة مع البرتغال. كما أن الأئمة في دولة اليعاربة في تلك الفترة كان منهجهم السياسي يعتمد أن تكون جميع الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وهولندا على مسافة واحدة.
وفي عهد مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد استمرت حالة الحياد العماني إزاء التنافس الأوروبي وبخاصة الفرنسي البريطاني، وللوجود البريطاني في الهند، ونتيجة للنشاط التجاري لميناء مسقط لوقوعه بين الهند ودول الخليج العربي كانت ترد إليه السفن الفرنسية محملة بغنائمها من السفن البريطانية، وهو أمر واضح لجر عمان للتخلي عن حيادها، ومن الجانب العماني يرصد الباحث رفض الإمام أحمد بن سعيد لوجهة النظر البريطانية واستمرار النهج العماني، وهو الحياد والوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
وفي عهد الإمام أحمد بن سعيد، غدت العلاقات التجارية بين عمان وفرنسا أكثر اتساعًا مع جزيرة موريشيوس التي أصبحت منذ عام 1715م قاعدة بحرية فرنسية، ونلاحظ زيادة عدد الرحلات البحرية للسفن العمانية من مسقط وصور إلى جزيرة موريشيوس حاملة بضائع عمانية مثل اللؤلؤ، والخيول، والتمور، والفواكه المجففة، والأسماك المملحة، وتعود محملة بالسكر والقرنفل والتوابل.
هذه العلاقات التجارية رسّخت وجود علاقة قائمة تعتمد على الصداقة والود، فنلاحظ تبادل الإمام احمد بن سعيد مع ( لا مارتينك ) حاكم الجزيرة الفرنسي الهدايا الذي أرسل للإمام مدافع وعتادًا.
وكانت العلاقات العمانية الفرنسية في هذه الفترة أكثر قوة ومتانة من العلاقات العمانية الإنجليزية إذ أدرك الإمام أحمد بن سعيد جدوى الصداقة الفرنسية، حيث كانت التجارة العمانية مع المستعمرات الفرنسية خصوصًا مع Lctefrance وBourbon تحقق مصالح أكبر للعمانيين، وكان العمانيون يقودون سفنهم بأنفسهم لنقل البضائع إلى تلك المستعمرات الفرنسية. كما كان الفرنسيون يستوردون حاجاتهم من المؤن بواسطة السفن العمانية.
وفي عام 1781م قامت ثلاث سفن فرنسية بمهاجمة السفينة العمانية (الصالحي) بالقرب من صحار، مما حدا بالأسطول البحري العماني إلى مهاجمة إحدى السفن الفرنسية وأسرها، ولتأكيد أن عمان غير راغبة في توتر علاقاتها بفرنسا، فقد قامت السلطات العمانية بإعادة السفينة الفرنسية وإرسالها الى ميناء بورت لويس مع احتجاج شديد على خرق حياد عمان.
ولقي موقف عمان دعما قويا من حاكم جزيرة موريشيوس. كما قام روسو Rousseau القنصل الفرنسي في بغداد بالتدخل لدى حكومته وإقناعها بوقوع حادث السفينة ( الصالحي ) خطأ والاعتذار عنه. كما وافقت الحكومة الفرنسية على تعويض عمان بدل السفينة.
وقد أرسل الإمام سعيد بن أحمد رسالة إلى الملك لويس السادس عشر من فرنسا في 7 ذو الحجة 1204 هـ الموافق 18 أغسطس 1790م، عن طريق المسيو روسو، القنصل الفرنسي ببغداد، عبّر فيها عن شكره وامتنانه للهدية الفرنسية، وأوضح أنها مقبولة حتى “وإن كان المركب صغيرا كثيرا لا يقوم بربع مركبنا الذاهب”، وفي هذا إشارة إلى كبر حجم سفن الأسطول العماني، ومدى التطور الحاصل في صناعة السفن بعمان. كما أبدى عدم ممانعته في تعيين شخص يتحدث اللغة العربية كمندوب فرنسي في مسقط.
ويشير الباحث حمود الغيلاني إلى أن بوشام Beauchamp يعد أول ممثل ترسله فرنسا إلى مسقط في الثالث من مارس من عام 1795 في عهد السيد سلطان بن أحمد، ورغم عدم نجاح بوشام في إقامة قنصلية فرنسية في مسقط إلا أن الأمر لم يتوقف حيث أدركت فرنسا ضرورة وجود قنصلية لها في مسقط، ومن جانب آخر لم يؤثر عدم نجاح بوشام في استمرار العلاقات التجارية، فالسلطان سلطان بن أحمد بن سعيد ورعاياه استمرت علاقاتهم التجارية مع السلطات الفرنسية في الجزر.
واستقبل السيد سلطان بن أحمد مبعوث الحكومة الفرنسية رغم قيود معاهدة 1798 واتفاقية 1800 مع الأنجليز، وعومل المبعوث معاملة حسنة واستمرت إقامته نحو 15 يوما، مما حدا بالمبعوث الفرنسي إلى القول: “عوملت في أثناء وجودي في مسقط معاملة ممتازة ودفعت عني جميع نفقاتي ”. كما أرسل السيد مبعوثًا في يناير من عام 1802 إلى جزيرة موريشيوس وطالبه بتعيين وكيل فرنسي في مسقط، وكان السيد سلطان قد أرسل بهدية من الخيول العربية إلى حاكم موريشيوس، وردًا على الهدية أرسل حاكم موريشيوس هدية مكونة من بندقيته الخاصة وبعض المدافع والذخيرة.
وفي عهد السيد سعيد بن سلطان تم توقيع اتفاقية مع الحاكم الفرنسي ديكان Decan في عام 1807م تخوّل لفرنسا حق إقامة وكيل تجاري لها في مسقط، وليتجاوز التشريعات الفرنسية الخاصة بالتعاون مع دولة معادية (انجلترا) أجاز للسفن العمانية الرسو في الموانئ الهندية شريطة الخروج بأسرع وقت إلى الموانئ العمانية، والتزام أصحاب السفن بحمل أوراق ثبوتية أثناء ذلك، بينما أعفاها من ذلك في حال قدومها للمتاجرة مع الجزر الفرنسية، إلا أن الحكومة الفرنسية رفضت مرة أخرى الإجراء الذي اتخذه ديكان رغم رغبة السيد سعيد بن سلطان في التواصل مع فرنسا.
وقد استثمرت العلاقات الودية بين السيد سعيد بن سلطان وفرنسا في تنمية النشاط التجاري وازدياد مساحة التعامل التجاري من حيث التعامل مع عدد من الموانئ العمانية في عمان وشرقي إفريقيا. كما أن استمرار الاتصالات والرسائل المتبادلة بين الطرفين والتي كانت تتمحور حول التسهيلات الممنوحة لكلا الطرفين لتشجيع واستمرار التجارة بينهما، نتج عن كل ذلك عقد اتفاقية الصداقة والتجارة بين عمان وفرنسا عام 1844م، وقد سبقتها اتفاقيات ثنائية عديدة أعوام 1807، و1817، و1821.
مشكلة بندر الجصة
تعود بدايات قضية بندر الجصة إلى عام 1898م وتحديدًا في 7 من شهر مارس من العام ذاته، إذ حصل القنصل الفرنسي في عمان ( اوتافيOttavi ) على موافقة السلطان فيصل على منح الفرنسيين امتياز إنشاء مستودع للفحم في الجصة القريب من مسقط.
هذا الأمر أزعج الانجليز وكاد يتسبب بأزمة بين الدولتين، مما حدا بالإنجليز إلى الضغط على السلطان فيصل لسحب موافقته، إلا أن السلطان رفض الطلب الانجليزي وقال: " إنه أعطى وعده لفرنسا وأنه إن كان الإنجليز لديهم اعتراض على هذه المساءلة فليسووا المشكلة بينهم وبين الفرنسيين مباشرة "، وأبلغهم أن لفرنسا حقا مماثلا لما سبق لبريطانيا أن حصلت عليه عندما شيدت مستودعها عام 1877م.
وفي نهاية الأمر اتفق الفرنسيون والإنجليز على استفادة السفن الفرنسية من التسهيلات التي ستمنح لهم من داخل ميناء العاصمة وأن تتقاسم معها مستودع الفحم الذي أقامته في مسقط، إلا أن الأمر استقر على إنشاء المخازن في المكلا.
قضية الأعلام الفرنسية
كان الوجود البشري والسياسي لعمان في جزر القمر قديمًا، وبعد احتلال فرنسا للجزر القمرية استمر الوجود البشري العماني في تلك الجزر، وكانت الجالية العمانية من أبناء مدينة صور الأكبر حجمًا والأكثر تأثيرا في الحياة الاقتصادية، فالصوريون يمتلكون سفنا عابرة للبحار وهم أهل ملاحة وتجارة بحرية، ووجودهم في الجزر كان قبل وصول الفرنسيين واستمروا بعد ذلك.
ولان السفن العمانية لأبناء صور تمثل هاجسا لإنجلترا لمزاحمتها للسفن الإنجليزية في النشاط الملاحي من جهة، ومن جهة أخرى تتعامل مع فرنسا من خلال وجودها في جزر القمر ورينيون، وفرنسا في حالة حرب وعداء مع إنجلترا، اتبعت إنجلترا الكثير من السبل لمضايقة السفن الصورية خصوصا والعمانية عموما، متذرعة بحجة التفتيش في تجارة الرقيق، رغم أن إنجلترا حاولت جر فرنسا إلى توقيع اتفاقية بخصوص تجارة الرقيق، وهو أمر رفضته فرنسا لإدراكها أبعادها السياسية.
ولحاجة أصحاب السفن من العمانيين وبخاصة السفن الصورية إلى جهة تكون ندا لإنجلترا، فقد اتجهوا إلى مخاطبة السلطات الفرنسية في الجزر من أجل منحها الوثائق والأعلام الفرنسية، خصوصًا وأنهم من المقيمين في الجزر القمرية ولهم أسر وأبناء من تلك الجزر، إضافة إلى أن جلّ نشاطهم التجاري البحري يقوم مع تلك الجزر، إلى جانب أن السلطات الفرنسية أدركت أن عدم حمايتها للسفن الصورية سوف يؤثر في نشاطها الاقتصادي سلبا.
اعترضت انجلترا على ذلك وحاولت الضغط على السلطات العمانية في عهد السلطان فيصل بن تركي، وطالبته بمصادرة وتمزيق الوثائق والأعلام الفرنسية ومعاقبة أصحاب السفن وربابنتها، وهو أمر رفضه السلطان فيصل بن تركي.
تصاعدت أزمة الأعلام مما حدا بإنجلترا إلى رفع القضية إلى المحكمة الدولية في ( هيغ Hague) للطعن في السماح للسفن الصورية برفع الأعلام الفرنسية وحمل الوثائق الفرنسية، وهو أمر تأباه الأعراف الدبلوماسية، فعمان دولة مستقلة، ووثقت ذلك اتفاقية بيان باحترام استقلال مسقط وزنجبار عام 1862 م، وهو الأمر الذي اعتمدت عليه فرنسا.
انتهت المحكمة من إصدار أحكامها ومن أهم ما ورد: يحق لأصحاب السفن العمانية التي ترفع الأعلام الفرنسية في رفع الأعلام إذا كانوا حصلوا عليها قبل 2 يناير من عام 1892م، ولا يحق لرافعي الأعلام الفرنسية بعد 2 يناير 1892 م رفع الأعلام (التاريخ يمثل ميثاق بروكسل )، ويحق لفرنسا منح الأعلام الفرنسية للعمانيين إذا اثبتوا أنهم كانوا من رعايا فرنسا. كما نص الحكم أيضا أن لسفن مسقط الحق في رفع العلم الفرنسي والاستفادة منه ما لم ينتهك اتفاق 17 نوفمبر 1844 بين مسقط وفرنسا.
تجارة الأسلحة
أشار الباحث حمود الغيلاني إلى موضوع تجارة الأسلحة كونها تمثّل نشاطًا حيويًا لفرنسا في المنطقة بصورة عامة، ووجدت في ميناء مسقط بحكم موقعه المتميز بالنسبة للمنطقة منفذًا وسوقًا نشطا. كما أن مؤتمر بروكسل الدولي الذي عقد عام ١٨٩٠م قد وجه ضربة قاضية لتجارة الأسلحة في أفريقيا، فإن منطقة الخليج العربي لم تكن ضمن نطاق هذا المرسوم، فقط ظلت الأسلحة تتزايد تزايدًا ملحوظًا حتى عام ١٨٩٢م فقد بلغ عدد البنادق المصدرة إلى مسقط ذلك العام حوالي ١١٥٠٠ بندقية، وفي عام 1893 م استورد ( شاني ) التاجر الفرنسي نحو (400 ) بندقية، واستمر تدفق الأسلحة فخلال عامي ١٨٩٦- ١٨٩٧ وصل إلى مسقط من ميناء مرسيليا الفرنسي ٧٥٠ صندوق أسلحة تحمل ٢٥٠٠٠ بندقية و ٧٥٠ صندوق عتاد.
هذا الوضع سبب إزعاجا لبريطانيا فتقدمت إلى السلطان فيصل بضرورة تحجيم تجارة السلاح، وهو أمر لم يتقبله السلطان، فاقترح ( فاجان Fagan ) الوكيل السياسي في مسقط الوجهة القانونية لمصادرة الأسلحة في مياه مسقط كالآتي: الأسلحة التي يتم ضبطها في المياه الإقليمية لمسقط تؤول إلى السلطان، أما الأسلحة التي يتم ضبطها خارج المياه الإقليمية لمسقط فإن من حق السفن البريطانية مصادرتها بموجب الإعلان الذي أصدره السلطان في ١٣ كانون الثاني عام 1898 م.
ثم اقترحت مرة أخرى على السلطان تزويد مصدري الأسلحة بتراخيص خاصة لإخراج الأسلحة من مسقط، إلا أن صادرات السلاح الفرنسية إلى مسقط ارتفعت عام ١٩٠٥م حيث بلغت ٤٠ % من المجموع الكلي. كما أن عدد البنادق التي وصلت مسقط خلال عامي ( ١٩٠٤ – ١٩٠٥) حوالي ( ٢٠٠٠٠ ) بندقية صدر ٤٠ % منها إلى ساحل عمان والكويت و ٥٥ % إلى فارس بينما وزع ٥ % منها في مسقط .
وكان ممثل كل من بريطانيا وفرنسا في مسقط يتبادلان التهم فيما يتعلق بتجارة الأسلحة، وعلى الرغم من توقيع الاتفاق الودي ( (Entente Cordiale بين الدولتين لتسوية المشاكل الاستعمارية بينهما، لكن النزاع حول تجارة الأسلحة في مسقط استمر بين الدولتين.
في أبريل من عام ١٩٠٨م عقد مؤتمر بروكسل الدولي، وكان من أهم أهدافه قمع تجارة الأسلحة في الخليج العربي وفارس وحدود الهند، وقد ادعى البريطانيون بأن هذه التجارة منحصرة بأيدي الفرنسيين، وأعلنت هولندا وأمريكا أنهما مستعدتان للتنازل عن حقوقها بالنسبة للتجارة في الخليج العربي إذا تمسكت بريطانيا وفرنسا بالسياسة نفسها، لكن المؤتمر فشل في اتخاذ أي قرار ضد التجارة نتيجة لمعارضة فرنسا وإيطاليا.
ونتيجة لاحتجاج بريطانيا على السفن العمانية التي ترفع العلم الفرنسي ولدورها في توريد الأسلحة إلى عمان، ولإحكام السيطرة على مسقط، فرضت بريطانيا حصارا اقتصاديا على مسقط لعل ذلك يدفع السلطات العمانية إلى وقف التعامل مع فرنسا، وهو أمر رفضه السلطان ورفضته فرنسا، لا سيما بعد أن صادرت بريطانيا شحنة سفينة عمانية تحمل الأسلحة إلى مسقط، وحاولت بريطانيا إرضاء السلطان بدفع قيمة تعويضية عما تم مصادرته وهو أمر رفضه السلطان أيضا.
تقدمت بريطانيا بمقترح آخر وهو إنشاء مستودع للأسلحة (Warehouse) مع تعويض السلطان، وفي ٢٥ سبتمبر من عام ١٩١٢ قام السلطان بزيارة القنصلية الفرنسية في القنصل الفرنسي (جانييه Jeannier) في مسقط لإجراء مفاوضات حول اتفاقية عام 1844م، لكن القنصل جانييه اعتذر عن ذلك قائلا:" إن أي قنصل لا يملك الصلاحيات لتغيير حتى كلمة من المعاهدة، وإذا كان ينوي فعلا إلغاء تجارة الأسلحة أو الحد منها فعليه أن يعبر عن رغبته هذه للحكومة الفرنسية لمعرفة موقفها “.
وفي ٣ يونيو من عام ١٩١٢م تسلم جانييه رسالة من السلطان تؤكد اعتزازه بالروابط الودية بين عمان وفرنسا ويناشده الحصول على مساعدته في تطبيق الإجراءات الجديدة الخاصة بتجارة الأسلحة من قبل الرعايا الفرنسيين في مسقط. كما تسلم في الوقت نفسه القانون الخاص بتجارة الأسلحة.
ورغم تصاعد الخلافات البريطانية الفرنسية في موضوع تجارة السلاح في مسقط، وتجنبًا من بريطانيا لموضوع التحكيم الذي أصرت عليه فرنسا، فقد توصل الطرفان بعد ذلك إلى تسوية خلافاتهما من خلال: تعويض شركتي (لويس ديو) و (جوجير) بمبلغ (64445) جنيها إسترلينيا، ومنع ومقاومة تجارة الأسلحة في المستعمرات الفرنسية، والمحافظة على حرية التصرف بالأسلحة الموجودة في الكويت وقطر، والمحافظة على الأموال الثابتة والقوارب الشراعية.
وبذلك طويت مسألة الخلاف الفرنسي البريطاني حول موضوع تجارة السلاح في مسقط.
القنصليات الفرنسية في عمان
أشار الباحث الشيخ حمود الغيلاني إلى وجود ثلاث قنصليات فرنسية مع مراعاة الفترة الزمنية التي وجدت فيها هذه القنصليات، وهذه القنصليات هي: القنصلية الفرنسية في زنجبار، وقد افتتحت عام 1844 م، والقنصلية الفرنسية في مسقط، وقد افتتحت عام 1894 م، القنصلية الفرنسية في صور، وقد فتحت أبوابها خلال الفترة من 1900 الى عام 1904 م نتيجة لقيام عدد من السفن العمانية من مدينة صور بحمل الوثائق والأعلام الفرنسية الصادرة من الحكومة الفرنسية في جزر القمر، ولتفعيل وجود فرنسا في صور.
القناصل الفرنسيون في عمان
تتبع الباحث حمود الغيلاني القناصل الذين عُيّنوا في القنصليات الثلاث في مسقط وزنجبار وصور خلال الفترة الممتدة من عام 1843م وحتى عام 1906 م سواء أكانوا بدرجة قنصل أم نائب قنصل أم ممثلا قنصليًا لفرنسا في عمان بشقيها الآسيوي والإفريقي إبّان الإمبراطورية العمانية، ومن بينهم: موستيه Mouste الذي عيّن كمفوض فرنسي لرعاية المصالح الفرنسية بصفة غير رسمية، وذلك في عهد السيد حمد بن سعيد الذي كان يحكم مسقط حينها بالإنابة عن والده، وجوزيف دي بو شامب الذي صدر قرار تكليفه في عام 1796 م لكنه لم يصل إلى مسقط، وجان باتيست كافيناك الذي صدر قرار تكليفه في 4 أكتوبر 1802 م , ووصل إلى مسقط في الثالث من أكتوبر من عام 1803 م، والتاجر سعيد بن خلفان وصدر قرار تكليفه كمندوب قنصلي في 27 أبريل 1841 م، وبروكان Broquan الذي عيّن قنصلا في زنجبار مايو 1844 م، والسيد بول Paul الذي عين قنصلا لفرنسا في زنجبار عام 1847 م لكنه لم يصل إلى زنجبار حتى مارس 1849م، والفونس دانو Alphonse Dano الذي عيّن قنصلا في مسقط عام 1847م لكنه لم يصل حتى مارس 1849م.
ومنهم كذلك بول اوتافي Paul Ottavi الذي صدر قرار تكليفه كقنصل عام 1893 م ووصل مسقط 8/11/1894م، وارنست روجيه لارونس Ernest Rojer Lawrance الذي صدر قرار تكليفه كقنصل عام 1901م، وجان بيغان بيكلوك في الفترة من يوليو 1904م حتى أكتوبر 1905، وشارل لورس لوكوتور الذي كلّف بإدارة القنصلية في عام 1908، وألبير جانييه Albert Janet الذي كلف بإدارة القنصلية في 6 سبتمبر 1909 م، وايفانوIvano الذي أسندت إليه مهمة إغلاق القنصلية عام 1920 م.
المراجع
- العريمي، محمد بن حمد. عندما اعتذرت فرنسا لعُمان، تقرير منشور في موقع أثير، 4 أكتوبر 2019.
- الغيلاني، حمود بن حمد. العلاقات العمانية الفرنسية، ورقة عمل مقدمة ضمن الفعالية المشتركة ما بين جمعية الكتّاب والأدباء والسفارة العمانية في باريس، باريس، 2014.