الأولى

من ديون وعجز إلى استدامة وفوائض: كيف نجحت سلطنة عُمان في تجاوز الأزمات المالية؟

سلطنة عمان

أثير - مـحـمـد الـعـريـمـي

شهدت سلطنة عُمان منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في 11 يناير 2020م تحولات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والمالي، حيث تم تنفيذ العديد من الإصلاحات والبرامج التي أسهمت في تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق النمو المستدام، رغم التحديات العالمية، وبخاصة جائحة كورونا.

في هذا التقرير؛ تسلط “أثير” الضوء على أبرز الإصلاحات المالية والإنجازات الاقتصادية والإجراءات المرتبطة بها لتحسين الوضع الاقتصادي لسلطنة عمان على المستويين المحلي والدولي، وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية.

نطقٌ سامٍ

“بالرغمِ مِنَ التحدياتِ التي تواجهُ اقتصادَنا إلا أننا على يقينٍ بأنَّ خطةَ التوازن ِالماليِّ والإجراءاتِ المرتبطةِ بها، والتي تمَّ اعتمادُها مِنْ قِبَلِ الحكومةِ مؤخرًا ستكونُ بلا شكٍّ كافيةً للوصولِ باقتصادِنا الوطنيِّ إلى برِّ الأمان ِوسوفَ يَشهدُ الاقتصادُ خلالَ الأعوامِ الخمسةِ المقبلة معدلاتِ نموٍّ تلبي تطلعاتِكم جميعًا أبناءَ الوطنِ العزيز”.

الخطاب السامي في 18 نوفمبر 2020م

فكرٌ منوّر

كانت الإصلاحات المالية على رأس أولويات جلالة السلطان – أبقاه الله-، حيث أطلقت الحكومة العديد من البرامج التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق التوازن المالي على المدى الطويل.

- برنامج التوازن المالي (2020-2024)

أُطلِق برنامج التوازن المالي كأداة رئيسية لإعادة هيكلة المالية العامة بهدف تقليص العجز المالي وتحقيق التوازن بين الإيرادات والإنفاق، من خلال مجموعة من الإصلاحات منها؛ زيادة الإيرادات غير النفطية وإعادة هيكلة الإنفاق الحكومي، عبر توجيه النفقات الحكومية نحو المشروعات ذات الأولوية، وتقليص النفقات غير الضرورية.

وفي عام 2023م، تم الانتقال إلى مرحلة الاستدامة المالية وتطوير منظومة القطاع المالي، وبالتالي إطلاق البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي “استدامة”، ليُعد امتدادًا لبرنامج التوازن المالي.

- إدارة الدين العام بكفاءة

تم إعادة هيكلة الديون لتقليل عبء الدين على الميزانية العامة، عبر توجهات وإستراتيجيات ناجعة في إدارة الالتزامات المالية والمحفظة الإقراضية واستباقية سداد بعض القروض واستبدال بعض القروض ذات الكلفة المرتفعة بقروض أقل كلفة مما أسفر عن تحقيق وفورات مستقبلية كبيرة في كلفة أعباء الدين العام.

وقد تراجع حجم الدين الذي بلغ ذروة ارتفاعه في عام 2020م حيث وصل إلى نسبة 79‎%‎ من الناتج المحلي الإجمالي؛ أي ما يقارب 24 مليار ريال عُماني، وانخفض إلى 15.3 مليار ريال عماني أو ما نسبته 36.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023م، وواصل الدين العام التراجع إلى 14.4 مليار ريال عماني في نهاية النصف الأول من عام 2024، وهو قرب الحدود الآمنة التي تحد من مخاطر الدين.

- العجز إلى الفوائض

في عام 2020م صعد العجز المالي الفعلي إلى 4,4 مليار ريال، وانخفض في عام 2021م إلى 1,2 مليار ريال، وفي عام 2023م تحول العجز إلى فائض بـ 931 مليون ريال عماني، لتنجح الحكومة عبر إجراءات الضبط في تخفيض نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي، وهو تحسن ملحوظ يعكس فعالية خطة التوازن المالي.

برامج إستراتيجية نُفذت بعضها كاملة وستُنفذ بعضها الآخر ضمن خطة التنمية الخمسية العاشرة 2021-2025 لتطوير منظومة إدارة المالية:

  • برامج منظومة إدارة المالية العامة
  • برنامج السجل الوطني للأصول الحكومية
  • برنامج تمكين مكتب إدارة الدين العام
  • برنامج تمكين وحدة السياسات المالية الكلية
  • برنامج حساب الخزينة الموحد
  • برنامج موازنة البرامج والأداء
  • برنامج ترشيد الإنفاق الجاري
  • برنامج مصادر التمويل الذاتية المستحدثة لقطاع النقل
  • برنامج تحفيز الشراكة بين القطاع الخاص الوطني والأجنبي والقطاع العام
  • برنامج القيمة المضافة المحلية لقطاع الصناعة
  • برامج القيمة المحلية المضافة
  • برنامج تعزيز وتنويع المحافظ الإقراضية
  • برنامج دعم اللامركزية الاقتصادية في المحافظات
  • برنامج الإدارة الأكثر كفاءة لمشروعات التنمية الاقتصادية

صندوق عمان المستقبل

دشّن جهاز الاستثمار العُماني صندوق عُمان المستقبل في عام 2024م برأس مال يبلغ ملياري ريال عُماني يُقسم على مدى خمس سنوات بمعدل 400 مليون ريال عُماني سنويًّا، ويوزّع إلى 90% للمشروعات الاستثمارية المباشرة الجديدة أو القائمة التي تكون مجدية تجاريًّا واقتصاديًّا وتستوفي نتائج دراسة الجدوى، و10 بالمائة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والشركات الناشئة، ويهدف إلى النهوض بالقطاعات الاقتصادية المستهدفة، حيث يُعد الصندوق ممكنًا رئيسًا لتحفيز نمو الاقتصاد الوطني

وأُعلن عن أول دفعة من مشروعات الصندوق الاستثمارية بقيمة إجمالية تتجاوز 832 مليون ريال عماني، منها استثمارات أجنبية بقيمة 609 ملايين ريال عماني بينما بلغ استثمار الصندوق في المشروعات 220 مليون ريال عماني، وغطت المشروعات 10 قطاعات حيوية مختلفة، حيث شملت فئة المشروعات الكبرى قطاعات التقنية، والصناعة، والسياحة، والطاقة الجديدة، والمركبات الكهربائية، بينما شملت فئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة قطاعات الغذاء والصحة والتقنية والتقنية المالية والتجارة الإلكترونية

تحسن التصنيف الائتماني

أسهم دفع سلطنة عمان لفوائد الديون والديون المستحقة منذ عام 2020م وحتى عام 2023م والذي بلغ 9.6 مليار ريال عُماني في رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان من قبل وكالات ومؤسسات التصنيف مع نظرة مستقبلية مستقرة وإيجابية ما جعلها في أولى درجات مؤشر الجدارة الاستثمارية بعد سبع سنوات، نتيجة استمرار الإجراءات الحكومية في خفض الدين العام وديون الشركات الحكومية، وضبط المالية العامة، إلى جانب ارتفاع صافي الأصول الأجنبية السيادية:

  • “موديز” من Ba3 في عام 2021م إلى Ba1 في عام 2023م
  • “ستاندرد آند بورز” من +B في عام 2021م إلى +BB في عام 2023م
  • “فيتش” من -BB في عام 2021م إلى +BB في عام 2023م

الشركات الحكومية

أدت إعادة هيكلة الشركات الحكومية تحت مظلة جهاز الاستثمار العُماني الذي أنشئ في عام 2020م بمرسوم سلطاني، إلى رفعِ حوكمة الشركات وخفض نفقاتها وتوحيد مرجعيتها التشغيلية والاستثمارية وزيادة ربحيتها وتقليل مديونيتها، حيث تمكّن الجهاز من خفض مديونية هذه الشركات من 12 مليار ريال عُماني في نهاية 2020 إلى 8 مليارات ريال عُماني بنهاية عام 2023م، ووسّع استثماراته في الأسواق العالمية، وبأصول تتجاوز 19 مليار ريال عماني.

الدبلوماسية الاقتصادية

أسهمت الزيارات التي قام بها جلالة السلطان المعظم – أيده الله- إلى عدد من الدول الشقيقة، والتي تخللها توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون الاقتصادي، في تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية عبر بما يعزز العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول وتحفيز الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى تفعيل الدور الاقتصادي لسفارات سلطنة عُمان في مختلف دول العالم.

بيئةٌ جاذبةٌ للاستثمار

نما الاستثمار الأجنبي من 15 مليار ريال عُماني في بداية عام 2020م إلى 23 مليار ريال عُماني بنهاية عام 2023م نتيجة توفير العديد من الحوافز والتسهيلات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتهيئة سبل نجاحها.

وقد أرسى جلالة السلطان المعظم – أيده الله - البيئة الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين الأجانب من خلال سلسلة من الإصلاحات القانونية والاقتصادية، أبرزها:

- قانون استثمار رأس المال الأجنبي

أتاح هذا القانون للمستثمرين الأجانب امتلاك شركات بنسبة 100% في بعض القطاعات الاقتصادية، وأسهم في تحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعي التكنولوجيا والطاقة.

- قانون الإفلاس

أُقر هذا القانون بهدف تسهيل عمليات إعادة هيكلة الشركات المتعثرة وحمايتها من الإفلاس، ويساعد في تعزيز الاستقرار الاقتصادي ويحسن من بيئة الأعمال من خلال تقديم حلول قانونية للشركات التي تواجه صعوبات مالية.

- تسهيل الإجراءات الحكومية

تم العمل على تبسيط إجراءات التسجيل والضرائب والتراخيص التجارية من خلال التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، ما عزز من القدرة التنافسية للسلطنة عمان وأتاح للشركات المحلية والدولية العمل في بيئة مرنة ومشجعة.

توقعات إيجابية

توقعت وكالات التصنيف الائتماني العالمية استمرار المنحنى النزولي للدين العام للدولة ليبلغ نحو 31% من الناتج المحلي بحلول عام 2027م، وهو ما يضع الدين العام عند الحد الآمن الذي تقدره وحدة السياسات المالية الكلية بوزارة المالية بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الحد الذي يُمكّن الحكومة من الوفاء بمتطلبات الدين العام والحفاظ في الوقت نفسه على مستويات النمو الاقتصاد.

Your Page Title