أثير - ريما الشيخ
شهد القطاع المصرفي في سلطنة عُمان مؤخرًا تطورًا مهما مع صدور القانون المصرفي الجديد بموجب المرسوم السلطاني رقم 2/2025، والذي يأتي في سياق رؤية طموحة لتحديث المنظومة المالية وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني.
القانون الجديد، المكوّن من 241 مادة موزعة على تسعة أبواب، يمثل تحديثًا شاملاً للإطار التشريعي الذي كان قائمًا منذ عام 2000م، ويهدف إلى مواجهة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية التي تشهدها سلطنة عمان.
“أثير” حاورت الدكتور يوسف بن خميس المبسلي، مساعد العميد للشؤون الأكاديمية في كلية الدراسات المصرفية والمالية، لاستعراض أهم محاور القانون الجديد وأبرز تأثيراته على القطاع المصرفي العُماني.
مراحل تطور القانون المصرفي
أشار الدكتور المبسلي إلى البدايات الأولى لتنظيم القطاع المصرفي، فقبل عام 1970م لم تكن هناك هيئة تُشرف على النظام المصرفي، ومع تأسيس مجلس النقد العُماني في عام 1972م، وإصدار مرسوم النقد الذي أطلق الريال العُماني بدلًا من الريال السعيدي، بدأت سلطنة عمان في بناء هيكل تنظيمي للقطاع.
وأضاف: في عام 1975، أُنشئ البنك المركزي العُماني ليحل محل مجلس النقد، واضطلع بدور أساسي في تنفيذ السياسات النقدية والرقابة على الأنشطة المصرفية، وقد خضع القانون المصرفي لأول تعديل في عام 2000م، حيث أُدخلت تغييرات لتعزيز الاستقرار المالي وتمكين البنك المركزي من مواجهة التحديات الاقتصادية، واليوم مع صدور القانون الجديد، تدخل السلطنة مرحلة جديدة من تحديث القطاع المصرفي.
أبرز محاور القانون الجديد
محافظ البنك المركزي وصلاحياته الموسعة
ذكر المبسلي بأن القانون المصرفي الجديد يتضمن تعديلات جوهرية في هيكل البنك المركزي العُماني، فقد أُلغي مجلس المحافظين، وأُسنِدت المهام التنفيذية والإشرافية إلى محافظ البنك المركزي، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة تشمل اقتراح السياسات النقدية وتنفيذها، وضبط أسعار الفائدة، وإصدار التراخيص المتعلقة بالمنتجات والخدمات المصرفية.
وأضاف: كما يتولى المحافظ تقديم تقرير سنوي شامل لجلالة السلطان يتضمن نشاط البنك وأداءه المالي وتوصيات لتحسين العمليات، ما يعزز الشفافية والفاعلية، وأن هذا التعديل يهدف إلى تعزيز استقلالية البنك المركزي وزيادة كفاءته في اتخاذ القرارات، ويضمن استقرار النظام المالي ودعمه للنمو الاقتصادي.
تنظيم البنوك الرقمية
ومن الإضافات البارزة في القانون الجديد، تنظيم أعمال البنوك الرقمية، حيث أوضح الدكتور أن هذه الخطوة تأتي في إطار التحولات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، وتهدف إلى تعزيز الابتكار وتوسيع نطاق الشمول المالي. كما أن هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية عُمان 2040 التي تسعى إلى بناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والتقنية.
تعديلات على المصارف المحلية والمرخصة
وأكد الدكتور يوسف بأنه من بين التعديلات الرئيسية، يشترط القانون على المصارف المحلية أن تتخذ شكل شركات مساهمة عامة عند التقدم للحصول على التراخيص، مع رفع الحد الأدنى لرأس المال المدفوع إلى 100 مليون ريال عُماني، بدلا من 20 مليون ريال. كما ألزم القانون المصارف المرخصة بإبلاغ البنك المركزي في حالة تملّك أي شخص أو جهة نسبة 5% أو أكثر من الأسهم التي لها حق التصويت، مع سقف لا يتجاوز 10%. كما أشار إلى أن هذه التعديلات ستعزز من متانة المصارف المحلية والشفافية في إدارتها.
رفع رأس مال البنك المركزي
تضمنت التعديلات أيضًا زيادة الحد الأدنى لرأس مال البنك المركزي إلى مليار ريال عُماني، بدلا من 250 مليون ريال، مع إمكانية زيادته بموافقة السلطان. كما أن هذا التغيير يعزز من الاحتياطيات النقدية ويدعم قدرة البنك على الحفاظ على الاستقرار المالي. كما يمكّنه من إنشاء فروع داخل سلطنة عمان وخارجها لدعم عملياته.
انعكاسات القانون على الاقتصاد العُماني
أشار الدكتور المبسلي إلى أن القانون الجديد يعزز قدرة سلطنة عمان على تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية، خصوصًا في ظل رؤية عُمان 2040، مؤكدًا بأن التعديلات التشريعية ستوفر بيئة تنظيمية قوية تدعم الابتكار المالي وتزيد من كفاءة الأنظمة المصرفية، ما يعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني.
وأضاف: أن القانون الجديد يشكل إطارًا شاملًا لتطوير القطاع المصرفي بما يضمن تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، مع المحافظة على القوة الشرائية للريال العُماني.