الأولى

في مثل هذا اليوم قبل 31 عامًا افتتاح حصن مرباط؛ إليك معلومات ربما تسمعها عنه لأول مرة

حصن مرباط

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

تتميز سلطنة عمان بتنوع تراثي وثقافي عجيب سواءً أكانت شواهد ماديّة أم معنوية تحكي قصة ازدهارٍ حضارةٍ تُعد من أعرق حضارات المنطقة، ومن بين الشواهد المادية العديدة التي توجد في كل شبرٍ من عمان القلاع والحصون والأبراج التي تعدّ دليلا على التطور المعماري والتفوق العسكري في فتراتٍ عديدة.

صورة أرشيفية لحصن مرباط

ويعد “حصن مرباط” من أبرز الشواهد المادية الأثرية في سلطنة عمان بصورة عامة، ومحافظة ظفار بصفة خاصة، وهو يحكي جانبًا من تاريخ هذه المدينة العريقة بأمجادها البحرية ذائعة الصيت كأحد أبرز الموانئ العمانية. كما شهدت جنباته العديد من الأحداث السياسية قديمًا وحديثًا، وتوالى على الجلوس في صدر برزته عددٌ من الولاة والشخصيات السياسية البارزة.

وفي السابع من فبراير عام 1994م، وبمناسبة احتفال سلطنة عمان بعام التراث العماني، احتفل في ولاية مرباط تحت رعاية سعادة حمد بن حمدان القيوضي والي مرباط بافتتاح حصن مرباط التاريخي الواقع غرب مدخل الولاية حيث قامت وزارة التراث القومي والثقافة وقتها بإعادة ترميمه بمبلغ قدره (149) ألف ريال عماني، وروعي في أعمال الترميم المحافظة على الشكل والطابع الأصلي للمادة المستخدمة في ترميمه.

جريدة عمان، عدد الثلاثاء 8 فبراير 1994م

موقع الحصن وأقسامه

يتميز حصن مرباط بموقعه الإستراتيجي المطل على ساحل مدينة مرباط، والمطل أيضا على الفرضة، وكان الهدف من بنائه حماية المدينة وسكانها من الهجمات، وكي يكون مقرا وسكنا للوالي ومن يسيّر الشؤون الإدارية للمدينة.

صوَر علويّة لمرباط عام ١٩٧٢م ويبدو من خلالها حصن مرباط. أرشيف Brain spier

وتبلغ مساحة الحصن 467 مترا وارتفاعه 12 مترا، وهو يتكون من دورين: الأول يشمل برزة وسجنًا ومخازن أسلحة وأطعمة، بينما يتكون الدور الثاني من قسمين: الجنوبي ويستخدم كسن لعائلة الوالي، والشمالي كسكن للجنود. كما يوجد به فتحات بهدف الاستطلاع والمراقبة.

تاريخ بناء الحصن

تذكر المصادر التاريخية بحسب دراسة الباحث محمد بن مستهيل الشحري حول المعالم الأثرية لولاية مرباط أن محمد بن عقيل السقّاف احتل مرباط ونصّب نفسه حاكما على ظفار في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وهو الذي أمر بتشييد حصن مرباط في سنة (1220هـ/1806م) كما يذكر ذلك لوريمر في دليله الجغرافي عن الخليج.

صورة لمرباط تعود إلى العقد الثالث من القرن العشرين ويبدو فيها الحصن

وازدادت أهمية الحصن في عهد السلاطين تركي بن سعيد، وفيصل بن تركي، وتيمور بن فيصل، وسعيد بن تيمور، كما أشار إليه الضابط البريطاني “مايلز” في كتابه“ الخليج بلدانه وقبائله“، حيث أشار إلى موقعه وحاميته. كما تعاقب على إدارته عدد من الولاة منهم: الشيخ علي بن سالمين، والسيد ناصر بن خلفان البوسعيدي، والسيد علي بن سالم البوسعيدي، والشيخ أحمد بن عامر الصواعي الحسني، والشيخ سيف بن عامر العلوي، والشيخ عامر بن علي العمري، والشيخ سرحان بن عمير الفهدي.

نبذة عن الحصن وبها أسماء الولاة الذين تعاقبوا على مرباط

وفي عام 1923م قدّم الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي وصفًا لحصن مرباط أثناء الرحلة البريَّة التي قاموا بها بصحبة السلطان من صلالة إلى مرباط يوم 30 ربيع الثاني 1342هـ من حيث موقعه وعدد غرفه، واسم بانيه من الولاة، والإصلاحات التي أمر بها السلطان تيمور أثناء زيارته إلى الحصن:

“وحصن مرباط واقعٌ على ضفّة البحر، به خمس غرف، وهو حصنٌ واسع بالنسبة إلى غيره من أبنية تلك البلاد، أسسه الوالي سليمان، وزاد في بنائه الوالي عبدالله بن سليمان، وقدَّام هذا الحصن العلم السلطاني على بندٍ مركوز بالأرض، وقد أمر السلطان أن تبنى برزة واسعة أمام الحصن وأن يساوى أرضها وتكبس، وهي عبارة عن ساحة وعرضه واسعة، وأن يبدل بند العلم ببند آخر أكبر منه حجمًا، فعمل ذلك في أسرع وقت. وقد بذل الهمّة أيضًا في بناء برج باعلا (بأعلى) جبلٍ هناك مطل على البحر، وإذا تم بناء هذا البرج سيكون منارًا تهتدي به السفن من مكانٍ بعيد”.

وصف حصن مرباط في مخطوط “كشف الأستار عن حالة ظفار”

ويبدو أن الشيخ الطائي اعتقد أن الوالي سليمان بن سويلم هو من أنشأ هذا الحصن، بينما الحصن أقدم من الفترة التي تولى فيها ابن سويلم على ظفار، وربما يقصد الشيخ عيسى أعمال الترميم والإصلاحات التي قام بها الوالي سليمان بن سويلم ضمن جملة من الأعمال والإصلاحات والقوانين والتي قام بها خلال فترة وجوده في ظفار.

وفي عهد السلطان سعيد بن تيمور تم تدعيم الحصن من الناحية الشمالية لتقويتها وتمكينها وذلك بعد فيضانات عام 1948م التي تعرف بسنة " الأحيمر“، ويذكر الباحث سعيد بن خالد العمري أن الشيخ سعيد بن أحمد الكندي قاضي ظفار أنشد بمناسبة ترميم حصن مرباط سنة 1954م قائلاً:

كمل البناء لمركز الحكـام . . . حصن بمرباط علا متسامي

يا قارئاً أرخته لك حبذا . . . حصن أقيم لمنصب الحكام

وقد استخدم حساب الجُمل، والمجموع 1373 وهي سنة البناء بالتاريخ الهجري.

صورة أرشيفية لحصن مرباط في عام 1972م

وقد ظل الحصن مقرًا للوالي حتى سنة 1988م، وفي سنة 1991م تم تسليمه إلى وزارة التراث القومي والثقافة وقتها التي رمّمت الحصن في عام 1992م على طرازه المعماري القديم نفسه وباستخدام المواد الخام المحليّة، وفي 7 فبراير 1994م تم افتتاحه بمناسبة عام التراث العماني.

صورة تعود إلى حصن مرباط عام 1992م خلال مراحل الترميم
برزة الحصن حيث كان يلتقي والي مرباط بالمسؤولين والمواطنين. أرشيف الباحث سعيد بن خالد العمري
عملة تذكارية تحمل صورة حصن مرباط صدرت بمناسبة العيد الوطني السابع 1977م. أرشيف الباحث سعيد العمري

متحف الحصن

يضمُّ الحصن متحفاً ومرافق، مقسَّمة على الدورين الأول والثاني، وقاعات مخصصة تتناول تاريخَ مرباط قديماً وصناعة السفن والطرق التجارية البحرية والبرية وتجارة اللبان، والمأكولات المحلية، وغرفة للملابس التقليدية وغرفة المرأة الظفارية تبرز فيها الدورَ الذي أدّته في المجتمع، إضافة إلى المجلس وغرفة الأطفال، وغرفة لحفظ الطعام، وغرفة الآلات الموسيقية التقليدية. ويحتوي الحصن على مرشد آلي، يوفر للزائر المعلومات والتفاصيل عن الحصن وذلك من خلال تسع لغات عالمية.

جانب من متحف الحصن. جريدة “وجهات”، 14 أغسطس 2024م

المراجع

  • الجبلي، عزان ومحروس، ناصر. افتتاح حصن مرباط، جريدة عمان، عدد الثلاثاء 8 فبراير 1994.
  • الشحري، محمد بن مستهيل. المعالم الأثرية لولاية مرباط، ورقة عمل ضمن أعمال ندوة مرباط عبر التاريخ، المنتدى الأدبي، مرباط، 2012.
  • العريمي، محمد بن حمد. الشيخ عيسى بن صالح الطائي قاضي قضاة مسقط، مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، مسقط، 2024.
  • العريمي، محمد بن حمد. بالصور: تعرّف على تفاصيل حصن مرباط والمتحف الموجود داخله، تقرير منشور في صحيفة “أثير” ، 21 أغسطس 2019.
  • موقع وزارة الإعلام الإلكتروني. “حصن مرباط”، 15 مايو 2016، https://omaninfo.om
Your Page Title