أخبار

همسة للمسؤولين: العقول قبل العقود

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

خالد الشكيلي

قبل فترة قرأت رسالة تقول قولا جميلا: الهاتف الذكي (كالآيفون) الذي تحمله في يدك قد لا يساوي 10 دولارات من حيث قيمة المواد المستخدمة: الزجاج والألمونيوم ونحوه، لكن طريقة صنعه وطريقة عمله هي ما تجعله باهض الثمن، فأنت تدفع للعقول العاملة التي أنتجت هذا الجهاز ولا تدفع قيمة المواد وحدها. رسالة عميقة المعنى وتحكي واقعاً مؤلماً نعيشه اليوم، اقتصاد السلعة الواحدة، التي حالفنا الحظ بوجودها في أسفل الأرض التي نعيش عليها، بلا حول منا ولا قوة.

هذا الاقتصاد المتأرجح، الذي يرتفع بارتفاع سعر النفط وينخفض بانخفاضه، تزدهر البلاد مرة وتعلن الطوارئ والتقشف مرة، اقتصاد غير مأمون ولا يمكن التعويل عليه على المدى البعيد، فهو (غير تأرجح الأسعار) سينضب يوماً أو لن تعود له أهمية كبرى عند اكتشاف مصادر طاقة بديلة يمكن الاعتماد عليها، والعالم سائر في هذا الاتجاه شئنا ذلك أم أبينا. فهل سننتظر معجزة تمنحنا مادة أخرى كالنفط نستطيع الاعتماد عليها مستقبلا؟

كبرى شركات العالم، وأخص بالذكر هنا بعضها وأشهرها: جوجل، مايكروسوفت، فيسبوك، تويتر، ياهو، أبل، أمازون، وشركات الألعاب مثل: أكتفيجن بليزارد، EA، ننتدو، والشركات الإعلامية مثل: تايم ورنر، كوم كاست، ديزني وغيرها، هذه الشركات قائمة على عنصر مهم جدا، ليس النفط والغاز، ولا الذهب والفضة ولا المعادن أو أي مصدر طبيعي آخر، قائمة على الإنسان، والإنسان وحده. شركات قائمة على الأفكار، وصناعتها وتطويرها، قائمة على تحفيز العقول وتنميتها، شركات قائمة على العقول فقط!

الدخل السنوي لشركة واحدة من هذه الشركات يعادل الموازنة العامة للدولة معنا لعام كامل، وهذه الشركات لا تطالب بمناطق امتياز كالشركات النفطية، ولا مناطق تعدين كشركات المعادن، ولا حتى الماء كالشركات الزراعية، فقط تريد قوانين تسهيلية وبيئة عمل ملائمة تسمح لها بالنمو وحكومة متعاونة ومجتمعا متفهما. من يقرأ في تاريخ تأسيس أي شركة منها سيرى أنها بدأت بداية متواضعة جدا، في غرفة صغيرة في المنزل، أو في سكن جامعة ما، أو مقهى إنترنت متواضع. هؤلاء لم ينحدروا من أسر ثرية فاحشة الثراء، الإصرار والعمل وحسن التدبير والتخطيط، والبيئة الملائمة ساعدتهم على النجاح.

في مؤتمر إطلاق النسخة الأولى من الآيفون، يقول الراحل ستيف جوبز: “اليوم سنعيد اختراع الهاتف”، وبعدها بدأ يستعرض مميزات منتجه الجديد بحماس عجيب. اليوم نرى النجاح الكبير الذي حققه الآيفون، ونرى الكثير من الشركات الأخرى تسعى وبقوة إلى إطلاق منتجات منافسة بوتيرة متسارعة، هذه القدرة وهذا الفكر القادر على إشعال الأسواق وتحفيز الإنتاج وتشجيع الابتكار يجب أن نتوقف عنده ملياً لدراسته. هناك الكثير من المنتجات المتداولة في الأسواق التي مع القليل من التفكير وقليل من الإبداع بالإمكان تطويرها لتصبح منتجات ذات دخل عالٍ جدا، مثلما فعل ستيف جوبز مع الهاتف.

التفاتة الحكومة في وقت قريب بأمر من سلطان البلاد نحو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خطوة في الطريق الصحيح، لكن هذه الخطوة ستبقى خطوة عرجاء إن لم يتبع ذلك قوانين عمل تحد من الاحتكار بشكل حقيقي، وتضمن فرصة حقيقة للشباب الراغب في تكوين مشاريعه الخاصة بنفسه، فمع محاولة إغراء الشركات الأجنبية في الاستثمار يجب تنمية المواهب والمشاريع المحلية لتكون قادرة على الإسهام وبشكل فاعل في تنمية الاقتصاد الوطني للبلد. هذه المشاريع قد لا تكلف الدولة ريالا واحدا، كل ما عليها فعله إيجاد بيئة تنافسية عادلة، وتشريع وسن قوانين صارمة ومتابعة ومعاقبة كل المخالفين.

هناك الكثير من الفرق الشبابية صاحبة طموح كبير والتي تصطدم عادة بكبرى الشركات المحلية (شركات إعادة بيع كما أحب تسميتها وليست شركات منتجة بالمعنى الحقيقي)، وما تلبث هذه الشركات الصغيرة أن تموت مع انعدام الفرص ومع ابتلاع الشركات الكبرى لكل المشاريع، كبيرها وصغيرها.

الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد، أو مصدر دخل أكبر أمر غير مقبول في عصرنا هذا، وإنفاق ملايين ومليارات على مشاريع تستغرق عشرات السنين لتبدأ بتحقيق أرباح أمر غير مجدٍ كذلك، الاهتمام بالشباب والمشاريع الشبابية، ودعم الابتكار والاختراع دعما حقيقيا، وتصدر المبدعين الوسائل الاعلامية يجب أن يكون وجهة البلد القادمة، التباكي على الأسعار المتأرجحة والترقب والخوف سياسات يجب أن تنتهي.

Your Page Title