فضاءات

عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (2-7)

عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (2-7)
عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (2-7) عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (2-7)

عزة بنت محمد الكميانية- روائية عمانية

عندما نتحدث عن الواجبات المنزلية نجد أن هذا الأمر تُرك بيد المعلمين والمعلمات دون ترتيب أو تقنين، أو حتى مشاورة بين المعلمين والمعلمات بفرض واجب واحد على الطلبة في مادة واحدة كل يوم، إنما كل معلم يفرض واجبه ثم يعاقب من لم يقم بالواجب أو ينقص درجاته، وقد بيَّنت إحدى الدراسات أنه كلما كان المعلم يعاني من ضغوط نفسية في حياته الأسرية والاجتماعية ازداد فرضه الواجبات المنزلية على الطلاب، فعندما نرى كم الواجبات التي يلزم بها بعض المعلمين الطلبة على أدائها كل يوم نشعر أن هذه الدراسة صحيحة، وخاصة أن هناك معلمين ومعلمات لا يفرضون واجبات منزلية على الطلبة، وإن حدث ذلك فواجب قصير جدا وعلى فترات متباعدة.

وسأضرب مثالاً بقصة لتوضيح صدق تلك الدراسة ووضع اليد على الجرح لعلاجه، والقصة ليست لتجريح أحد أو الإساءة للمعلمين، فليسوا سواء، وإنما هناك نماذج من المعلمين الذين يفرضون واجبات منزلية كثيرة دون مراعاة للطلاب، حتى لو كان ينتظرهم في اليوم التالي اختبار، فالقصة التي سوف أسردها تؤيد تلك الدراسة فعلاً، فقد حكت لي إحدى الأمهات ما حدث عندما ذهبت للسؤال عن ابنتها في المدرسة، ففي أحد الأيام ذهبت لمعرفة مستوى ابنتها التي كانت تشتكي من كثرة الواجبات المنزلية، فالمعلمات للأسف هن من يعطين الواجبات المنزلية أكثر من المعلمين، ربما لأنهن الأكثر ضغوطا في الحياة، وهن يعتبرن ذلك من احترام المهنة والأمانة المهنية وتأديتها على أكمل وجه، وتحليل الراتب كما تقول بعضهن، والخطأ الذي اقترفته تلك الأم أنها قبل الذهاب للمدرسة لم تسأل ابنتها عن المعلمات اللاتي يعطين واجبات أكثر من غيرهن، فابنتها كانت تتحدث بشكل التعميم، ولسوء أو ربما لحسن الحظ أنها أثناء مناقشة معلمة الفيزياء عن مستوى ابنتها قالت لها: “أريد أن أتحدث معك بشأن الواجبات، أرجو أن تقللن من إعطاء الواجبات المنزلية، لأن البنات نفسيتهن متعبة منها، فكل يوم عدة واجبات، فإن كان لابد منها اتفقن فيما بينكن ففي اليوم الذي تعطي فيه معلمة الرياضيات واجبا، معلمة الفيزياء لا تعطي واجبا، وكذلك التربية الإسلامية واللغة العربية، والأحياء، والكيمياء، غير واجبات اللغة الإنجليزية…” هذا كان سيكون مسار حديثها معها – كما أخبرتني- لكن قبل أن تكمل حديثها وبمجرد أن ذكرت واجبات، أمسكت المعلمة يد الأم بحنان وقالت لها: “أنا لا أعطي واجبات، لأنني ضد الواجبات”. فاعتذرت لها الأم قائلة: “أنا آسفة فابنتي لم تخبرني بذلك، وإنما كانت تتأفف من كثرة الواجبات وحسب”. واصلت المعلمة حديثها: “حتى لو أعطيت واجبا وهذا يحدث نادرا فإن الواجب قصير جدا لا يأخذ عشر دقائق في حله، لأن الواجب لا فائدة منه، هو تضييع لوقت الطالب”. تعجبت الأم من حديث المعلمة، لأنها أول معلمة تخبرها أنها ضد الواجبات، فأرادت أن تعرف ظروف حياتها فسألت عنها، وعلمت أنها أرملة تعيش مع ابنها لوحدها، وكان ابنها في الصف السادس، ولذلك زال عجبها من حديثها، فهي امرأة حرة لا التزامات ولا واجبات عليها، وهي مسؤولة عن طفل واحد، وفي سن يمكنه الاعتماد على نفسه، فلا ضغوطات في حياتها ولا مسؤوليات كثيرة، ولديها وقت كافٍ للاستمتاع بالحياة، وزيارة أهلها، وترتيب حياتها، أما معلمة الرياضيات فما إن فتحت الأم فمها لتخبرها عن الواجبات حتى أسكتتها قائلة: “الواجبات مهمة، لا يمكن إلغاؤها”. حاولت إكمال حديثها فنظرت لها نظرة جعلتها لا تناقشها، فإذا كانت مجرد أن ذكرت كلمة واجبات حتى غضبت وبان على وجهها الامتعاض، فكيف إذا ناقشتها في موضوع الاتفاق بين المعلمات!

أخبرتني تلك المرأة أنها حينما حدَّثت ابنتها عمَّا حدث أثناء زيارتها للمدرسة، وعن الحديث الذي دار بينها وبين كل معلمة، قالت لها ابنتها حينما أرادت أن تخبرها بما دار بينها وبين معلمة الفيزياء: هذه المعلمة الوحيدة التي لا تعطينا واجبات إلا نادرا، وفي فترات متباعدة جدا، قالت الأم: لمَ لم تخبريني؟! شعرت بالإحراج حينما فتحت لها الموضوع.

أما معلمة الرياضيات فكانت هي الأكثر حرصا وتكثيفا للواجبات بشكل يومي، حتى أن الأم تقول بأن ابنتها رجعت من المدرسة في أحد الأيام غاضبة وحانقة عليها، فسألتها: لمَ؟ أجابت: “لأننا قلنا لها لا نريد اليوم واجبا، فلدينا من الواجبات ما يكفينا، غير أن لدينا اختبار غدا، فقابلت طلبنا بالصمت، ففهمنا من صمتها أنها موافقة على ألا تعطينا واجبا، فشعرنا بالراحة والفرح، ولكن بعدما خرجنا للفسحة، وحينما رجعنا وجدنا البنات ينقلن شيئا من السبورة فسألنا: ماذا تنقلن؟! قلن: واجب رياضيات!!”
ودون السؤال عن معلمة الرياضيات وظروف حياتها يبدو من القصة أنها متزوجة ولديها أطفال ومسؤوليات وضغوطات كثيرة، وهي تضغط على نفسها أكثر بفرض واجبات على الطالبات، وهي لا تعلم أن ذلك يزيد حياتها سوءًا وتعقيدًا، هذا إن صحت الدراسة التي ذكرتها فعلا.


وعندما نرجع لتاريخ فرض الواجبات المنزلية يقال بأن أول من اخترعها هو المعلم الإيطالي (روبورتو نيفيلز) لمعاقبة طلابه ثم تحولت فكرته لنظام عالمي اتبعتها معظم المدارس في العالم، أما في أمريكا بالرغم من إلغاء الواجبات المنزلية في عام 1901م إلا أنها عادت من جديد في الخمسينات في الحرب الباردة حينما قررت الحكومة الأميركية فرضها على الطلاب من جديد مثلما كانت مفروضة على الطلاب الروس، ولذلك حينما نرجع لتاريخ فرض الواجبات المنزلية نجدها فرضت كوسيلة عقاب أو بسبب ظروف سياسية، ولكن للأسف استمرت لليوم في معظم دول العالم، علما أنها لم تثبت جدواها لتحسين مستوى الطلاب إنما بينت الدراسات أن الواجبات المنزلية هي السبب الرئيس لقلق الطلاب وتعرضهم للضغوط النفسية وكرههم للمدرسة، وأن الدول التي ألغت الواجبات المنزلية سجل طلابها أعلى معدل في اختبارات القياس الدولية.

عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (1-7)
https://ath.re/2IshP6P


https://ath.re/2IshP6P

Your Page Title