عزة بنت محمد الكميانية- روائية عمانية
تحدثنا في الحلقات السابقة من سلسلة هذا المقال عن مطالب أولياء الأمور (إلغاء الواجبات المنزلية والمشاريع وتخفيض ساعات التعليم) واليوم سنتحدث عن مطالب أخرى.
حينما تم تنفيذ قرار إطالة ساعات الدوام المدرسي في نهاية التسعينات لم يأخذ المسؤولون الذين أصدروا ذلك القرار في الحسبان عدم جاهزية المدارس لبقاء الطلاب لساعات أطول فيها، فلا يوجد غذاء صحي للطلاب، ولا أماكن لتناوله، ولا أماكن للراحة عوضًا عن الدوران في الشمس طوال الفسحة أو قبل الدوام المدرسي أو بعده حتى تأتي الحافلات لحمل الطلاب، وكثير من الفصول أجهزة التكييف فيها معطلة، فيظل الطلاب طوال الحصص يتصببون من العرق، مما يزيد إرهاقهم وتأففهم من الدراسة، وعندما يأتي موعد الانصراف لا يكون الحال أفضل، إنما يظلوا يتصببون من العرق بسبب الحافلات السيئة التي تنقل الطلاب؛ فمعظم هذه الحافلات أجهزة التكييف فيها معطلة أيضا! ونلاحظ أن معظم طلاب المدارس الحكومية هم من يصدر منهم هذه الشكوى والتأفف وكره الدراسة، بينما طلاب المدارس الخاصة نادرًا ما يصدر عنهم ذلك، لأن المدارس الخاصة مهيأة بطريقة أفضل للدراسة ولراحة الطلاب فيها.
ومن ضمن مطالب أولياء الأمور التي تتجاهلها وزارة التربية والتعليم هو توفير غذاء صحي للطلاب، عوضا عن الأكلات السريعة غير الصحية، ومن بين الحلول التي يطرحها البعض لحل هذه المشكلة هو بأن يُجهزوا الأهالي غذاءً صحيا لأطفالهم كل يوم ليأخذوه معهم للمدرسة، ولكن للأسف هذا الحل يسبب تعبا وإرهاقا للأمهات، وغالباً برغم الجهد الذي تبذله الأم لتحضير الطعام لطفلها كل صباح إلا أنه حينما يعود للبيت تجد أنه لم يأكل الطعام، لأنه يفضل الشراء من مقصف المدرسة مثل زملائه ويصر على ذلك، فيضطر الآباء للرضوخ لأبنائهم وشراء غذاء غير صحي لهم كل يوم من عصائر وفطائر، لأن الموجود في المحلات أفضل مما يوجد في مقصف المدرسة، هذا إذا كانت المدرسة لا تمنع ذلك، فمعظم المدارس يمنعن شراء أي شيء من خارج مقصف المدرسة، ويؤدي مخالفة ذلك إلى عقاب الطالب، مما يضطره للشراء من مقصف المدرسة عصائر لا يحبها، وأكلات سريعة لا يستسيغها، كما أن الصراع الذي يحدث أثناء الشراء من المقصف يُرسِّخ في عقل الطالب فكرة القوة للحصول على ما أريد، فإما الصراع أو الانتظار حتى ينتهي معظم الطلاب من الشراء، وبذلك تضيع معظم الفسحة، وغالبا هؤلاء الطلاب الذين ينتظرون لا يجدون الأصناف المفضلة لهم، والحل الأمثل لهذه المشكلة هو إقامة مطعم في كل مدرسة، فيه طباخون يجهزون الغذاء للطلاب كل صباح، فما إن تحين الفسحة حتى يكون غذاءهم محضرا، صحيا ونظيفا، لأن الاعتماد على المطاعم الخارجية مكلف وغير صحي، ولا ننسى حالات التسمم التي حدثت السنة الماضية في بعض المدارس، مما أدى لنقلهم للمستشفى، بسبب شراء وجبات غذائية لمقصف المدرسة من أحد المطاعم، وهذه ضريبة محاولة بعض المدارس تغيير نظام الطلاب الغذائي بتوفير غذاء صحي لهم، ولكن للأسف معظم هذه الخطط الفردية للمدارس تبوء بالفشل بسبب غلاء الوجبات أو أنها غير صحية بسبب امتلائها بالزيوت المضرة، غير حالات التسمم التي حدثت، فلا يمكن الثقة بمطعم سوى المطعم الذي يُدار من داخل المدرسة، وحتى تكلفة الطعام تقل، فمن أرباح المطعم يتم دفع رواتب الطباخين، والمصاريف الأخرى، أو يمكن تسليم المطعم لشركة مختصة بإدارة المطاعم كما في الكليات والجامعات، وتستلم المدرسة نسبة من الأرباح أو تستأجر الشركة المطعم، وبذلك يمكن بالمبلغ المتجمع من الإيجارات تطوير المدرسة وأساليب التعليم بما يعود بالنفع على الطلاب، دون أن تضطر الحكومة لدفع مخصصات مالية أكبر.
وكذلك من ضمن مطالب أولياء الأمور هو توفير أماكن استراحة للطلاب أو أماكن للترفيه عنهم، يمكن إقامتها من أرباح المقصف المدرسي أو المطعم إذا تم إنشاء مطاعم في المدارس، ويمكن بالأرباح السنوية إقامة مظلات وكراسي وطاولات في حديقة المدرسة مع الاهتمام بزراعة الأشجار والتعشيب، فبحسب إحدى مديرات المدارس أخبرتني أن نسبة من أرباح الجمعيات أو المقصف المدرسي يذهب لوزارة التربية والتعليم، والنسبة التي تظل للمدرسة تصرف على الأوراق والأحبار ولأدوات المختبر ومصادر التعلم وصيانة المدرسة وأشياء أخرى، وقد تعجبت من ذلك لأن وزارة التربية والتعليم هي أكثر وزارة لها مخصصات مالية من الحكومة بعد وزارة الصحة، فلم بعد ذلك تأخذ من أرباح الجمعية؟! كما أن لكل مدرسة مخصصات مالية سنوية من الحكومة، فلم لا تترك أرباح المقصف أو المطعم لتطوير المدرسة، ولتصليح المكيفات وصيانتها أو استبدالها، وكذلك لصيانة دورات المياه؛ فكثير من دورات المياه في المدارس غير صالحة للاستخدام، وتحتاج للصيانة والتنظيف باستمرار، ويجب توظيف شخص في كل مدرسة يقوم بإدارة كل ذلك، ويكون هو المسؤول عن أي تقصير، فليس من المعقول أن يكون دور المدير والمعلمين الاهتمام بذلك، فيجب تخفيف الحمل عليهم حتى يكون تركيزهم على التعليم وحسب، دون أن تشغلهم أمور أخرى إدارية يمكن لأي شخص مختص القيام بها.
وهناك مبادرات من بعض المدارس في ترتيب المدرسة وتهيئتها لراحة الطلاب، وإحدى هذه المدارس قامت بعمل مشروع زراعة خضروات في المدرسة تقوم الطالبات بزراعتها في حصة العلوم، تحت إشراف المعلمة، ثم بيعها للمعلمات والأمهات، وبأرباح المشروع تم تشجير المدرسة ووضع كراسي وطاولات، وأماكن معشبة لجلوس الطالبات، وصيانة دورات المياه.
فلم لا تقوم إدارات المدارس بمبادرات كهذه وتهتم بمدرستها، عوضا عن انتظار كل شيء من وزارة التربية والتعليم، فلإدارة المدرسة دور كبير في ترتيب المدرسة وتهيئتها لراحة الطلاب، وأذكر أن إحدى المدارس ما أن تبدلت إدارتها حتى أصبحت أفضل وأجمل من السابق، مما يدل على أن إدارة المدرسة لها دور أيضا في تطوير المدارس، – وكما ذكرت يجب أن يكون هناك موظف مختص بذلك ولا يترك كل الحمل على الإدارة والمعلمين لتطوير المدارس- فلا يقتصر الأمر على وزارة التربية والتعليم، أما الوزارة فلها دور في تشجيع المدارس على التطوير، بحيث يكون ذلك فرضا عليها ولا يترك الأمر اختياريا، حتى لو تم جمع تبرعات من الأهالي، فلا أحد يرفض الراحة لأولاده، ما دام تلك التبرعات سوف تصب لصالح راحة أبنائهم، ولكن يجب اتباع الحلول الأخرى قبل جمع التبرعات حتى لا يشكل ذلك عبئاً على الأهالي، وإنما ذلك الحل يظل في آخر الحلول لتطوير المدرسة، ولا ننسى ما استجد في السنوات الأخيرة من إقامة اليوم المفتوح وذهاب ريعه لتطوير المدارس، وتجميلها، ولكن الملاحظ أن هناك مدارس استغلت هذا الأمر جيدا، بينما بعض المدارس لم تتغير وظلت غير مريحة للطلاب.
الجزء الأول:
https://ath.re/2IshP6P
الجزء الثاني:
https://ath.re/2Iyvucz
الجزء الثالث:
https://ath.re/2P4KelM
الجزء الرابع:
https://ath.re/2ymY9fV