علوي المشهور- خريج علوم سياسية
يُعدّ تمويل الحملات الانتخابية من أكثر القضايا الشائكة في العملية الديموقراطية؛ فهو حين يخرج عن السيطرة قد يتسبب في حرف مسار الانتخابات نحو المبالغة في التركيز على الترويج للأشخاص مع التقليل من شأن السير الذاتية والبرامج الانتخابية، ولذلك الكثير من الدول الديموقراطية وضعت تشريعات وضوابط لتقليل دور المال السياسي وتأثيره على قرار الناخبين.
في السلطنة إلى الآن لا توجد أي دراسات أو إحصائيات موثوقة حول ميزانيات المترشحين لمجلس الشورى التي انتهت مؤخرًا، لكنّ هناك كلامًا مُتداولًا حول بعض المترشحين الذين بلغ إنفاقهم على الحملات الانتخابية عشرات الآلاف وبعضهم تجاوز المائة ألف ريال عماني. وإن صحت هذه الأخبار فهي كارثة حقيقية لكونها مضرة بالحياة السياسية؛ فنحن في مجتمع بسيط ومعظم الناس هنا يعرفون بعضهم البعض، ونظام التصويت لدينا قائم على الولايات ومن غير المنطقي احتياج هذه المبالغ الطائلة للترويج إلا في حالة أنها كانت تستخدم لأغراض أخرى كالرشاوي ومحاولة شراء الولاء السياسي بالمال!
وأتوقع أن المترشح الذي لديه ما يقنع به الناس من برامج ورؤى وأفكار لن يحتاج إلى مبالغ كبيرة في حملته الانتخابية؛ فالوصول للناخبين اليوم أصبح أكثر سهولة مع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وإذا كان المترشح لديه من يؤمن بتوجهاته ويقتنع بمشروعه فبإمكانه الاستفادة من المتطوعين وهو ما سيقلل تكاليف الحملات الانتخابية بشكل كبير جدا. مثلا، كثيرٌ من المترشحين اعتمدوا على فريق عمل متكامل من المتطوعين كمنظمين للفعاليات ومصورين ومخرجين وخبراء في التقنية ونشطاء على وسائل التواصل وغيرها، وكل ذلك أسهم في تقليل التكاليف، وهذه ممارسة صحية ودليل على حسن التجربة السياسية لدينا.
وأعتقد أن الشعوب تتطور مع التجارب؛ فالوعي السياسي لا يأتي صدفة ولا ينزل على أحد من السماء، ولذلك فإن الشعوب التي تنضج تجربتها السياسية تبدأ في إدراك خطورة المال السياسي وتصبح مع مرور الوقت أكثر وعيا بذلك. مثلا في الانتخابات الرئاسية التونسية -بغض النظر عن موقفي الشخصي من المترشحين فيها- فاز شخص بسيط جدا وكانت حملته الانتخابية تقوم بالكامل على جهود متطوعين بدون استخدام المال السياسي ولم يروج لنفسه بوضع صوره في الشوارع وإنما اكتفى بتوصيل أفكاره عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فقط واللقاءات المباشرة مع الناخبين. وهذا النموذج يُعبّر عن تحول كبير في نمط الترويج الانتخابي وهذه الحالة منتشرة في دول مختلفة حول العالم. وأتوقع أنه حتى في السلطنة شهدنا مؤخرًا تركيز كثير من المترشحين -خصوصًا في المدن الكبيرة- على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من الطرق التقليدية في الترويج.
نقطة أخرى مهمة جدًا ولابد من التركيز عليها ألا وهي الرشاوي في الانتخابات؛ فقانونيًا الرشوة مُجرَّمة لكن هي تُمارس وبأشكال مختلفة في معظم ولايات السلطنة، وفي رأيي هي لم تعد حالة وإنما ظاهرة تحتاج لوقفة جادة من الحكومة والشعب لمعالجتها. الحكومة تدعي أنها تحارب الرشوة لكن واقعيا نحن لا نسمع عن أي حالات يتم ضبطها ومحاسبتها، وهنا يُطرح تساؤل مهم: هل الحكومة فعلا جادة في محاربة الرشوة في الانتخابات؟ على الجانب الآخر، المجتمع أيضا يدعي أنه يرفض الرشوة لكن خلف الأبواب المغلقة كثيرٌ من الناس يقبلونها بل وبعضهم ينصح المترشحين بالتركيز على هذا الجانب لإقناع الناس بالتصويت له!
بلا شك هذا الأمر بحاجة لحلول عملية في الانتخابات القادمة سواء للمجلس البلدي أو الشورى، ولابد من تطبيقها بفاعلية وصرامة ومحاسبة الراشي والمرتشي مع عقوبات واضحة ورادعة. القانون موجود لكن لابد من تغليظ الأحكام، وأيضا تفعيل المراقبة وتسهيل تقديم الشكاوى بدون إحراج المشتكي. وأيضا لابد من الإعلان عن ضبط هذه الحالات حتى تكون عبرة لغيرها وكي لا يتجرأ أي شخص على الإقدام على هذا الفعل مستقبلًا.
وأخيرًا، أرى بأن كثيرًا من الناس يقبلون الرشوة بسبب عدم شعورهم بقيمة المجلس لكونه لا يؤثر على حياتهم وهذا يبين وجود خلل حقيقي في العملية السياسية وحالة من اللامبالاة من الطرفين -الشعب والحكومة- ولذلك لابد من منح المجلس كل الصلاحيات التشريعية والرقابية ليدرك المواطنون أهميته ويشعرون بتأثيره عليهم، وليسهم في التنمية ويكون شريكًا وندًا حقيقيًا للحكومة، وبهذا يتحقق الفصل بين السلطات وتتطور التجربة في وطننا الغالي عُمان.