مسقط – أثير
إعداد- ريما الشيخ
وجهت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) ضربة موجعة إلى اقتصاد عالمي يعاني بالفعل من الهشاشة، رغم أن النطاق الكامل للآثار الاقتصادية للجائحة لن يتضح قبل مرور بعض الوقت.
وقد صنفت جائحة كورونا كأسوأ أزمة اقتصادية خلال مائة عام منذ الكساد العظيم بالاقتصاد الأمريكي عام 1929، الذي تسبب بشلل في حركة الاقتصاد العالمي وإغلاق آلاف المصانع الكبيرة حول العالم وخسارة ملايين البشر لوظائفهم.
فهل من الممكن أن يدخل كورونا العالم بكساد جديد مثل الذي حدث منذُ 91 عامًا؟ أو أن الوضع الاقتصادي اليوم يختلف عن ما حدث في العام 1929م؟
قبل أن نجيب عن ذلك، ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن الكساد العظيم أو الكببر؟
الكساد العظيم هو أي انخفاض واسع النطاق في النشاط الاقتصادي، ببساطة هو عبارة عن كارثة اقتصادية عميقة ينخفض خلالها الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي بنسبة لا تقل عن 10%، وهو أشد بكثير من الركود، كونه من الممكن أن يستمر لسنوات طويلة، فالكساد كابوس مستمر لكل قطاعات الأعمال التجارية والمصرفية وأنشطة التصنيع، تزداد فيه البطالة وتنخفض قيمة الاستثمارات وأرباح الشركات، وينتج عنه تدنٍ وهبوط في الإنتاج والأسعار والوظائف وكذلك الإيرادات.
بدأ الكساد العظيم في أكتوبر عام 1929م، وانتهى في بدايات عام 1940م لكن هذا لا يعني أن خلال كل هذه الفترة كنا نشهد انكماشا اقتصاديا، عمليا كان لدينا فترتان من الانكماشن الأولى من العام 1929م إلى 1930م والفترة الثانية كانت من 1937م إلى 1938م، تخللها نوع من البيانات الاقتصادية الإيجابية التي أعطت نوعا من التلميح إلى التعافي، لكنها لم تدم طويلا، وبالتالي معظم البيانات الاقتصادية التي صدرت خلال فترة الكساد العظيم لم تكن بمعظمها سلبية، لكن تخللتها أيضا بيانات إيجابية.
كان تأثير الكساد مدمرا على كل الدول تقريبا الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح، كما أن أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة، كما توقفت أعمال البناء تقريبا في معظم الدول، وتأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.
قد يكون هذا السيناريو مشابهًا لحد كبير ما يحدث في العالم اليوم بسبب تداعيات كورونا، فما عوامل التشابه والاختلاف بين الكساد العظيم والأزمة الاقتصادية لكورونا؟
البداية مع نسبة الاقتصادات المنكمشة، اليوم نتحدث عن أكثر من 92 في المائة من الاقتصادات العالمية التي دخلت في حالة ركود بسبب تداعيات كورونا وهذه النسبة أكبر بكثير من نسبة الكساد العظيم والتي كانت 83 أو 84 في المائة من الاقتصادات العالمية، وما الذي يعني ذلك ؟ هذا يعني أن تأثير كورونا تأثير عالمي وربما هذا يشابه إلى حد ما ما حدث في الكساد العظيم .
ومع استمرار كورونا، من المتوقع أن يتقلص الاقتصاد العالمي في عام 2020 بنسبة 3.2%، مما سيتسبب بخسائر إجمالية تبلغ نحو 8.5 تريليون دولار، وهو ما سيمحو ما يقرب من أربع سنوات من المكاسب التي تحققت، وانخفاض في المدخولات يبلغ نحو 2 تريليون دولار، وقد وصل الاقتصاد العالمي إلى طريق مسدود تقريبا في الربع الثاني من عام 2020، ويواجه العالم واقعا كئيبا يتمثل في ركود حاد لم يسبق له مثيل منذ الكساد الكبير.
وفي تقرير عن الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم، قالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، إنه اعتبارا من منتصف عام 2020 سيهبط الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتقدمة بنسبة -5.0% في حين سيتقلص ناتج البلدان النامية بنسبة 0.7%.
وترجّح إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة أن يكون العالم ما بعد كوفيد-19 مختلفا إلى حدّ كبير عن العالم الذي عرفناه، ورغم التوقعات بحدوث انتعاش في 2021 بنسبة 3.4%، إلا أن ارتفاع مستويات الدّين العام قد يشكل تحديا للاقتصاد العالمي.
أما التأثيرات على معدلات البطالة وعلى قطاع العمل، ففي تقرير لوكالة تابعة للأمم المتحدة تحدث بأن أكثر من 25 مليون وظيفة حول العالم سيتم فقدانها بسبب تداعيات كورونا، والمخيف في الموضوع بما يتعلق بتداعيات كورونا على قطاع العمل هو بأن أكثر من 42 في المائة من الوظائف التي فقدت في خلال أزمة كورونا لن تعود، أي إنها ليست خسارة مؤقتة للوظائف، لكنها خسارة دائمة للوظائف ،وهذا سيغير ليس فقط هيكلية قطاع العمل لكن حتى الهيكلية الاقتصادية بشكل عام.
والمخيف في الموضوع بما يتعلق بتداعيات كورونا على قطاع العمل هو بأن أكثر من 42 في المائة من الوظائف التي فقدت في خلال أزمة كورونا لن تعود، أي إنها ليست خسارة مؤقتة للوظائف، لكنها خسارة دائمة للوظائف
والآن السؤال المطروح، هل سيعيدنا كورونا إلى فترة الكساد العظيم بالفعل؟
لا يمكن تحديد إجابة واضحة عن هذا الموضوع لعدد من الأسباب:
أولا: اليوم الهيكلية الاقتصادية للعالم مختلفة،فالأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بالعالم هي ليست أزمة بحد ذاتها، لكنها أزمة صحية تحولت إلى أزمة مزدوجة من العرض والطلب بسبب ما شهده العالم وبالتالي لا يمكن عمل هذه المقارنة مع الغير.
أولا:
ثانيًا: دور البنوك المركزية في أعوام الكساد العظيم وتحديدا في 1929 وما بعد، كان عمر الفيدرالي فقط 16عامًا بالتالي لم يكن لديه خبرة كافية بالتعامل مع الأزمات الاقتصادية وهذا ما هو يعاكس تماما ما نشهده اليوم، فالفيدرالي والبنوك المركزية باتت لها خبرة كبيرة بالتعامل مع الأزمات الاقتصادية من أزمات العام 2007 و2008 والأزمة المالية العالمية وغيرها وبالتالي هو قادر على إعطاء دعم للأسواق والاقتصاد بشكل أكبر من الأعوام أعوام الكساد العظيم.
ثانيًا:
ثالثًا: الإنفاق الحكومي ، اللافت أنه في أعوام الكساد العظيم كانت الأولوية بالنسبة للحكومة الأمريكية تخفيض الإنفاق على عكس تماما ما نشهده اليوم، وبالتالي هذا عامل آخر يؤخذ بعين الاعتبار بالإضافة إلى ما يعرف بنضوج الأسواق، اليوم الأسواق العالمية أكثر نضجا من العام 1929م وبالتالي كل المعايير الاقتصادية ومعايير الأسواق تغيرت اليوم بهيكليتها عن فترة الكساد العظيم.
ثالثًا:
بعض المفاهيم الاقتصادية التي علينا معرفتها في أزمة كورونا:
الانكماش الاقتصادي
أول هذه المفاهيم هي الانكماش الاقتصادي الذي يعني الانخفاض المتواصل في أسعار السلع والخدمات في كافة جوانب اقتصاد الدولة. ويحدث لفصلين متتاليين (ستة أشهر) لعدّة أسباب منها الصدمات التي يتلقاها اقتصاد ما بسبب تراجع الطلب الخارجي على منتجاته المحلية، أو تقلّص أعداد السياح الوافدين عليه، أو انخفاض تحويلات أبنائه المقيمين بالخارج. أو بسبب ارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقة المستوردة مثل النفط والغاز. ما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، أو تدني السيولة النقدية المتاحة بسبب عجز البنوك المركزية للدول عن ضخ المزيد من النقود للتداول.
وقد يحدث بسبب اعتماد دولة ما سياسة نقدية انكماشية رغبة في التحكم في الأسعار ومواجهة التضخم، مما ينعكس سلبًا على الائتمان بسبب ارتفاع سعر الفائدة وتناقص السيولة، أي حجم الكتلة النقدية المتداولة، كالانكماش الذي حدث في هونج كونج عام 1997 والانكماش الأيرلندي عام 2009.
الركود الاقتصادي
أما الركود الاقتصادي فيعبّر عن هبوط في النمو الاقتصادي لمنطقة ما أو لسوق معين لمدة ستة أشهر على الأقل أو لربعين متتاليين. ويحدث بسبب أن الإنتاج يفوق الاستهلاك الأمر الذى يؤدى إلى كساد البضائع وانخفاض الأسعار والذي يصعّب بدوره على المنتجين بيع المخزون الذي لديهم. لذلك ينخفض معدل الإنتاج ما يعني فرص عمل أقل وحاجة أقل للأيدي العاملة بالتالي ارتفاع نسبة البطالة؛ لذلك تلجأ الدول للخروج من الركود الاقتصادي من خلال رفع الإنفاق الحكومي الاستهلاكي والذي بدوره ينقل البلاد من ركود اقتصادي إلى حالة نمو، أو من خلال تخفيض الفائدة بواسطة البنك المركزي ما يسمح للأعمال والمصانع بإمكانية تحمل دين أكبر، ويخفف جاذبية التوفير لدى القطاع الخاص ما يرفع نسبة الاستهلاك لديهم فيندفع السوق نحو النمو الاقتصادي. كالركود الياباني عام 1991 والركود العالمي عام 2008.
التضخم
هو الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع بسبب زيادة كمية النقد المتداول في السوق بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة أو العكس، أي إنه ناجم عن زيادة في الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.
ويمكن أن نميز بين تضخم الأسعار ويعني الارتفاع المفرط في الأسعار، وبين تضخم الدخل ويقصد به ارتفاع الدخول النقدية مثل تضخم الأجور وتضخم الأرباح، وبين تضخم التكاليف ويعني ارتفاع التكاليف، ويضاف إلى هذه القائمة التضخم النقدي، أي الإفراط في إصدار العملة النقدية.
العقود الآجلة للنفط
العقود الآجلة -خلاف العقود الفورية- هي عقود يقوم بموجبها المشتري (المستثمر) بشراء النفط من البائع (التاجر أو المنتج) بسعر وكمية محددين، على أن يتم تسليم هذه الكميات من النفط في المستقبل.
فبيع عقود النفط يجري على أساس تسليم شيء في المستقبل، ويتم تداول هذا النوع من العقود في بورصات العقود الآجلة، وهي الطريقة الأكثر شيوعا لشراء وبيع النفط.
وتستخدم هذه العقود لمواجهة مخاطر تقلبات الأسعار، كما تستعمل للمضاربة من أجل تحقيق الربح دون أن يكون المضارب بحاجة إلى شراء أو بيع السلعة بحد ذاتها.
هنا، وعوضا عن شراء النفط وتخزينه وانتظار الوقت المناسب لبيعه من أجل تحقيق الربح يقوم المتداولون بشراء عقد آجل للنفط ثم بيعه قبل انتهاء صلاحيته.
المصادر:
https://www.sasapost.com/economic-lessons-from-history/amp/
https://www.alarabiya.net/ar/amp/aswaq/economy/2020/05/11/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%A3%D8%AA%D9%8A-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AD%D9%82%D8%A7%D9%8B%D8%9F-%D8%AE%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D9%86
https://bawabaa.org/news/306310?amp
https://www.skynewsarabia.com/amp/business/1385729-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B1%D9%87%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%94-%D8%A7%D9%86%D9%83%D9%85%D8%A7%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87
https://www.al-madina.com/ampArticle/688606
https://www.aljazeera.net/amp/news/2020/5/20/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B3-%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9
https://www.bbc.com/arabic/world-53117416
https://blogs.worldbank.org/ar/voices/covid-19-will-leave-lasting-economic-scars-around-world
https://www.cnbcarabia.com/news/view/74767/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AE%D8%AA%D9%84%D9%81-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%9F.html
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1