مسقط-أثير
إعداد: محمد بن علي الوهيبي- كاتب عماني
مرت التغييرات على بعض الأسماء للأماكن القديمة دون مناقشة أو اعتراض إذ كان يجب النظر إلى أسباب ومسببات التسميات، فمن البديهي أن الأسماء التي أطلقها الآباء والأجداد على أماكنهم جاءت بعد تمحيص وتدقيق في جغرافية المكان ودلالاته ومحتوياته، وجاءت لتدعم الاستنتاجات اللغوية والنظرية.
كما أنها وضعت لتسهم في التعريف بالبيئات القديمة ونشاطها البشري عبر الأزمنة، ووضعت لتوجد رابطًا بين القديم والحديث، ولتعرفها وتعيها الأجيال اللاحقة لتستمد منها الطاقة الملهمة لبناء المستقبل.
قبل فترة كنت أتابع أن هناك من كان يحاول تغيير مسمى سيح الحرمل بمدينة روي إلى مسمى سيح الحلو!! وأصارحكم القول بأنه ليس لدي علم هل حدث التغيير أم لم يحدث.
ندرك أن معالم الحياة قد تتغير مع الزمن من حالة المرارة والشدة إلى حال السهولة واليُسر لكن ليس لدرجة إلغاء التاريخ القديم ورميه في سلة المهملات بل يجب أن يبقى باسمه ومعناه لتعرفه الأجيال الحديثة، فأسماء الأماكن تسهم بدور كبير في التعريف بأحوال البيئات القديمة وكيف عاش من سبقهم على هذه الأرض.
سيح الحرمل هو الذي أنشئ به أول مطار في البلاد (المطار القديم) ويوجد بهذا المكان حاليًا العديد من المؤسسات الحكومية والتجارية مثل البنك المركزي والمقار الرئيسية لمعظم البنوك وسوق الأوراق المالية، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وغرفة التجارة والصناعة، وفندق الشيراتون.
وكما نعرف جميعًا فإن نبات الحرمل من مفردات الحياة في جميع سيوح بلادنا، ويعد من النباتات المعمرة، حيث يتأقلم الحرمل مع حر الصيف وجفافه، وله فوائد علاجية كثيرة.
ومن الجانب التاريخي فإن سيح الحرمل وغير بعيد عنه موقع طوي الرولة بالقرب ما يُعرف حاليًا بدوار الحمرية كان هو المكان الذي عسكر فيه الجيش العماني، ومنه انطلقوا لتحرير مسقط من البرتغاليين، وفيه أيضا وقعت معركة بين جيش عمان والفرس أواخر عهد اليعاربة.
وفي غير مكان سبق لي وأن طرحت إشكالية تغيير مسمى قرية الحمة بولاية قريات إلى مسمى العافية اعتقادًا من الذي أشار بالتغيير من مسمى الحمة إلى العافية بأنه سينقل المسمى من العارض الصحي (الحمى) إلى حالة العافية أي التعافي من المرض، وطبعًا هو لم يلتفت إلى الفرق اللغوي بين الحمة والحمى، ولم يلتفت أيضًا إلى وجود عيون المياه الكبريتية الساخنة التي تخرج من بين جبال تلك القرية والتي بسببها أطلق عليها مسمى الحمة من حموة أو سخونة الماء، ويمكن أن تكون هذه القرية بهذه الميزة التي وهبها الخالق لها والمسمّى الذي عُرفت به منذ الأزل أن يكون مقصدًا من المقاصد السياحية والعلاجية.
ومما يؤسف له أن توضع أسماء في كثير من الأحيان بشكل اعتباطي وساذج وتطرح كبديل عن الأسماء العريقة التي وضعها الآباء والأجداد وضبطوها بإشاراتها الصوتية، تلك الأسماء التي استلهمت من جغرافيا المكان ودلالاته ومعطياته، وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل وهذا بدوره يمكنه أن يعمق المعرفة باللغة بحيث يصبح المعنى المقصود واضحًا وجليًا، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار بأن أسماء الأماكن جزء لا يتجزأ من الآثار الباقية، ويستوجب الحفاظ عليها كما نحافظ على الأرض وكما نحافظ على أرواحنا، ولا يمكن بل لا يحق لأي أحد في أزمنة لاحقة بأن يحدث تغيير في أسماء تناقلتها أجيال عبر مراحل زمنية سحيقة تحت أي ذريعة كانت.
وفي هذا السياق يحكى أن أحد الولاة تم تعيينه في إحدى الولايات في بلادنا ولم يعجب الوالي اسم المنطقة التي يقع فيها مقر سكنه فأوعز إلى اللجنة المحلية بالولاية نحو تغيير الاسم لأنه لا يليق أن يقال بأن الوالي يسكن في (…..) وبالفعل تم له ما أراد ولم يدر في خلد هذا الوالي بأنه طارئ على المكان كما أنه موظف حكومي لا يدري كم من السنين يمكث على كرسي هذه الولاية؟! فهو كوالٍ يعينه قرار وينهي خدماته قرار!.
وأشير كذلك إلى أنه حينما تم اكتشاف النفط في الأراضي العمانية في أكتوبر من عام 1964م ، أصدر السلطان سعيد بن تيمور في عام 1968م كلمة مطبوعة عن تاريخ الوضع المالي في السلطنة، وما يؤمل أن يكون عليه في المستقبل بعد تصدير النفط للخارج اجتزأت منها فيما يخص هذه السطور حول رغبة السلطان في ذلك الوقت إلى تغيير مسمى سيح المالح بالقرم إلى سيح الحلو باعتبار أن من هذا السيح الذي يقع فيه ميناء الفحل وبعد تصدير النفط سيتغير حال البلاد وسينقلها إلى حال أفضل وأجمل.
“… والآن والنفط يجري في أنابيبه إلى خزانات ميناء الفحل في سيح المالح ( الذي يحق أن يسمى سيح الحلو) من حقلي ( فهود وناطح ) وما سيتبع ذلك من حقل آخر في منطقة ( جبال) قرب فهود حيث سيندفع إنتاجه متدفقا عبر الأنابيب بإذن الله لينضم إلى ناتج الحقلين السابقين لتزويد الخزانات العامة في “سيح الحلو” حيث يواصل النفط تدفقه مندفعاً إلى الناقلات الراسية في ميناء الفحل استعدادا لشحنه مصدرا إلى الخارج وبذلك تصبح بلادنا العزيزة في عداد الأقطار المصدرة للنفط ولله الحمد…”
ولكن يبدو أن هذا المقترح لم يلقَ القبول واستمر المسمّى السابق سيح المالح إلى وقتنا الحاضر.