خاص – مكتب أثير في تونس
أجرى الحوار: الشّاعر محمّد الهادي الجزيري
خاص – مكتب أثير في تونس
أجرى الحوار: الشّاعر محمّد الهادي الجزيري
حظيَ الدكتور عادل خضر بثقة المؤتمرين الكتّاب يومي 18 و19 مارس 2022 في مؤتمرهم الأخير، وانتخب رئيسا لاتحاد الكتاب التونسيين، وبهذه المناسبة كان لنا معه هذا الحوار الصريح.
1- ثمّة عمل كبير في انتظار الهيئة الجديدة. فماذا عن الخطوط الهامة التي ستولونها العناية؟
اعتمدت الهيئة وثيقة عمل وخارطة طريق استأنسنا بها في تحديد إستراتيجيّة عمل تمتد على مدى ثلاث سنوات. فقد لاحظنا بعد قراءتها أنّ علاقة الاتّحاد بفروعه تحتاج إلى إعادة هيكلة بنيتها الاتّصاليّة. فإن منعت جائحة كورونا عقد الاجتماع السّنوي بين الهيئة المديرة وفروع الاتّحاد فإنّ ذلك يظلّ غير كاف بل دون المطلوب إن كنّا نريد القيام بدورنا الأساسيّ وهو السّموّ بمنزلة الكاتب التّونسيّ. فمن غير المعقول أن لا يكون للاتّحاد موقع ديناميكي يمكّنه من تشييد بنية اتّصاليّة متينة تربط كلّ الفروع بعضها ببعض تمكّن كلّ عضو في الاتّحاد من الاطّلاع على ما يجري في كلّ فرع من أنشطة وأخبار وإنتاجات جديدة.
2- لكلّ رئيس مشروع. فما مشروعك للاتحاد ….حتّى ينهض ويشع عربيا وعالميا؟
الرّئيس عضو في هيئة مديرة. وتمكّنه صفته تلك حسب الفصل 17 من القانون الأساسيّ من تمثيل الهيئة “في جميع الظّروف وتسيير أعمالها وتنفيذ قراراتها. فمشروع الرّئيس هو مشروع هيئة كاملة منتخبة تشتغل بطريقة منسجمة وتفكّر بطريقة تشاركيّة. وإذن مشروع هذه الهيئة الجديدة يستأنف مشروع الهيئة السّابقة ويجتهد في تنفيذه بوسائل عمل وأفكار وتصوّرات أخرى، ولكن الأهداف هي نفسها، أي السّموّ بمنزلة الكاتب التّونسيّ سموّا يمكّنه من الإشعاع محلّيّا قبل كلّ شيء، وعربيّا، ومتوسّطيّا وإفريقيّا وفي شتّى القارّات إن أمكن. يتذمّر الكاتب التّونسيّ دائما من أنّ نصّه مغبون مدرسيّا وجامعيّا. وهو محقّ. وللخروج من دائرة التّذمّر والشّكوى علينا العمل مع جمعيّات ووزارتي التّربيّة والتّعليم العالي على استصدار قانون يكون فيه للنّصّ التّونسيّ نصيب الأسد في الكتب المدرسيّة والبرامج الأدبيّة والبحوث الجامعيّة، على أن توفّر الجمعيّات من جانبها المدوّنة الأدبيّة الّتي تمتلكها وتجهيزها للاستغلال التّعليميّ.
3- ما هو دور الاتّحاد في الرّقيّ بالكاتب التّونسيّ في واقع ما زال لا يعير اهتماما كبيرا للكتابة؟
لا أقول هو دور محوريّ، ولكنّه هو المساند الأوّل لكلّ عمل أو مشروع من شأنه السّموّ بمكانة الكاتب التّونسيّ. وهذا الدّور الّذي يضطلع به الاتّحاد يلزمه به الفصل 3 من القانون الأساسي الّذي تنصّ أهدافه على “الذّود عن حرّيّة الفكر والإبداع والتّعبير، ورعاية أعضاء الاتحاد والمنتسبين إليه بالتعريف بمؤلّفاتهم وتسهيل نشرها وترويجها داخليّا وخارجيّا وتشجيع الكتّاب الشّبّان والمشاركة في المؤتمرات والندوات المحلية والدّوليّة، وتنظيم الملتقيات ودعم الإنتاج التّونسيّ…” إلخ هذا كلّه جميل، ولا أعتقد أنّ الهيئات السّابقة قصّرت في ذلك. ولكن سياق عملها قد اختلف طيلة نصف قرن ونيف. والرّاهن الثّقافي قد تغيّر شكلا ومحتوى: تكاثرت الجمعيّات الثّقافيّة والفكريّة والفنّيّة وكلّها تتنافس للحصول على الدّعم المالي للإنجاز برامجها.
4- انفتاح المبدعين على الجامعة والعكس بالعكس. بأيّ طرق ووسائل؟ ألديك مشروع لتحقيق ذلك؟ خاصّة أنّ العلاقة بين الأكاديميين والمبدعين علاقة مأزومة. والسبب هو أنّ الأكاديميين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الإبداع وحماة له. والحال أنّ الإبداع عمليّة معقّدة تقوم على المغامرة وعدم الخضوع للقوالب التي يحاول الأكادميّون فرضها.
أزمة العلاقة بين المبدعين والأكاديميين التّونسيّين مفتعلة بل وهميّة ولا يروّج لها إلاّ أقليّة من الكتّاب يقتاتون من تغذية ذلك الوهم. لنوضّح الأمور بكلّ موضوعيّة: هات لي كاتبا تونسيّا أعلن أنّه وصيّ على الكتّاب، يأمرهم بفعل كذا وكذا؟ هذا حقّا مضحك. القلق الّذي يساور هذه الأقليّة هو ظهور جيل جديد من المبدعين في الشّعر والقصّة والرّواية درسوا في الجامعة وشرعوا في الإنتاج الأدبي مذ كانوا طلاّبا ثمّ أساتذة. فهل نكمّم أفواههم ونقيّد أقلامهم ونحرمهم من حرّيّة التّفكير والتّعبير ونجرّدهم من حقوقهم الرّوحيّة حتّى نرضي بعض النّفوس العليلة؟ دعك من الجامعيّين: هات لي نصّا واحدا حقيقيّا لكاتب غير أكاديمي في الشّعر أو غيره من مجالات الكتابة وفرض عليه “الأكاديميّون” قوالبهم؟ ما لا يعرفه هؤلاء، وأنّى لهم ذلك، أنّ أولئك الأكاديميّين هم اليوم الّذين يتابعون الإنتاج الأدبي التّونسيّ عن كثب ويتدارسونه في وحدات البحث والمخابر ومشاريع البحث في نطاق رسائل الماجستير والدكتوراة باللّغة العربيّة والفرنسيّة والإسبانيّة، ويعملون على استصدار قانون في وزارتي التّربية والتعليم العالي يشترط في وضع البرامج التّعليميّة نسبة من نصوص الكتّاب التّونسيّين تتجاوز الخمسين في المئة على الأقلّ، علاوة على الجهود الفرديّة الّتي تعمل على ترويج الإنتاج الأدبي بالتّرجمة ونشر الكتب والدّراسات خارج تونس للتّعريف بالأدب التّونسيّ. فماذا قدّم أولئك المناوئون للجامعيّين للأدب التّونسيّ؟
5- هل ترى للاتّحاد من دور في النّهوض بالواقع السّياسي التونسي اليوم؟ وهل يمكن أن يكون طرفا في الحوار الوطني إن قدّر لهذا الحوار أن يكون؟
الاتّحاد ليس بحجم حزب سياسي ولا بحجم منظّمة كاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل، فعدديّا لا يتجاوز عدد المنخرطين الفعليّين 1201 وربّما أكثر، ولكن هذه القلّة تمثّل جزءا لا يستهان به من النّخبة المبدعة المفكّرة المثقّفة في البلاد التّونسيّة، وتمتلك الوسائل الفكريّة والرّوحيّة في تدبير مستقبل البلاد والمساهمة في نحت ملامحه. ولأجل ذلك نرى أنّ إقصاء اتّحاد الكتب بالنّخبة الّتي توجد في كلّ فروعه المنتشرة في أغلب الولايات التّونسيّة من كلّ حوار سواء أكان هذا الحوار سياسيّا أم ثقافيّا أم اجتماعيّا وإبعاده من المشاركة في الملفّات الحارقة الّتي تخصّ الشّأن السّياسيّ العامّ هو ممارسة سياسيّة لا ديمقراطيّة عانى منها مثقّفو تونس قبل الثّورة وبعدها. دور الاتّحاد اليوم، ودور سائر الأطياف الثّقافيّة المفكّرة المبدعة في تونس، هو المساهمة من جهتها في تغيير هذه القواعد البالية، لإرساء دولة وطنيّة حديثة تحترم شعارها الجذّاب الّذي يمثّل أسسها وروح عقدها الاجتماعي: نظام – حرّيّة – عدالة.
6- ألن يشغلك منصبك الجديد على طموحاتك الأكاديمية من بحوث وقراءات نقدية وممارسة حقك في الكتابة؟
في خصوص أنشطتي الأكاديميّة تدريسا وإشرافا وبحثا وتسييرا وخطّتي الجديدة (وليس منصبا لأنّي أقوم بها على نحو تطوّعيّ لا امتيازات فيه سوى شرف خدمة الكاتب التّونسيّ) فذاك هو قوتنا اليوميّ. نذرت حياتي للتّدريس منذ اليوم الأوّل الّذي اخترت فيها الانتماء إلى سلك التّعليم. فأنا أستاذ بالدّرجة الأولى باحث بنفس الدّرجة من الأهميّة مطالب مهنيّا بأن لا أبقى منزويا في برجي العاجيّ، وأن أكون منفتحا على محيطي الاجتماعي والثّقافي، وأن أكون مساهما في رقيّ وطني الحبيب، لا أختلف في ذلك عن أيّ مدرّس مهما كان السّلك الّذي ينتمي إليه. من هذا الجانب لا تضارب بين مسؤولتي التّدريس وإدارة اتّحاد الكتّاب التّونسيّين مع سائر أعضائه.