خاص- أثير
كاتب المقال: الشاعر العربي الكبير أدونيس
نشر الشاعر العربي الكبير أدونيس خلال الفترة الماضية مجموعة من المقالات بصورة حصرية في “أثير”، ونعيد نشرها للقارئ الكريم.
مخطوطات هيّ بن بيّ
الورقة الثالثة
I – المتن
أ.
نعم، لا يعرف الفكر في اللّغة العربيّة
أن يؤمن أو يكفرَ،
إلّا إذا لبس قناعاً.
– متى ستمزّق هذا القناعَ، أيّها الشعر ؟
ب.
غداً، في هذه الحياة التي أعطيت له، هو الزائلُ – أبدياً، أخشى أن يرفضكَ الخبزُ أنت أيضاً، أيها الماء.
وأن يَرفضك الماء أنتَ أيضاً، أيها الخبز.
ج.
هل صحيحٌ، أيها الشعر، أنك ابتكرتَ لقاحاً ابتكر بدوره شجرةً تجمع بين خصائصِ التفاح وخصائص اللُّفّاح ؟
وقيل إنّكَ أغريت العُشّاق بأن يربطَ كلٌّ منهم قلبه بغصنٍ في هذه الشجرة،
وأن يكون الخيطُ واهناً، لكي يقدر أيّ طائرٍ عابرٍ أن يُنَقِّرَ، دونَ حذَرٍ، ودونَ أن يخافَ من أيّ شيء.
د.
مرّةً، رأيت أنا نفسي هذه الشّجرة
تضع رأسها على وسادةٍ
ليست إلّا مخطوطاتٍ خنثويّة.
وكانت قد أرسلت إليّ رسالةً تسألني فيها، إن كنت أعرفُ هَيّ بن بيّ، أو سمعتُ به، أو قرأت له شيئاً.
ه.
« تموَّج، لا تَعُد »: قالت بينيلوب في رسالةٍ سرّيةٍ لِأوديسيوس. وختمتها قائلةً: « لا يليقُ بالسّفينةِ إلا أن تكونَ ريحاً ثانيةً: الرّيحُ لا تعود القَهْقَرى ».
وقيل إنّها رسالةٌ بلعها الموج.
و.
مُتْعبٌ، والنّومُ يشدّني إلى السرير.
حاولتُ أن أكملَ قراءةَ كتابٍ، بدأتها منذ يومين،
لكن سُرعانَ ما شعرت أنّ كلماتهِ طيورٌ تُرفرفُ بين أهدابي،
وأنّ الكتابَ نفسَهُ يتحوّل إلى غابة.
ز.
قل لي أنتَ، أيها الحرف السّابع بين حروف صديقنا أبجد،
ما لونُ الحبر الذي تفضّله، اليوم، لكتابة رسالةٍ عاشقة؟
II. الهامش
يا ساقيَ اليُمنىَ،
تكرّرين، هذه اللّيلة أيضاً، تشنّجاتكِ؟
ليتكِ تنظرينَ إلى وجَعي كيف يستطلعُ كمثل طائرٍ مَذْعورٍ غابةَ الصَّيد،
وها هما عينايَ تمحوان طريقهما إلى اللّيل.
اكتب، اكتبْ يا سريرَ نوميَ، رسالة اعتذارٍ إلى نجمة الصّباح.
*
أخيراً، قَبِلَت تُفّاحة حوّاء أن تتغطّى بالغيم، فيما كانت تعاتبُ الشمس. والمفاجأة هنا هي أنّها رفضت أن تُسمّي ذلك حجاباً.
*
ماذا بعد الوصول إلى الحقيقةِ، على افتراض حصوله؟
أهنالك وراءها ما يمكن البحث عنه، أو تُمكن تسميته؟
-كلّا. لا شَيء هنالك إلا السؤال.
*
إنه منتصف اللّيل،-
اللّيلِ الذي لم يبدأ بعد.
**
ضوءٌ يقرع بابَ غرفتي.
هل أنهضُ؟ لن أنهض لكي أفتح الباب.
أفضّل أن أصغيَ إلى القنديل كيف يُعاتب الزّاويةَ التي أنام فيها.
*
وصل القمر حافياً، هذه اللّيلة،
إلى القرية التي وُلدت فيها.
ربّما لهذا، همسَ في أذنيَّ شبّاكُ غرفتي:
« لا أحبّ أن أنامَ
إلّا في أحضان ياسمينة ».
*
ضَربَةُ حجَر بين القمر والقَدَم: تلك هي المسافة الباقيةُ أمام الحلم لكي يصلَ إلى الواقع.