فضاءات

الشاعر العربي الكبير أدونيس يكتب لـ “أثير”: تباريح

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

خاص- أثير
كاتب المقال: الشاعر العربي الكبير أدونيس


نشر الشاعر العربي الكبير أدونيس خلال الفترة الماضية مجموعة من المقالات بصورة حصرية في “أثير”، ونعيد نشرها للقارئ الكريم.

تباريح

أدونيس

-I-« الصهيونية » و « اللاسامّية »

ناقش « المجلس النيابي الفرنسي » مشروعاً لقانونٍ يقضي بأنّ معاداة الصّهيونية، إنما هي كمعاداة السّاميّة.

يُعدّ هذا المشروع، على الصعيد الفرنسي، شكلاً آخر لإعادة النظر في حقوق الإنسان. ويُعدّ، على الصعيد الإسلامي-العربي، شكلاً آخر لمحو فلسطين على نحوٍ أشدّ عنصريةً مما فعلته السياسة الأميركية في هذا الإطار، لأنه أكثر إيغالاً في العدوان على المبادئ الإنسانية الأساسية.

هكذا يبدو أنّ الرّؤية السياسية الفرنسية-الأميركية تؤسس لمرحلةٍ تاريخية جديدةٍ في العالم الإسلامي-العربي يمكن أن نسمّيها مَرحلةَ استئناف ٍللتكوين في هذه المنطقة « الإبراهيميّة »، وفقاً للرؤية التوراتية للإنسان والعالم. وربّما نجد في ذلك ما يحوّلها، على الصّعيد السّياسيّ-العسكري، بخاصّة، إلى مرحلة استباحةٍ يقودها النظام الأميركيّ: استباحةٌ تتلاقى أصولها الثقافية مع الأصول الثقافية للإبادة.

وهي، عملياً، إنهاءٌ للرؤية الإسلامية، بدءاً من محو البعد الإسلامي-العربي في بلادٍ اسمها فلسطين، ومحو هويّة شعبٍ بكامله هو الشعب الذي عَمَرَ هذه البلاد، وسُمّيَ باسمها.

للمناسبة، تنبغي الإشارة إلى أنّ الفرنسيّ الأول الذي رفض هذا القانون في مقالةٍ عميقةٍ قاطعة، كان كاهناً يهودياً فرنسياً (حاخاماً).

*

*

II– عربة الكون

-١-

إلى ما لا نهاية، يجرُّ الليل عَرَبةَ الكون:
ما أطولَ صبركَ، أيها اللّيل.
ليلٌ –
عَقْليَ فيه يقاتلُ بعضه بعضاً.



-٢-

جمعَ الضوء مراكبه على ضفّةٍ من ضفاف هذا الليل،
وهو، الآن، ينتظر تلك اللّحظة التي ينشرُ فيها الأشرعةَ،-
لكن إلى أين؟


-٣-

« أحلامُكَ نفسها ليست لكَ »:
يقول لي هذا اللّيل.


-٤-

دون كلمةٍ، دون إشارة،
جاءت إليّ أشجارٌ ونباتاتٌ صديقةٌ،
وأخذت تتمرأى في بحيرةِ أحزاني.


-٥-

كانت رؤوس الشّجَر تتموّج ُ
كأنّها تلالٌ صغيرةٌ من الحرير الدمشقيّ،
تتنقّل عليها خطواتُ الهواء.


-٦-

كانت « الثورة الفرنسية » تجلس في مقهى عربيّ الضَّجيج، وتلعبُ نَرْدَ المعنى.
« كُنّا نظنّ أنّ الثّورةَ مَرساةٌ في أفقٍ لا في نَفَقٍ »:
يقولُ روّاد المَقهَى.


-٧-

سمعتُ بعضهم يقول:
« حروبٌ في البلدان الإسلامية العربيّة،-
تاريخٌ لأكداسٍ من ذهبِ العُقولْ،
تجرّها عرباتٌ من سلاسلِ الأرجل ».
وسمعت بعضهم يَصرخ:
وأنتِ أيضاً أيتها المدينةُ التي تعشقها المحيطات،
يَتَتَلمذُ أبناؤكِ على جهاد النكّاح »؟




-٨-

« كلّا،
لا أريدُ أن تخطوَ النجومُ على كتفيّ،
لا أريد أن أشاركَ في تحويل الإنسان نفسه إلى حجابٍ على الإنسان، وعلى العالم »،
كتب لي صديقٌ كان يفضّل الموتَ على الهجرة. غيرَ أنّ الهجرة رفضته، وفتح الموتُ له ذراعيه.



-٩-

نعم، ليس في الحياة الإسلامية العربية اليوم، شيئٌ ملموسٌ ويقينيّ، كمثل شقاء البشر وشقاء تاريخهم.

-١٠-

بَلَى،
يعيش الإنسان في زَوَالٍ دائمٍ
اسمه الأبديّة.


-١١-

أُفقُ الشّرق مُحْدَوْدِبٌ
بالشّموس التي تتحاربُ فيهِ:
(تُشَيِّخُ فيه – تُشَيّخُ فيهِ).


والحياةُ إذا لم تكن جِدَّةً
لا تكونُ سِوَى جَدَّةٍ.


Your Page Title