تاريخ عمان

ماذا تقول نصوص التراث الصيني عن عُمان؟

(حبيب بن مرهون بن سعيد الهادي)

أثير- حبيب بن مرهون الهادي، باحث في التاريخ العماني

عدت عمان إحدى الحضارات الإنسانية الفاعلة والمتفاعلة منذ القدم مع حضارات الشرق والغرب؛ حيث كان لها تواصل مع حضارات وشعوب وأمم في بقاع شتى كحضارة وادي الرافدين ووادي النيل ووادي الهند والسند والصين وشرق إفريقيا وبلاد فارس وجزيرة العرب، ومما يدلل على قدرة العمانيين في عبور أعالي البحار وتحمل الصعاب هو وصولهم إلى أقصى الشرق حيث الحضارة الصينية العريقة وقد دلت المصادر التاريخية المدوّنة باللغة الصينية عن حجم العلاقات التاريخية العمانية بالشرق وخاصة الحضارة الصينية.

عدت عمان

إحدى الحضارات الإنسانية الفاعلة والمتفاعلة منذ القدم مع حضارات الشرق والغرب؛ حيث كان لها تواصل مع حضارات وشعوب وأمم في بقاع شتى كحضارة وادي الرافدين ووادي النيل ووادي الهند والسند والصين وشرق إفريقيا وبلاد فارس وجزيرة العرب، ومما يدلل على قدرة العمانيين في عبور أعالي البحار وتحمل الصعاب هو وصولهم إلى أقصى الشرق حيث الحضارة الصينية العريقة وقد دلت المصادر التاريخية المدونة باللغة الصينية عن حجم العلاقات التاريخية العمانية بالشرق وخاصة الحضارة الصينية.

وقد توسعت علاقة عمان مع الصين شعبيا ورسميا؛ فتشير الحوليات الصينية إلى أن ميناء كانتون الصيني كان يعج بالتجار العمانيين ذهابا وإيابا منذ العصور التاريخية القديمة، وهذا ما حدى بأباطرة الصين إرسال بعثات لتقصي أوضاع المنطقة منذ رحلة (جانج جيان) في ‏القرن الثاني قبل الميلاد التي أُطلق على البلاد العربية ببلاد (تياو- جي) وقد توسعت علاقة عمان مع الصين شعبيا ورسميا؛ فتشير الحوليات الصينية إلى أن ميناء كانتون الصيني كان يعج بالتجار العمانيين ذهابا وإيابا منذ العصور التاريخية القديمة، وهذا ما حدى أباطرة الصين إرسال بعثات لتقصي أوضاع المنطقة منذ رحلة (جانج جيان جانج جيان) في ‏القرن الثاني قبل الميلاد التي أُطلق على البلاد العربية ببلاد (تياو- جي)

وتأسيساً على ذلك فقد بدأت تبرز تلك العلاقات من خلال التبادل التجاري بين الحضارتين منذ ما قبل الميلاد، فالعلاقات العمانية الصينية التجارية قد بدأت فعلا وكما تشير إليها وثائق الحوليات الصينية – التي ترجم بعض نصوصها إلى اللغة العربية- قبل أكثر من ألفي عام فمنذ عهد الإمبراطور تشانغ تشيان (ت: القرن الأول قبل الميلاد) الذي ينتمي لأسرة (هان) سارت مواكب التجار الصينيين ونظرائهم العرب والفرس والهنود على طريق الحرير ذهابا وإيابا، يقول أحد مبعوثي امبراطور الصين عام (97 م) “إنهم اتجهوا غربا من آن – كسى وقطعت مسافة 400 لي حتى وصلت إلى عمان”.

كما يؤكد المؤرخ الصيني (فواين جانغ) في كتابه (مبادئ الشرق) أن اللُبان كان ضمن السلع المستوردة من ظَفار، ويؤكد قيام الفيلة بنقل البضائع إلى السفن في ظَفار، وفي عهد أسرة سونج (960- 1279) قام أحد أفراد هذه الأسرة الملكية بكتابة سجل عرف بـ(سجلات الشعوب الأجنبية) إذ يحوي بيانات مهمة حول المعاملات والعلاقات بين العرب والصينيين وجاء فيه ذكر مدينة ظفار باسم (نو- فا) وذكر عمان باسم ( ونج – مان)، في إشارة واضحة إلى مكانة تجارة اللبان المهمة لدى الحكومات الصينية.

(حبيب بن مرهون بن سعيد الهادي)

وفي الفترة التي سبقت ظهور الإسلام وتحديداً في عهد أسرة آل الجلندى العمانية كانت مدينة دباء عاصمتهم الاقتصادية والسياسية التي شهدت ازدهاراتجارياً كبيراً فقد جاء نص لـلمؤرخ الصيني (لي يو ساي) ذاكرا ذلك المشهد قائلا: “كانت تقام سوق سنوية في بادانيا بمنطقة الخليج تعرض فيها السلع الصينية”، وهذا نص نادر يتحدث عن ميناء عربي في فترة ما يسمى بالعصر الجاهلي وترد فيه إشارة من مؤرخ صيني يؤكد أهمية سوق دبا الذي يعد أحد أسواق العرب المشهورة والتي تقام في رجب وهي أول أسواق عمان في العصر الجاهلي وأشهرها.

وفي الفترة التي سبقت ظهور الإسلام وتحديداً في عهد أسرة آل الجلندى العمانية كانت مدينة دباء عاصمتهم الاقتصادية والسياسية التي شهدت ازدهارا تجارياً كبيراً فقد جاء نص للمؤرخ الصيني (لي يو ساي) ذاكرا ذلك المشهد قائلا: “كانت تقام سوق سنوية في بادانيا بمنطقة الخليج تعرض فيها السلع الصينية”، وهذا نص نادر يتحدث عن ميناء عربي في فترة ما يسمى بالعصر الجاهلي وترد فيه إشارة من مؤرخ صيني يؤكد أهمية سوق دبا الذي يعد أحد أسواق العرب المشهورة والتي تقام في رجب وهي أول أسواق عمان في العصر الجاهلي وأشهرها.

وقد تطرق الجغرافي الصيني (جيا دن)–القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي- إلى معلومات مهمة عن بعض مدن عمان وذلك من خلال أفواه التجار العمانيين فيقول في كتابه (الطريق إلى البلدان الأجنبية عبر البحار إلى كانتون): ” تقع في غرب الطريق البحري الممتد من كانتون إلى بلاد العرب عند الطرف الجنوبي بلاد سان لان” في إشارة إلى اليمن، ثم يواصل الحديث إلى أن يصل إلى صحار قائلا: “وإذا اتجهت شمالا ثم شرقا وتمر عبر بلدان عديدة وتقضي زهاء ستة وثلاثين أو سبعة وثلاثين يوما في الطريق، فأنت قد تصل إلى مو- كسون” وهي مدينة صحار العمانية ثم يتطرق إلى مسار الطريق البحري من صحار إلى العراق ” وإن سافرت من مو- كسون متجها شمالا وقضيت أحد عشر يوما فإنك قد تصل إلى أوبولا” أي إلى الأبلة على مصب شط العرب، واستخلاصا لما سبق في هذا النص تبرز أهمية ميناء صحار خاصة في العصور الإسلامية الأولى مقارنة بالنص الذي تحدث عن ميناء دبا في العصر الجاهلي، وكيفية التحول الثقل التجاري من مدينة دبا إلى مدينة صحار.

ومن أشهر التجار الدعاة العمانيين الذين وصلوا إلى الصين وأوردت كتب التراث الصيني أسماءهم في الوثائق الحكومية خاصة وعند بعض المؤرخين الصينيين: ومن أشهر التجار الدعاة العمانيين الذين وصلوا إلى الصين وأوردت كتب التراث الصيني أسماءهم في الوثائق الحكومية خاصة وعند بعض المؤرخين الصينيين:

– أبو عبيدة عبد الله بن القاسم البسيوي البهلوي العماني: (ت: ق2 هـ)

التاجر والداعية والرحالة الشيخ العماني أبو عبيدة بن عبدالله بن القاسم من أشهر التجار العمانيين الذين كانت لهم علاقات مميزة مع الصين والذي وصل إلى ميناء قوانتشوا بالصين عام (133هـ)، وقد وثقته سجلات أسرة تانج (618- 907م) فيما يسمى بـ(الحوليات الصينية)، ليشتري الصبار والأخشاب، والعود، ويُعدُّ أبو عبيدة عبد الله بن القاسم البسيوي العماني من الأوائل الذين اشتغلوا بالدعوة للإسلام في الصين بدايات القرن الثاني الهجري ، وقد ترك آثارا مهمة في دعوته بالصين من انتشار الدعوة الإسلامية وبنائه لمسجد بمثابة المركز الدعوي ومركز للعبادة، كما تشير المصادر الصينية إلى وجود سجل حكومي باسم “السجل العُماني”، ضمن الحوليات الصينية والذي يعطي بعدا آخر في أهمية الأثر العماني في أروقة الحكومات الصينية التي خصصت له سجلاً خاصاً، وهو يحتوي على أخبار العلاقات التجارية والسياسية الصينية العُمانية، وأشار ذلك السجل إلى أن رحلة أبي عبيدة هي أقدم وأبكر رحلة عربية إلى الصين، وهذا لا يعني أن هي الرحلة الأولى على إطلاقه، إنما هو ما تم توثيقه ووصل إلينا مسجلا ومحفوظا في التراث الصيني، وإلا فهناك وجود عماني تجاري وسياسي أسبق من هذا التاريخ، وهذه أيضا إشارة مهمة إلى أن أبا عبيدة هو رجل دبلوماسي وإلا فكيف تورده الوثائق الصينية بهذا الشكل الواضح، فيشير بعض الباحثين إلى أن أبو عبيدة هو مبعوث وسفير للإمام العماني الجلندى بن مسعود إلى امبراطور الصين.

(حبيب بن مرهون بن سعيد الهادي)

مسجد أبو عبيدة بكانتون

– الشيخ عبدالله الصحاري (ت: القرن 5 هج) :

عاش في عهد أسرة سونج (960- 1127م) وكان يسمى في بلاد الصين وأروقتها الرسمية في تلك الفترة ب”كين ياتيو” قال عنه البروفسور الصيني (ذانج هو) في معرض حديثه عن العلاقات العمانية الصينية ” وأود هنا أن أخص بالذكر تاجراً كان واسع الشهرة من بلادكم في ذلك الوقت” يسمى في بلاد الصين وأروقتها الرسمية في تلك الفترة ب”كين ياتيو” وأنه كان مندوبا رسميا عن صحار حسب تلك الوثائق الصينية عاش لعشرات السنين في ميناء كانتون، فقد جاء في كتاب (سونج هوى ياو) المسمى ب (تاريخ النظم الأساسية الدستورية لأسرة سونج) نصٌ يقول: ” الشيخ عبدالله كان مندوبا عن دو -كسون المنتمي لدا- شي”، أي مندوبا أو سفيرا عن صحار،فكان الشيخ عبدالله رئيس حي الأجانب في كانتون وكان يطلق على حي الأجانب بـ(فان فانج) ويديره ضابط يسمى بـ(رئيس حي الأجانب) ويتم اختيار الرئيس من قبل الحكومة، وشرط تعيينه أن يكون تاجرا ذا سمعة طيبة وخلق كريم، فقد تم منحه من قبل الإمبراطور الصيني لقب جنرال الأخلاق الطيبة،حيث أعجب به إمبراطور أسرة سونج وعينه ضابطا للهجرة، فقد جاء في قرار التعيين الإمبراطوري الذي كتبه الكاتب والسياسي سوشي (ت:1101م) أن الشيخ الصحاري توجه شخصيا إلى عاصمة الصين آنذاك والتي تسمى (كاي – فنج)لكي يقدم مراسم الاحترام للإمبراطور وتسليمه الهدايا، وتفيد السجلات الصينية بأنه وقد تولى منصب رئيس هيئة الشؤون الخارجية في تلك الفترة فمنح الشيخ الصحاري مرتبة “جنرال” وهذه إشارة واضحة إلى أنه كان مبعوثا أو سفيرا رسميا لصحار في الصين، ومن خلال كتاب السجل المختصر الذي كتبه سوزاي (أديب صيني) من عهد أسرة (سونج)، ذكر عن الشيخ الصحاري بأنه يعد من أثرياء كانتون حتى أنه قدم عرضا سخيا للحكومة الصينية بترميم سور مدينة كانتون ، وقد ورد في ذلك نص في كتاب ( تاريخ أسرة سونج) للمؤرخ الصيني سونج شي.

ومن خلال كتاب السجل المختصر الذي كتبه (سوزاي) وهو أديب صيني من عهد أسرة سون، بأن الشيخ عبدالله قضى في مدينة (قوانتشو) عشرات السنين كانت له ممتلكات وافرة حتى لقد بلغ قيمتها عدة ملايين (مين).

- سعيد القلهاتي العُماني:

عينه إمبراطور الصين وزيراً في عهد أسرة (وان) الصينية، حيث إن المصادر تذكر لنا كيف أن الإمبراطور حزن على وفاة سعيد العُماني، وقد أقيمت له جنازة كبيرة ذكرت تلك السجلات تفاصيل كاملة عنها، وأشارت تلك المصادر إلى شخصية عُمانية تُدعى (سعيد العُماني) الذي كان وزيراً لدى أسرة (وان) الصينية.

ويمكن القول بأن التبادل الحضاري العماني الصيني كان ثريا، إذ كانت عُمان وتحديداً جزءها الجنوبي والمُسمى بشحر عُمان هي المصْدَر الأول للُبان والمتجه نحو الشرق والغرب براً وبحراً، ويعد ميناء مرباط على ساحل بحر العرب فرضة ظَفار وقصبتها في فترات تاريخية مختلفة، وقد سماها الصينيون ببلاد) مالو- مو ( Malo Mo )، وقد كان قبل ذلك ميناء سمهرم ذا شهرة عالمية، ولأهمية اللُبان في أوساط الطبقات الحاكمة أصدر الإمبراطور الصيني (تشو كوانغ) عام (979م) مرسوماً أشار فيه إلى أن كل البخور والأدوية وغيرها من السلع الثمينة التي تصل موانئ الصين يجب أن تودع في مخازن الحكومة وأنها تباع فقط بواسطة الحكومة، وهذه إشارة مهمة لاهتمام الحكومة الصينية بالسلعة العمانية الإستراتيجية وهي اللبان، وقد ذكر الرحالة الصيني “تشان جوركوا” “إن أهل عمان والعرب والمسلمين هم الذين يقبضون على ناصية التجارة الدولية في الشرق والغرب” ويقول عن سيطرة العرب على طرق التجارة مع الصين: “إن العرب والمسلمين هم الذين كانوا يقبضون على ناصية التجارة الدولية في الشرق والغرب من أوائل القرن الثامن إلى أوائل القرن السادس عشر الميلادي، فيبحرون بسلعهم من الخليج العربي مروراً بالمحيط الهندي، ومنه إلى الموانئ الصينية التجارية” ، وقد جاء نصاً في كتاب (تانج) الصيني “إن ارسال المبعوثين رسميا من تاشي إلى الصين ولأول مرة كان في سنة (652م)”.

كما وردت نصوص في الحوليات الصينية تتطرق للجانب الملاحي عند العمانيين وما شهدته الملاحة العالمية من نقل لخبراتهم في مناطق مختلفة، حيث ذكر( تشو –يوTchou-Yu ) عام (1119م) قائلا: ” استخدم الملاحون العرب الإبرة المغناطيسية في الملاحة بالبحار الجنوبية“، فقد تحدث النص أن التجارة كانت بأيديهم وأن ميناء كانتون كان يعج بهم وتجارتهم تمتد من الموانئ العربية عبر موانئ سومطرة وصولا إلى الصين ويذكر النص أيضاً عبارة ” عندما يكون الجو صحوا يستدل الربابنة على طريقهم الملاحي ليلا بالنظر إلى النجوم” ويضيف ” عندما تحجب السحب الشمس أثناء النهار ينظرون إلى الإبرة التي تشير إلى الجنوب” وفي هذا النص الصيني الذي تحدث فيه عن التجار العرب والذين يعتقد أن غالبيتهم تجارا عمانيين حيث أشارت المصادر الصينية إلى ذلك في كثير من المواضع.

ماذا تقول نصوص التراث الصيني عن عُمان؟
ماذا تقول نصوص التراث الصيني عن عُمان؟ ماذا تقول نصوص التراث الصيني عن عُمان؟

سفينة شراعية عمانية (جوهرة مسقط)

وفي بدايات القرن الخامس عشر الميلادي وبين عامي (1405- 1433م) أقدمت الصين على إرسال أسطول الصداقة بقيادة البحار الصيني المسلم (تشنغ خه) (الإدمرال شمس الدين حاج) بهدف نشر الدبلوماسية السلمية، وقد كان التبادل بين البلدين في أوج ازدهاره، فقام البحار الصيني بزيارة لعُمان عبر خمس رحلات من أصل سبع رحلات قام بها الأسطول الصيني لمناطق مختلفة في آسيا وإفريقيا، فزار جنوب وغربي آسيا، وسواحل إفريقيا، وتشير الوثائق الصينية إلى أن زياراته كانت لكل من ( مسندم، مسقط، قلهات، صور، رأس الحد، مصيرة، ظَفار).

فقد وصل البحار (تشنغ خه) إلى ظَفار في رحلتيه السادسة والسابعة بين عامي (1421-1425) حيث ورد في كتاب (تاريخ البلدان الأجنبية) لمينج شي أنه في السنة التاسعة عشرة من حكم الإمبراطور (يونج لي) أن حاكم ظفار في تلك الفترة (علي بن عمر الكثيري) أرسل مبعوثا إلى الصين اسمه (علي) لتقديم الهدايا وذلك في عام (1421م) ، وتوضح الوثيقة رقم (1) من كتاب (تهاوي زونج) ص2255، الباب 2332 خبر وصول الوفد الظفاري، وأنه أحضر معه منتجات ظفارية محلية من أهمها الخيول العربية الأصيلة.

وثيقة رقم (1)

وقد رد إمبراطور الصين بزيارة رسمية مماثلة إلى ظفار؛ إذ أرسل مبعوثاً اسمه (تشين هاي) حاملاً للهدايا، وفي عام (1423م) أرسل حاكم ظفار مبعوثا آخر إلى الصين، وحينما عاد الأسطول الصيني من ظفار صحبه مبعوثاً خاصاً من حاكم ظَفار.

Your Page Title