زاوية تربوية

قانون التعليم؛ كيف يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040؟

قانون التعليم؛ كيف يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040؟
قانون التعليم؛ كيف يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040؟ قانون التعليم؛ كيف يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040؟

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

شكّلت رؤية عمان 2040 مرجعية وطنية شاملة لكل السياسات والخطط والبرامج الوطنية المرتبطة بالتعليم ، حيث جاء في أولوية : التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية ، هدف ” نظام ممكّن للقدرات البشرية في قطاع التعليم وهدف ” نظام متكامل ومستقل؛ لحوكمة المنظومة التعليمية وتقييمها وفق المعايير الوطنية والعالمية” ، وبالنظر إلى ما أشارت إليه وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 والجهود القائمة في التعامل مع الأولويات الوطنية، كانت الإشارة إلى أن هناك جهودا حثيثة تبذل في مختلف الأولويات الوطنية سواء كانت على شكل مراسيم سلطانية أو أوامر وتوجيهات سامية أو مبادرات ومشاريع، أو أنظمة وقوانين ، الأمر الذي يمكن اعتبار قانون التعليم أحد مسارات التوجه للوصول إلى تحقيق هذه الأولويات في أبعادها النوعية وكفاءتها المهنية لما يمثله وجود قانون منتج من فرص قادمة في الاستثمار في الرأسمال البشري الوطني ” المعلم والكادر الإداري والطالب وبيئة التعلم” ، بالإضافة إلى أن هذه الأولوية التعليمة لها ما يعزز حضورها في أولوية : “التشريع والقضاء والرقابة ” وهدف” نظام رقابي شامل يحمي المقدّرات الوطنية ويحقق مبادئ المساءلة والمحاسبة ” وعبر بناء ثقافة قانونية بالحقوق والواجبات لدى أفراد المجتمع بشكل عام. وبالتالي فإن هذه الدلالات والمعاني والموجهات العميقة هي ما يستهدفها قانون التعليم، والتوقعات بان تجسيده في عمل المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى، هذا الأمر يـأخذ في الحسبان عاطر التوجيهات والأوامر السامية حول التعليم والتي تضع حوكمة التعليم واقعا عمليا ومسارا تنافسيا يعزز من جهود مؤسسات التعليم في تحقيق الأولويات الأخرى خاصة تلك المتعلقة بالمواطنة والهوية وسوق العمل وبناء المهارات وصناعة القدرات وإنتاج القدوات الوطنية.

وبالتالي جملة الموجهات التي يجب أن يستوعبها قانون التعليم في تحقيق طموحات القائمين عليه ، ورفع درجة الاستحقاق التعليمي، باعتباره عاملا مؤثرا في مسيرة التنمية المستدامة، بما يتضمنه القانون شكلا ومضمونا وقواعد وأحكام، في ظل مرتكزات عمله ومجالاته ومنطلقاته وممكناته والفرص التي يستوعبها والصورة أو النموذج التعليمي الذي يحققه ليسهم بدوره في توفير الحلول والإجراءات العملية والجزاءات والعقوبات والمحفزات والصلاحيات التي تضمن الوصول بالتعليم إلى التنافسية العالمية ، وتحقيق معايير الجودة في بنيته الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى امتلاكه للحلول والخيارات والبدائل للتحديات التي تواجه منظومة التعليم، ويوفر مناخا مبتكرا لتحقيق النوعية والجودة المطلوبة في النظام التعليمي، وبالتالي الأحكام والقواعد والصلاحيات والاستقلالية والقوة النافذة التي يمتلكها القانون في تعامل المخاطبين معه، وحالة التقصير في تطبيقه أو عدم تفعيل أحكامه، وما يترتب على تجاوز حدوده من عقوبات وجزاءات نافذة، الأمر الذي يضمن للقانون الإنتاجية، كما يوفر له الحاكمية والسيادة ونافذية التطبيق، وبالتالي فإن وضوح أحكامه وقواعده ومواده وتوازنها وتكاملها وانتفاء صفة التضارب والتعارض فيها وواقعيتها وتقليل نسبة الاجتهاد المتروك للميدان التعليمي في نوع العقوبات المط\بقة أو الاستثنائية المتاحة للمخاطبين بتنفيذه، سوف يضمن له الفاعلية والالتزام، وتصبح بنوده مسار عمل للجميع، فيكون على مستوى من القوة والرصانة والدقة، وأن يعمل على التوفيق بين مصالح ورغبات التربويين المتباينة والمجتمع بطبيعة الحال، وبما يسهم في التطبيق الصحيح للبرامج والمشاريع التربوية المنفذة وإعادة تقييمها ومستوى كفاءتها في بناء تعلم عالي الجودة، ثم دور القانون في الحفاظ على رأس المال البشري التربوي وتعظيم قيمته المضافة والتسويق له وتوفير البيئة التعليمية الضامنة لبقائه ، لما لذلك من أهمية في إكساب الأفراد المخاطبين بأحكامه هيبة القانون واحترامه وتنفيذ أحكامه، حتى يصبح أداة لتحقيق الجودة في الأداء، والعدالة في الحكم، والمساواة في التنفيذ، وتكافؤ الفرص وحق الطالب في الحصول على تعليم جيد ومهارات حياتية مساندة له، كأحد الواجبات التي يجب أن يحافظ التعليم على وجودها في بيئات التعليم من منطلق أن نجاح القانون وقوته وسيادته وقدرته على تحقيق غاياته والوصول إلى أهدافه لا تعتمد فقط على فاعليته في الجزاء المادي الذي يلحق بالقاعدة القانونية، بل هو وسيلة دعم ومساندة وتغيير لقناعات الأفراد، بأن القانون جاء لصالحهم ، وبالتالي أثر تطبيق أحكامه على علاقاتهم وطبيعة عملهم، وهو ما سيكون له أثره الايجابي في غرس الثقة بالقانون والعمل به، وفي الوقت ذاته قدرته على التأثير في السلوك العام للمعلم والتزامه المهني.
وعليه فإن إسقاط قانون التعليم في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040 ، يأتي من خلال قدرته على ما يأتي:
– يرسخ مبدأ المحاسبية في الأداء المبنية على وضوح المعايير وجودة المؤشرات.
– يؤكد مبدأ الحوكمة الإدارية القائمة على تأكيد قيم الشفافية والوضوح.
– يبرز مفهوما واضحا ومعاصرا للحقوق والواجبات والمسؤوليات، بحيث تأخذ أشكالا مبتكرة، تؤكد أهمية المبادرة، والمكافأة على الإنجاز، وتقدير المجيدين، والأخذ بيد المبدعين، وترسيخ قيم التنافسية المعيارية، وترجمة ذلك إلى واقع عمل مؤسسي يعايشه المعلم في ممارسات الإدارة، وفي بساطة الإجراءات، وفي أسلوب العمل والتعامل، والسلوك العام للمجتمع ونظرته للتعليم.
– يضع معايير واضحة في التعامل مع المكافآت والترقيات والعلاوات وغيرها.
– يركز على إيجاد بيئة عمل مشجعة للعمل المنتج، في سبيل احتضان الكفاءات وتنميتها وتطويرها.
– يرسم آليات واضحة، تلبي متطلبات حملة المؤهلات العليا (الدكتوراة والماجستير) وتوفر الظروف والشروط والبيئة المناسبة لعملهم.
– تبرز مواد القانون مكانة المعلم في المجتمع، وفي تشريعات الدولة وقوانين المؤسسة، وفي طريقة تعامل مؤسسات الدولة المختلفة مع قضايا المعلم.
– يعزز مبادئ الانتماء والولاء الوطني والمهني والمؤسسي، بما يعكس مفهوم الوعي والنظام والرغبة والدافعية لدى المعلم.
– يؤكد نوعية ومستوى المهارات والكفايات التي ينبغي أن يمتلكها المعلم لممارسة دوره ، وفق معايير واضحة وخطط محكمة، من خلال تشخيص واقع ممارساته وربط المسار التدريبي بالمسار المهني والوظيفي.
– يعمل على ضبط السلوك العام والأداء اليومي، بحيث يضع آليات محددة في التعامل مع موضوع الإجازات المرضية والإجازات الاعتيادية والاستثنائية وغيرها.
– يقدم الدعم والمساندة والتطوير للمعلم، ويوفر له من خلال مواده وبنوده الشروط اللازمة لتحقيق نجاحه.
– يعزز مفهوم الحماية الاجتماعية والصحية والأمنية للمعلم والتربوي في مواقع العمل والمسؤولية، وبالتالي توفير ضمانات الحماية النفسية والصحية والبدنية التي قد يتعرض لها في أثناء أداء لمهمته ويحفظ له حقوقه الشخصية والمهنية.
– تشريع واضح للمؤسسات التعليم (التعليم ما قبل المدرسة، والتعليم المدرسي، والجامعات، والكليات والمعاهد والأكاديميات المهنية والمراكز التدريبية)، بما يحافظ على كيانها وهويتها ويحفظ مرافقها ومكوناتها من أي مخاطر واضرار.
– المحافظة على قدسية ومكانة المؤسسة التعليمية من أي ممارسات قد تسيئ إلى التعليم والتعلم، أو تؤثر سلبا في ثقة المجتمع في المؤسسة التعليمية عبر ممارسات تشوه صورة ومكانة هذه المؤسسات أو تقلل من قيمتها وقدرها في فقه المجتمع أو تعريض الطلبة والبيئة التعليمية لأي ممارسات غير مشروعة..









وعليه فإن الطموح المجتمعي لتحسين نوعية التعليم في سلطنة عمان وضمان جودته يدفع بالضرورة نحو الإسراع في اصدار قانون التعليم الذي ينبغي أن تضمن مجالات عملة التطويرية والتحفيزية والتقييمية والتوجيهية والرقابية ، النهج الأمثل لرفع سقف الإنتاجية التعليمية، وضبط السلوك المهني وتعزيز مفهوم المساءلة الإدارية والمحاسبية المبنية على المعايير، ومن جهة أخرى يوفر مناخا مناسبا لبيئة عمل منتجة ومحفزة يجد فيها الممارس التعليمي كل فرص الابداع والابتكار وتحقيق الطموحات، بما يؤصل لثقافة المواطنة والانتماء والحس المهني لدى التربوي والمعلم، إننا بحاجة إلى القانون، وبحاجة أكثر لأن يكون قانون التعليم منتجا واعدا للمستقبل، معبرا عن احتياج مجتمعي وتربوي عام، قانون تلتف حوله الكفاءات والقدرات والقدوات، نابعاً من خصوصية الواقع الثقافي للمجتمع العماني، ومعبرا على طبيعة المرحلة الحضارية والاقتصادية التي تعيشها السلطنة والمفاهيم والمرتكزات المجسدة لها ، للحد من نمو العمليات التعليمية المتكررة والهدر والفاقد التعليمي الذي بات يمثل في قاموس التنافسية، تراجعا في قدرة التعليم على الوفاء بمتطلباته الاجتماعية والاقتصادية ومسؤولياته في بناء الوعي وترسيخ ثقافة المسؤولية في حياة الأجيال القادمة.

Your Page Title