أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
تناولتُ هذا الهرم ساعة وفاته وأسهمتُ في رثائه فهو الدكتور عبد العزيز المقالح علم في رأسه نار ، ولكن وصلني كتاب قيّم ألّفه مجموعة من الأساتذة الأوفياء ..بمناسبة أربعينية المقالح في شهر جانفي 2023 ، وتعرّضوا لحياته ومسيرته الشعرية الأدبية ، وهم أربعة نبلاء جمعوا جلّ ما كُتب عنه خلال تأبينه ..، وقبل ذلك ..قبل الخوض في حصيلة ما وضعوه بين دفتّي كتاب ، نذكر أنهم : عبد الرحمان مراد ، محمد العابد ، جميل مفرّح ، علوان مهدي الجيلاني ، وهم أعضاء اللجنة الفنية لإعداد الكتاب …
يهّمني ما ورد في مقالة عن صحيفة القدس ، يخصّ عادة الكتابة لدى الفقيد ، فلكلّ طقسه ووقته الخاص بالكتابة ، وفي هذا المجال ذِكْر أهمّ خصلة لدى عبد العزيز المقالح :
” على مدى حياته التزم الكتابة بالقلم ، وكان موعده مع الكتابة في الصباح الباكر، واعتاد أن ينهض باكرا كلّ يوم ..مصافحا صنعاء مع إشراقة الشمس الأولى ، وهي المدينة التي أحبّها وأحبته ، والتزم البقاء فيها حتّى توفّاه الله ، اعتياده على الكتابة بالقلم تسبّب له بمشاكل في العمود الفقري ظلّت تتضاعف إلى أن أفقدته القدرة على الحركة في السنوات الأخيرة ”
ثمّة ” بطاقة شخصية لعبد العزيز المقالح ” نُشرت يوم 12 ديسمبر 2022 في صحيفة عمان ، حبّرها الكاتب خالد علي المعمري ، وتعرّض للضيق الذي عاشه الشاعر نفسيا والحرب التي قاسى منها ، والمنفى الذي أحسّ به طول حياته ، وممّا أورد الكاتب مقطع مؤثر من شعره :
” في العتمة
وطني ..وأنا
نسهر
نشكو للريح
نرسم وجه المنفى
نتساقى أكواب الدمع
حين يغالبني السكر
أراني وطني
من منّا الوطن المنفي ؟
من منّا الجرح ؟ ”
أيضا في الكتاب باب للحوارات التي أجراها عبد العزيز مع كتّاب وصحفيين وعبّر عن مشاغله وعن نظرته للشعر وللحياة عموما ، وأقتطع هذه الفقرة من حوار أجراه معه عبد الرحمان مراد ، وقد أجاب عن سؤال تقليدي يهرب منه الشعراء ، وهو عن القصيدة العمودية وظروف تواصلها مع القرّاء :
” في اعتقادي أنّها قادرة على التعبير عن وجدان عدد من الشعراء والمتلقين إلى ما شاء الله من القرون ، وهي لا تحتاج إلى من يفرضها فهي تفرض نفسها ، ويفرضها ما تحمله في ثناياها من أبعاد تاريخية وخلفية تاريخية ”
كما ضمّ هذا المتن الوفائي الرثائي المؤثر ، ما كتبه عبد الرزاق الربيعي تحت عنوان :
” نصّ رثائي في اليوم السابع من وفاة الشاعر اليمني الكبير عبد العزيز المقالح ” ، وفي ما يلي مقطع من هذا الوجع المؤلم :
” لمّا وارت صنعاء
بجَيب الغيمة
مهجتها البيضاء
أسدلت الأنجمُ
في الليل ستائرها
والمدن المنكوبة
سدّت أبواب منازلها
وقباب الله أعارت للصمت
منائرها
واتّشحت بالدمع المنساب
قرى الفقراء
وانكسرت
في الأفق الأضواء ”
وقد قال رئيس وأعضاء اللجنة المكلفة بكتاب الأربعينية ، أن ما وُجد في الكتاب يُعدّ قليلا ممّا قيل وحبّر عن المرحوم ، وما هذا الجهد إلا محاولة لردّ الجميل لرجل كرّس حياته للأدب والمقاومة والشعر والنضال ، وممّا جاء في خاتمة المقدّمة :
” وما سلف ليس كلّ شيء ، فهناك جوانب كثيرة ، تُذكر للمقالح وتُحسب لمشروعه الكبير، وذلك كلّه جعله أيقونة وطنية يقف لها الوطن كلّه إجلالا وتقديرا واحتراما ، وهو ما يفسر الحزن الكبير الذي شعر به الوطن كلّه لرحيله ، برغم ما بلغه من العمر وتدهور حالته الصحية …”
ضمّ الكتاب أرشيف صور للفقيد ، هو ومجموعة رفاق وأصحاب حضروا في مؤتمرات وندوات وفي اجتماعات عدّة ، وقد اخترت من هذه الصور صورتين ، واحدة وهو في صحبة الشاعر الكبير والمفّكر الفذّ أدونيس ورفقة إخوان له ، وثانية يظهر فيه الفقيد في جلسة مع الشاعر الكبير الراحل الفلسطيني محمود درويش ..، رحم الله فقيدنا وجازاه خيرا على ما قدّمه من جهد وبذل ومثابرة في سبيل النهوض بالثقافة العربية ، وخاصة بالقصيدة العربية …