أثيريات

كيف يجب أن تقرأ المدارس متطلبات الفصل الدراسي الثاني؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

بدأ طلبة التعليم المدرسي العودة إلى مدارسهم بعد إجازة نصف السنة، في وسط توقعات بأن تكون تلك الفترة من العام وفي ظل الأجواء الجميلة الباردة وما حظيت به هذا العام من فرص سياحية مناسبة نظرا لتعدد المساحات الترويحية المتاحة في المحافظات، فرصة لأن ينعكس ذلك على تغيير قناعات الطلبة واستدراك الممارسة التعليمية لتوقعاتهم وطموحاتهم، والوصول بها إلى أعلى درجات الالهام والتحقق سواء من خلال ضمان تحقق تحول في الممارسة التعليمة المقدمة في بيئة المدرسية والصف الدراسي ومعالجتها لبعض المنغصات التي واجهها الطلبة في الفصل الدراسي الأول ، مثل: تأخر وصول الكتب الدراسية، وتأخر وصول بعض المعلمين، أو كذلك من خلال ما يظهر من مؤشرات الارتفاع في إجازات الأمومة والوضع، الأمر الذي أوجد حالة تغييرية كبيرة في قدرة الطلبة على التكيف مع الواقع التدريسي نظرا للجوء إلى المعلمات بالأجر اليومي الامر الذي أفقد الطلبة بعض التكاملية في المنهج وعزز الاختلاف في طريقة التدريس أو الأسلوب الذي اعتاد الطلبة عليه من الفاقد التعليمي لبعض الطلبة.

لذلك كان الطموح اليوم والطلبة مقبلون على مدارسهم برغبة وشغف، هو أن تكون المدارس قادرة على مبادلتهم هذه الشعور واحتوائه، وصناعة المحفزات لديمومته واستدامته، بما يضعها أمام جاهزية تامة في استقبال أبناءنا الطلبة، سواء من حيث اكتمال الكادر التدريسي والاداري والفني واكتمال تسليم الطلبة لكتب الفصل الدراسي الثاني؛ بل كذلك أيضا باكتمال البنية الناعمة في المدرسة من خلال تكامل الجهود التعليمية بالمدارس نحو رفع درجة الكفاءة والفاعلية لبرامج التوعية والتثقيف والبناء والرصد والتحليل والتعزيز والحوافز ومعايير الأداء والتوقعات والضبطية الأخلاقية والفرص الترويحية للطلبة بالمدارس، والتي بلا شك أصبحت اليوم لها أهميتها في تحقيق جودة الحياة في البيئة التعليمية، وتشكل أهمية كبيرة في بناء روح التغيير والتجديد في سلوك المتعلم، للقناعة بأنه كلما وجد المتعلم في بيئة المدرسة من المحفّزات والممكّنات وتغيير نمط الممارسة، والتنويع في مسارات التعلم، والتعددية في الطرح الفكري والتدريسي ووضوح الخيارات التعليمية المتاحة للطلبة، واتساع الفرص الابتكارية والتجديدية بل أيضا حصول تحسن في مستوى التغذية المدرسية وترتيب نظام الصفوف والحصص والدخول والخروج وركوب الحافلات وغيرها من قواعد العمل المدرسي؛ كلما كان لذلك أثرة الإيجابي في ايمان مجتمع الطلبة بأن هذه التحولات مساحة أمان لهم ومدد يحتويهم وفرصة لمزيد من الجدية في التغيير التي تبدأ من ذات الطلبة.

وبالتالي ما يلقيه هذا الأمر من أهمية كبرى على الممارسة الصفية بكل تفاصيلها الدقيقة سواء كانت أساليب التدريس وطريقة إدارة الفصل الدراسي والتعايش الفكري في بيئة الصف، وعلاقة الطلبة بالمعلم، وقدرة المعلم على الاحتواء ، وامتلاكه لغة الاقناع والحوار، وتجسيده مبدأ القوة والنموذج، وقدرته على التأثير والعدالة وصناعة الالهام، باعتبارها الحلقة الأقوى في المسألة التعليمية، وكلما استطاعت أن تستوعب تنوع الأفكار وتعدد القناعات واختلاف المشاعر وإدارتها بروح إيجابية، بحيث تتعاظم، وتعيد فيه انتاج الموقف التعليمي بروح التسامح التعليمي والمشاركة الفاعلة وحق التعليم والتعلم وتكافؤ الفرص لدى جميع الطلبة بلا استثناء، وانصهرت فيه أنانية الذات وفوقيتها والتحيزات الفكرية الناتجة عن مشاركة بعض الطلبة دون غيرهم أو استجابة بعضهم السريعة دون الآخرين، الامر الذي قد يجد فيه بعض الممارسين التعليمين الطريق الأيسر والأسهل في استغلال الحصة الدراسية – دون إدراكه للمخاطر الناتجة عن هذه الممارسة – فبدلا من أن يضيع المعلم الوقت – حسب رأيه- على طالب واحد نظرا لتعدد الطلبة في الصف الدراسي في الإجابة عن سؤال من طالب غير مستوعب للطرح أو متجاوب سريعا مع المعلم أو في آخر الصف الدراسي تترك المهمة إلى طالب أو طالبين، الأمر الذي بات يشكل تحديا نفسيّا خطيرا بات يواجه مجتمع الطلبة، وأحد الأسباب في انتشار ظاهرة التنمر التعليمي لدى طلبة المدارس الدراسي.

من هنا تأتي أهمية أن تستدرك الممارسة التعليمية هذه السقطات وتعالجها عبر دور إدارات المدارس في تعزيز روح التغيير في الكادر التدريسي، والوقوف على ردود أفعال الطلبة وتقييمهم لأداء معلميهم في الفصل الدراسي الأول، بحيث يتم معالجته واستدراكه من قبل المعلمين، وتبني سياسات تدريسية قادرة على التنوع والاحتواء والتغيير في الأفكار المطروحة وطريقة تناول الأسئلة أو طرحها أو حتى طرح الواجبات، على أن المسألة الأخيرة المتعلقة بالواجبات البيتية باتت تفرض اليوم مراجعة مقنعة لها، نظرا لما تولد عنها من ارهاصات على الأسرة والأمهات تحديدا، وهو ما جعلنا نطرح في احدى مقالاتنا التساؤل “أولياء الأمور يسألون: من المستهدف من تدريس الحلقة الأولى الأبناء أم الأمهات؟” والذي يرجع إلى عشوائية التكاليف البيتية للطالب التي تفتقر لصفة التراكمية والتكاملية بين المواد الدراسية، وتبقى الإشارة إلى أن قصر الفصل الدراسي الثاني ، وما يتخلله هذا العام من شهر رمضان المبارك وإجازة عيد الفطر، فإن ذلك يلقي على المدرسة اليوم مسؤولية تقنين وضبط هذه الواجبات، حتى لا يشعر الطلبة بالروتين والرتابة اليومية والمشقة الناتجة عن ارتباط الأسرة وصيام الطلبة في الحلقة الأولى وبالتالي مراعاة الطلبة في هذا الجانب وبناء مسار تدريسي توافقي قادر على ضمان قدرة الطلبة على تحقيق تعلم جيد ووفق ممارسة تعليمية تضع الابتكارية والتجديد والتنوع والالهام طريقها في رسم علامة فرقة في حياة الطالب وترسيخ حس التعلم وترغيبه فيه.

أخيرا، تبقى الإشارة إلى أن ما يحمله الفصل الدراسي الثاني من تفاصيل ومواقف ويرافقه من مناسبات أشرنا إلى بعضها ، يدعو المدارس وبيئات التعلم جميعها إلى اتخاذ اجراءات تربوية أكثر اقترابا من قناعات الطلبة وتصحيحا للممارسات المغلوطة أو السلوكيات التي قد تؤثر في جودة تعلم الطلبة، وتبقى عملية انتاج الواقع التدريسي ليتناغم مع جودة التعلم ، ويحافظ على خيوط التواصل التعليمي ممتدة مع الطلبة في ظل ما يتخلل هذه الفترة من شهر رمضان المبارك وإجازة عيد الفطر السعيد وبداية ارتفاع درجات الحرارة كمؤشر لقدوم فصل الصيف، كل ذلك وغيره يؤسس لمفهوم أعمق للجاهزية التعليمية ومراعاة الضرورات، وتنشيط مفهوم الإدارة التعليمية الكفؤة التي تضع في أولوياتها المحافظة على درجة التوازنات حاضرة في حياة الطلبة بين قبول التغيير من جهة والتزام الممارسة التعليمية مسار التعلم القائم على العدالة وتكافؤ الفرص، وأن يستفيد الطلبة من هذه المحطات الايمانية والدينية والاجتماعية لبناء روح المبادئ والثوابت الوطنية والقيم والاخلاقيات المعززة للخيرية والتكامل الاجتماعي ومبدأ الشعور بالآخر، والتي يجب أن تعكسها ممارسات التعليم، نماذج للحياة ومحطة لصناعة القدوة ، فهل ستدرك الممارسة التعليمية مع بدء الفصل الدراسي الثاني هذه المعطيات، وتتجاوب معها بأريحية ووفق مسارات تتسم بالتنوع والقبول والشراكة الحقيقية مع الطلبة، وهل ستضع المديريات التعليمية بالمحافظات هذه المعطيات محددات لها في برامج الزيارات والمتابعات ومحاور التوعية وأجندة اللقاءات مع المدارس، وتجند الدعم لمساعدة الأخيرة في تلافي أي قصور في هذا الشأن ؟.

Your Page Title