أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
هذا النصّ احتفائي ولا علاقة له بالتقديم والاطلاع على تجربة كاتب معيّن، فالفرح الذي يغمرنني بتتويج صديقي المغربي أنيس الرافعي وفوز مجموعته القصصية “سيرك الحيوانات المتوهمة”، بـ “جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية” في دورتها الخامسة 2021-2022، بدولة الكويت، وذلك يوم 6 فبراير 2023، فرح صادر عن كاتب عاصره منذ قرابة ثلاثين سنة وواكب إصداراته وراهن على إبداعه حتّى تحقّق هذا النجاح، وما هو بالمحطة الأخيرة فستليه محطات أخرى وإضافات أخرى، وإذ أحتفي به، أهنئ المبدع الذي فيه بأجمل التبريكات والتهاني، وقد سبق لأثير مشكورة أن نشرت مقالة عن “سيرك الحيوانات المتوهمة” وذلك يوم 11 سبتمبر 2022، وأضيف شيئا آخر، سأطلّ على سيرته القصصية الموسومة بـ “مقبرة الخردوات” إطلالة توفّر للقارئ ذائقة ما عن كتابات هذا الفتى الذي لا يكبر، ولكن قبل كلّ ذلك، أقتطع فقرة من تدوينة نشرها أنيس الرافعي على صفحته تعليقا على فوزه بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية:
هذه سباحة حرّة ضدّ الكلّ والوقت، باتجاه الصمت واسمه الآخر: الموت وإن كان سبب تخبّطه، سباحة ولا بحر، لا شيء سوى كلمات تتشبثّ بتلابيب كلمات، في شطحات أو تأملات أو ملاحظات خطّها أنيس الرافعي على الورق ربّما أو على جسده المحموم، ليقاوم العالم الآخذ لهيئة قاتل بسبق إصرار وترصّد، خطّها في 740 مقطعا وكانت في 13 مفكّرة، لأفكاره وهواجسه ومخاوفه الشخصية ما بين سنوات 1999 و2022، هذا مع الاستعداد للنظر فيها جملة وتفصيلا، في أحقّيتها بالحقّ واليقين، فكأنّه يهدّد القارئ بالتراجع عمّا يعجبه أو يسئ إلى قناعة من قناعاته، خلاصة القول: هذا هو أنيس الرافعي يؤثّث عالمنا بمقبرة خردواته ويراقبنا من مكان ما.
هذا الرجل أعطى للقصة أبعادا جديدة، إذ لم تعد خرافة أو حكاية معقّدة بل صارت هي اللغة الفاتنة التي تذهب بنا (ونحن في أماكننا) إلى عوالم جديدة وأفكار مستنبطة ورقصات لم نجربها من قبل، حقيقة نحن نتبعه بحذر، أمّا هو فموغل في غيّه، ذاهب إلى ما بعد اللغة حيث لا شيء سوى الأنا المتأزمة المتفجرة المتطايرة شررا يكاد أن يحرق الغابة الإنسانية، هذا إن لم يحرق أطرافها بعد.
لكي تفهموا كيفية تفكير هذا المنكبّ على بياض أوراقه، أترككم معه في “عبثية الخلود”:
“حينما نستشعر فلسفيا لا جدوى الكتابة وعبثية فكرة الخلود الأدبيّ ، تبدأ عندنا الكتابة الحقيقية”
كتب أنيس الرافعي في نصّ افتتاحي للسيرة الذاتية، ما أعتبره بيانا للكاتب الحرّ، ووصف حاله بالبطريق الذي يترنّح في مشيته على الأرض ولكنّه يجد قدرته متى وصل بحر الكتابة، وعبّر بشكل حاسم وحازم أنّه لم ولن يندم لحظة واحدة على ما خطّته يده وحبّرته فوق الأوراق من أفكار وهواجس وشطحات، فكلّ ما صدر منه، هو منه، هو بعضه أو كلّه، هو نابع منه ومخلوق منه، إنّه القاصّ المغامر في حقل ألغام وأنغام:
“..لست نادما أو مرعويّا بالمطلق عمّا اقترفته من محاسن أو مثالب في عالم الكتابة الشائك المزروع بالألغام والأنغام، والمحفوف بالعناكب والعنادل، والمثخن بالأسقام والإبراء، والواعد بانكسارات جسيمة وانتصارات ضئيلة، بل لقد سعدتُ دائما بصورة القاصّ – البطريق، الذي يتهادى ويتمايل ويترنّح ويمرح بزعانفه المحدّبة في مشيته الخرقاء المرتجلة اللامبالية على سطح اليابسة، لكن متى وافى البحر جعلته أجنحته المقصوصة غوّاصا ماهرا لا تشقّ له موجة”.