أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
بطلان عريضة الدعوى للتجهيل؛ هو من حالات البطلان الإجرائية التي تصيب إجراءات إقامة الدعوى، وهي تتعلق بالمخالفة للبيانات الإلزامية الواجب توفرها في عريضة الدعوى عند إقامة الدعوى، وهو بطلان كحال باقي حالات البطلان الإجرائية يمكن تصحيحه أثناء سير الدعوى، وهو يمتاز عنها بكونه متعلقًا بالنظام العام القضائي فيكون للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها دون حاجة إلى أن يدفع به أي من طرفي الخصومة.
ونصت المادة (64) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (29/2002) على أنه: “ترفع الدعوى إلى المحكمة بناء على طلب المدعي بصحيفة تودع أمانة سر المحكمة، ويجب أن تشتمل على البيانات الآتية: أ- الاسم الثلاثي للمدعي وقبيلته أو لقبه ومهنته أو وظيفته وموطنه أو محله المختار والاسم الثلاثي لمن يمثله وقبيلته أو لقبه ومهنته أو وظيفته وصفته وموطنه. ب- الاسم الثلاثي للمدعى عليه وقبيلته أو لقبه ومهنته أو وظيفته وصفته وموطنه فإن لم يكن له موطن معلوم فآخر موطن كان له. ج- تاريخ تقديم الصحيفة. د- المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى. هـ- وقائع الدعوى وطلبات المدعي فيها وأسانيدها. و- توقيع المدعي أو من يمثله وذلك بعد التثبت من شخصية كل منهما.”.
ويقابلها نص المادة (10) من قانون الإجراءات الإدارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (91/99) المعدل بالمرسوم السلطاني رقم (35/2022)، تنص على أن: “تقدم عريضة الدعوى إلى أمانة سر المحكمة، ويجب أن تتضمن – بالإضافة إلى البيانات العامة المتعلقة باسم المدعي ومحـل إقامته ومن توجه إليه الدعوى وصفته ومقره أو محل إقامته – موضوع الدعوى وتاريخ التظلم ونتيجته وطلبات المدعي، وله أن يقدم مع العريضة مذكرة يوضح فيها أسانيد دعواه، وعليه أن يودع أمانة السر عددًا كافيًا من صور العريضة والمذكرة وحافظة المستندات”.
وعلى هذا النحو؛ ولمّا كان من المقرر قانونا أن لكل دعوى محلا، وأن لكل دعوى سندا، فإذا افتقرت الدعوى إلى بيان محلها أو سندها فإنها تكون مجهولة الهوية غير معلومة الأصل والمبنى الذي تقوم عليه؛ فلا يتأتى للقاضي استظهار مراد المدعي منها ولا يتسنى للمدعى عليه الدفاع عن ما يوجه إليه دون معرفة المحل وهو الحق المتنازع عليه ولا السند الذي هو الأساس الذي يدعم استحقاق المدعي لما يدعيه، فيكون مآل الدعوى طالما لم يقم المدعي ببيان ذلك أن يحكم فيها ببطلان عريضة الدعوى للتجهيل، ومن المقرر قضاء أنه إذا كانت طلبات المدعي غير محددة أو قابلة للتحديد، بمعنى أن يكون قد أغفل على نحو جسيم يستحيل معه لغة وعقلا ومنطقا على المحكمة أن تحدد على أساس سليم حقيقة ما يستهدفه من دعواه، وما يطلب من المحكمة القضاء به من طلبات، وسنده القانوني في طلبها، فإن طلباته تكون مجهـلة، وتكون دعواه من ثم غير مقبولة، ومن جانب آخر فإن على المدعي حال إقامة دعواه أن يبيّن في عريضتها أسماء الخصوم في الدعوى وصفاتهم؛ وهي إجراءات ضرورية كي ينسب الحق المطالب به إلى مستحقه، ولا يلتبس مع غيره، فضلًا عن أن مقتضى ذلك الحد من تدخل من ليست لهم صفة أو مصلحة في شؤون غيرهم على وجه لا يصح قانونًا، فإذا خلت الدعوى من تحديد موضوع الدعوى والحق المتنازع عليه وتحديد الخصوم وصفاتهم فيها كانت غير ذات موضوع، ويتعين القضاء بعدم صحة انعقادها للجهل بالطلبات أو أسماء الخصوم وصفاتهم بحسب الأحوال.
والتجهيل كما تقدم يمكن تصحيحه حتى قفل باب المرافعة في الدعوى، أي أن يقرر القاضي حجز الدعوى للحكم فهنا يكون قد أقفل باب المرافعة في الدعوى ولا يصح تقديم أي مستند أو مذكرة عقب ذلك، إلا إذا تم فتح باب المرافعة، فيتمكن من المدعي من تصحيح ما قد يكون شاب عريضة دعواه من تجهيل.
وتجدر الإشارة هنا إلى الفرق الحاصل بين طبيعة المنازعة المدنية أو التجارية أو الشرعية أو العمالية، وبين الدعوى الإدارية في التعامل مع حالات التجهيل، فبالنسبة للمنازعات المدنية والتجارية والشرعية والعمالية؛ فدور القاضي فيها سلبي أي إنه لا يتدخل في سير الخصومة ويكون طرفا التقاضي – المدعي والمدعى عليه – هما المسيطرين على توجيه إجراءات الدعوى – إلا التي تدخل في سلطة القاضي -، ففي هذه الحالة لا يلزم قاضي الموضوع أن يقوم بتنبيه الخصوم إلى تصحيح الإجراء المجهل في الدعوى، فيقضي بالبطلان مباشرة ويكون قضاؤه سليمًا، أمّا بالنسبة للدعوى الإدارية فدور القاضي فيها يكون إيجابيًا أي إنه يسيطر على توجيه إجراءات الدعوى ويكون هو المسؤول عن إدارتها، فمتى ما شاب الدعوى تجهيل في طلباتها أو سندها أو إجراءات رفعها فنظرًا لدور القاضي الإداري الإيجابي فيتعيّن بالتالي عليه أن ينبه إلى تصحيح الإجراء الباطل وإلا كان حكمه عرضًة للإلغاء، للإخلال بإجراءات الخصومة في الدعوى.