أثير- عبدالرزّاق الربيعي
قد تكون معرفتنا بالأدب الياباني ضعيفة، قياسا بمعرفتنا بالأدب الأوروبي، والأمريكي، والآداب العالمية الأخرى، ربما لقصور في حركة الترجمة، لذا حين نتكلّم عن الأدب الياباني فلا نوفيه حقّه، فنحن نعرف من الأدب الياباني شعر الهايكو، وعددا من أسماء روائيين يابانيين تُرجمت أعمالهم للعربية نقلا عن الإنجليزية في الغالب كروايات يوكيو مشيما، وهاروكي موراكامي، وحتى جائزة نوبل للآداب لم تنصف الأدب الياباني، فلم ينلها سوى ياسوناري كاواباتا عام ١٩٦٨م، وكينْزابرو أُوئْيه عام ١٩٩٤م وكازو إيشيغورو البريطاني من أصل ياباني عام ٢٠١٧، وبقي اسم موراكامي على لائحة الانتظار، ويكاد أن يكون اسم موراكامي من أقوى المرشحين لنيلها سنويّا، والمعروف عنه أنّه حاليا أكثرُ الروائيين مبيعًا ليس فقط في اليابان، بل في العالم كلّه.
وفي المسرح كثيرا ما نقرأ ونسمع عن مسرح “النو”، ولم نعرف أن نشأته تعود إلى ما قبل سبعة قرون، إلّا في عام 2008م بعد أن تمّ الاعتراف به من قبل منظمة اليونسكو التي أدرجته ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، لعدم تغيّره على مدى القرون، فهو مسرح يعيدنا إلى بدايات ظهور المسرح المعروف بشكله الحديث، عندما خرج من المعابد، وكانت تهيمن عليه الطقوس الدينية، والأناشيد والتراتيل، وقد أتاحت لنا الفعاليات التي نظّمتها المؤسسة الدولية لإيصال الثقافة اليابانية، العام الماضي، احتفاء بمرور 50 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عمان وجمهورية اليابان، فرصة مشاهدة عرضين استضافتهما دار الأوبرا السلطانية مسقط في ميدان دار الفنون الموسيقيّة، وشاهدنا الممثلين يرتدون الأقنعة ويكرّرون ألفاظا، أقرب ما تكون للهمهمات، وهم يؤدون رقصات متوازنة، محسوبة بدقّة، ويتحركون ببطء كأنهم يؤدّون صلوات، وتتخللها مساحات واسعة من الصمت، لا تكسره سوى غمغمات، وإيقاعات موسيقيّة مستلهمة من التراث الياباني تُعزف على آلات تقليدية كالمزمار والطبلة.
خطرت ببالي هذه الأفكار، في لقاء جمعني، مع زملائي في مؤسّسة ” أثير” الإعلاميّة، بالدبلوماسي كناجاوكا كانسوكي مساعد وزير الخارجية الياباني، والمدير العام لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في وزارة الخارجية اليابانية الذي حلّ ضيفا على السلطنة، خلال زيارته لمقر” أثير”، وكان الشأن الثقافي حاضرا، فالطفرة التكنولوجية التي تشهدها اليابان، وأذهلت العالم يوازيها، زخم ثقافي كبير، فقد استندت اليابان في انطلاقتها إلى إرثها الحضاري، الذي أعادت إنتاجه، بالاستعانة إلى العقول الجبارة، المواكبة لتطورات العصر، وعملت على بناء الإنسان، وتنشئته نشأة جعلته يحرص على تطوير الذات، فحقّقت قفزة لفتت أنظار العالم، بدليل أن الضيف والفريق الذي رافقه من دبلوماسيين كانوا يتكلمون العربية بطلاقة، وكان لابدّ أن يبدأ اللقاء بالحديث عن العلاقات التي تربط الثقافة العربيّة باليابان والسلطنة، تحديدا، وهي علاقات قديمة ومتجذّرة ويكفي أن ديوان (قراءة في كتاب الشعر المسكتي العماني) للشاعر سعيد بن مسلم المجيزي، طُبِع لأول مرة عام 1937م بدار الطباعة الإسلامية العربية في مدينة أوساكا باليابان، ووجود هذه الدار دليل على اهتمام اليابانيين بطباعة الكتب العربية والإسلاميّة في ذلك الوقت، وقد تكفّل السلطان تيمور بن فيصل بدفع تكاليف طباعته، بسبب صعوبة الطباعة آنذاك، وارتفاع أسعارها، وقام بكتابة مقدّمة الكتاب، وتأكيدا على عمق تلك العلاقات تزوّج السلطان تيمور بن فيصل من اليابانية “كيوكو أوياما”، كما أشار الإعلامي موسى الفرعي، معزّزا ذلك بعرض فيلم قصير من إنتاج “أثير” واستمرّ الزواج حتى توفيت بمرض السل الرئوي، وكان منتشرا في تلك المرحلة من التاريخ، عن عمر يناهز 29 عاما، وحزن السلطان كثيرا وكانت الوفاة جرت في اليابان، فقدم من مسقط وحضر تشييع جنازتها، ثم عاد إلى مسقط عام 1940م مصطحبا معه ابنته بُثينة والرجوع بها إلى عُمان كي تتربّى فيها، وتلك حكاية أخرى، فبعد قيام الحرب العالمية الثانية، لم تتمكّن بثينة من زيارة بلد أمها، وبعد انتهاء الحرب حالت ظروف الحياة دون ذلك، واستمرّ الحال حتى عام 1978 وكان أول شيء فعلته قيامها بزيارة قبر والدتها، وهي حكاية تستحقّ أن تُكتب عنها رواية، كما رأى الصديق الشاعر عبدالله العريمي، في ذلك اللقاء الذي توّجه الفنان عبدالعزيز المقبالي بلوحة خطّ بها اسم الضيف باللغتين العربيّة واليابانيّة، وبذلك وفّرت حروفه علينا الكثير من الكلام.