أثـيـر – مـحـمـد الـعـريـمـي
في بحثه عن الشهرة والقيادة والثراء السريع؛ سلك شاب عُماني طرقًا خاطئة كان يراها مفروشة بما يُريد، وكل خطوة يخطوها في الطريق تدُرّ له أموالًا طائلة، لكنها في الحقيقة كانت طرقًا مليئة بالأشواك ومفخخة بالآلام تجرّع منها سمومًا لم يُشفَ منها إلا بلذة الإيمان والطاعة التي أحسن الله بهما عليه.
هي قصة أردنا سردها عبر “أثير” لـ “العبرة والعظة”، لشاب ضل طريقه فبدأ بتجارة المخدرات وجرّته للتعاطي فأوصلته للمطاردة أمنيًا وتم التعميم عليه محليًا ودوليًا عن طريق “الإنتربول” حتى كُبِّل بالأصفاد، فكانت ممرات المحكمة والسجن هي الطرق الواقعية، وليست تلك المُعتّقة بأوهام الشهرة والقيادة والثراء التي أبقته حبيس القضبان الحديدية يدفع ثمن خطواته التي جرّته للضلال والهلاك.
“أثير”
“العبرة والعظة”
كان الشاب يبحث عن المال بأي طريقة ليصبح ثريًا؛ فأول خطوة قام بها لتحقيق هدفه -الذي سيعضَّ أصابع الندم عليه فيما بعد- أخذ قرض بنكي ليحصل على سيارة فارهة ومدخول يومي، ورأى أن ذلك القرض لم يكفه ليحقق هدفه، ومن هنا بدأت الحكاية!
ومن هنا بدأت الحكاية!
بدأ الشاب أولى خطواته في الطريق المفروش بالأشواك والمفخخ بالآلام، حيث دخل في تجارة المخدرات واستمر فيها عامًا كاملًا حقق فيه هدفه ماديًا وشعوريًا بمعاونة “الشيطان”، لكن لأن الإدمان ليس في تعاطي المخدرات فقط بل حتى التجارة بها، ولأن الطمع يغلب بني آدم؛ لم يكتفِ الشاب بعد أن جنى أموالًا من هذه التجارة، ليكتشف بعدها أنه أُصيب بإدمان “المال والدخل السريع” والشعور الذي يتسرب إليه بعد إتمام كل صفقة بيع مخدرات.
في أحد الأيام وهو في إحدى الدول المجاورة، وصله اتصال هاتفي من زميله في الساعة التاسعة مساءً أبلغه أن منزله مطوق والجهات الأمنية أمام منزله، وبعد مدة بسيطة تواصل الشاب مع أحد المحامين ليُخبره بتفاصيل القضية، وقرر عدم تسليم نفسه وهو الأمر الذي ندم عليه لاحقًا، وكان بداية تعمق المسألة وانجرافه لمشاكل أكبر وهو يقول: “لو سلمت نفسي قد تكون الأمور أقل وقعًا”.
ذهب المحامي لمعرفة تفاصيل قضيته وأبلغه أن لدى الجهة المعنية الكمية المضبوطة وأنه أصبح مطلوبًا والجهات الأمنية تبحث عنه.
مرّت الأيام إلى أن بُلِّغ يومًا ما من أحد زملائه في الدولة التي كان فيها بوجود تعميم ضده من إدارة مكافحة المخدرات بسبب القضية التي عليه في السلطنة؛ فأصبح الآن مطلوبا دوليًا، فقرر العودة حتى يشعر بالقليل من الطمأنينة، وبالفعل دخل الحدود بطريقة غير قانونية، وبعد وصوله استمر في تجارة المخدرات وجرت أحداث كثيرة كونه جزءًا من عالم المخدرات المليء بالمآسي؛ منها خيانات أصدقاء واعتداء عليه وعلى ممتلكاته من مدمني المخدرات وتُجارها، حتى وصل به الحال أن يرهن نفسه مقابل المخدرات لدى أحدهم حتى يُسلّم كمية لآخر، وتعاطى المخدرات لأول مرة بغرض تجربة الجودة، وتجربة جرّت تجارب وبعدها تعاطى لنشوة الهروب من الواقع حتى أصبح مدمنًا.
أصبح الشاب الآن تاجر مخدرات ومدمنا؛ بل يحوز على سلاح ناري أيضًا، والعيون الأمنية لا تغفل ولا تتهاون للحد من انتشار آفة المخدرات؛ فقد نُفذت ضد هذا الشاب العديد من المداهمات كاد أن يفقد حياته فيها بسبب تهوره وعدم انصياعه، لكن “ليس كلّ مرَّة تسلم الجرّة”؛ ففي أحد الأيام كان الشاب في سكنه برفقة زميله وبحوزته مبالغ ومخدرات وسلاح ناري، وما هي إلا ثوانٍ معدودات حتى كُبِّلت يده بالأصفاد، وتمت حيازة المضبوطات لديه من سلاح ومبالغ مبالية دون العثور على المخدرات فتم اقتياده للجهة الأمنية المعنية.
“ليس كلّ مرَّة تسلم الجرّة”
بعد التحقيق المطول معه وإبلاغه بأن كل شيء موثق بمواد مرئية وهو متلبس بالمخدرات، هنا تبين للشاب أن أحد زملائه كان يثق فيه هو من أبلغ عنه وكشف لهم كل التفاصيل، فمثل أمام القضاء، وتم الحكم عليه أولًا بحكم مطلق، خُفِّض إلى 15 عامًا، وبعد ذلك قدم على طعن لكن لم يحصل على نتيجة، وبعد مرور قرابة الـ 8 أعوام وشهر واحد وهو في السجن والمتبقي من مدة حكمه 7 أعوام، تم الإفراج عنه بعفو.
قضى الشاب حياته في السجن مقتديًا بحديث النبي ﷺ : ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ”، فكان بين العبادة وطلب العلم، وأصبح السجن رحمة بالنسبة له لترك الإدمان وكل شيء عن قناعة تامة، وبعد خروجه منه واجه فئة من الناس تُشجعه وفئة تُحبطه وتحذر الآخرين من مجالسته، لكنه يؤمن بأن الجهات الأمنية لم تدق أبوابه من فراغ، فهو من أخطأ، وضريبة معاملة المجتمع لا يدفعها سوى من جرّ على نفسه ذلك.
كوّن الشاب مبالغ طائلة من تجارة المخدرات، وبعد توبته سأل أحد المشايخ حول كيفية تصريف ما تبقى من “مال الحرام” فنصحه بإعطاء المبالغ لأشخاص لا يعلمهم فقام بذلك، وبعد خروجه دون مال وشهرة، تعرض لضغوطات ماديه من ديون وأمر تنفيذ، لكن لم تراوده فكرة الرجوع لذلك الطريق نهائيًا؛ متمسكًا بلذة الإيمان والطاعة التي أحسن الله بهما عليه ولا يريد أن يفقدهما، وكان نادما أشد الندم على كل “غرام” من المخدرات أدخله إلى بلاده.
أراد الشاب أن يُقدم عبر “أثير” رسالة بعد كل ما مرّ به، قائلًا: “حصلت على الشهرة، وكوّنت المال وكل شيء لم أتوقعه يومًا ما، لكن لم أحصل على السعادة والأمن والاستقرار والطمأنينة إلا في طاعة الله سبحانه وتعالى والرجوع إليه، فمن أراد العزة بالمال والجاه والقيادة لن يلقى إلا الذل كونها أُريدت بمعصية الله، وعند زراعتنا للسوء لا نحصد إلا كل ما هو فاسد، وكما جاء في حديث رسولنا الكريم “من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ ؛ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه وأسخَط عليه الناسَ”.
“أثير”