فضاءات

المكرّم السيد نوح البوسعيدي يكتب عن حوار بين النعمة والنقمة

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

المكرّم السيد نوح بن محمد البوسعيدي، رئيس الجمعية التاريخية العُمانية

تشاكيا وتباكيا وتعاتبا في جلسة مصارحة. النعمة تقول للنقمة، غريب أمر بني آدم، يرسلني الله إليهم لينعموا ويشكروا ويعيشوا بسلام، فيأبوا إلا أن يطردوني وينبذوني ويدعونك أيتها النقمة ويرحبّون بك ويفضّلونك عليّ.

وتضيف النعمة عتبها وتقول، فكم من بلد أرسلني الله لها ففاضت بها الخيرات من أرض خصبة وأنهار جارية ومعادن لا تعّد ولا تحصى وبحار زاخرة، لكنّهم أحلّوا قومهم دار البوار. فقامت بينهم الحروب والتهب الصراع وحمي الوطيس وكثر القتل. ولك في ذلك أمثلة كثيرة آخرها ما حدث في العشر الأواخر من شهر رمضان حينما اشتعلت الفتنة في قوم كانوا مضرب الأمثال في السلام والوئام، تربتها زعفران وأنهارها مسك ولبان وغاباتها جنان. أيتها النقمة بلغيني كيف فضلّوكِ عليّ واستحبوكِ بدلي!

ردّت النقمة بحسرة وندامة مستغفرة الله ومتعجبة من هول ما يحدث، وقالت: نعم أيتها النعمة، إني والله لأعجب من بني البشر كيف يفضّلوني عليكِ ويقدّموني بدلاً منكِ. وإني لأعجب أشد العجب من أقوام كانت أرضهم قاحلة ومياههم غائرة وأسفارهم باعدة، لا يبقى لهم ولد من الأمراض ويلاحقهم الهلاك. فأرسلك الله إليهم فاخضرت بلدانهم وتعاضمت خيراتهم وفاضت حولهم البركات، وأصبحوا في نعيم الله سابحين وفي آلائه منعمين ومنهم الكثيرون ممن شكروا الله على نعمته وأدركوا حقيقته، لكن بعضهم طال بهم الأمد ونسوا ما كان من النكّد!

تدخلت النعمة في الحديث وقالت إنه والله لأمر عجاب، فبعضٍ من هولاء لا يزالون يذكرون نغص عيشة الأجداد وكيف كانوا يأكلون الجراد والآن بعدما غمرتهم النعّم بلا حول منهم ولا قوة نسوا ما كان، فإذا بهم يُبّدلون القمح بالبارود!

تابعت النقمة الحديث وقالت ألم ترين أن شعوباً أسبغ الله عليها بالأمان والسكينة والاطمئنان وكانت مفخرة بين البلدان، يأتيها رزقها كل حين بإذن ربّها الكريم، وبدلاً من العيش بسلام خدعتهم الهتافات والصراخ والشعارات وملأوا الشوارع والطرقات وأقاموا المتاريس ورشقوا الزجاجات وأشعلوا الإطارات وتحزّبوا في مِلل ونِحل وجماعات، وجيّشوا الفرق والمليشيات وأشعلوا الحروب فيما بينهم، فرفع الله عنهم نعمته فكثر بينهم سفك الدماء، فهاهي مدنهم العامرة من آلاف السنين أصبحت كتلاً من الخراب وأكواماً من التراب. خربوا بيوتهم بأيديهم!

تأوهت النعمة وقالت: يرحم الله الأرواح المزهوقة في البحر الأبيض المتوسط الذي بدلاً من أن يكون بحيرة للخيرات والتنمية لما فيه من بركات أصبح مقبرة لشباب الشرق الأوسط الذين يهربون فرادى وجماعات إلى أوروبا، واحسرتاه على القناطير المقنطرة من المعادن والخيرات التي تزخر بها المنطقة فبددها الطمع وقضى عليها الجشع، فانقلبت نقمة على أهلها!

انتهى الحوار وهمّت النعمة والنقمة بالدعاء بأن يرحم الله أهل عمان، أهل السلام الذين طالما نادوا وعملوا وجاهدوا من أجل شرق أوسط آمن متعاون وشعوب متحّابة. ويرحم الله السطان قابوس رمز السلام، وأكّف الدعاء مرفوعة لله أن يمد مولانا السلطان هيثم بمدد من عنده ويؤيده بجند من عنده لتبقى عمان بلدة طيبة آمنة مطمئنة.

Your Page Title