أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتربوية في مجلس الدولة
يأتي الحديث عن دور التعليم في ترسيخ الثقافة الشورية تزامنا مع انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، والدور المعقود على التعليم في ترسيخ الوعي المجتمعي وتعزيز الحس الانتخابي وترقيته في سلوك الناخبين، والصورة التي يقدمها للطلبة حول التطور التاريخي والتشريعي والمحطات الملهمة في تاريخ الشورى العمانية، على أن الإشارة إلى هذا الدور المحوري يأتي تجسيدا للمبادئ الثقافية في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسم السلطاني (6/ 2021) حيث جاء في المادة (16) “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف”؛ فإن للشورى العمانية مبادئ أصيلة تعبر عن قيم المجتمع العماني وتعكس هويته الحضارية، وتجسد نموذج التحول الشامل القائم على توسيع فرص المشاركة الاجتماعية والسياسية للمجتمع العماني.
ومع التحولات التي شهدتها الشورى العمانية والتطوير النوعي الذي رافقها في مسيرتها التنموية على يد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، والتي بدأت مع المجلس الاستشاري للدولة في عام 1981م، ثم مرحلة إنشاء مجلس الشورى في عام 1991م، وتتويجها بإنشاء مجلس عمان، وما رافقها من اكتمال البناء المؤسسي والتشريعي للدولة بإصدار النظام الأساسي للدولة، لتطل علينا الفترة العاشرة لمجلس الشورى ( 2023- 2027) في ثوبها الجديد ورؤيتها المتجددة، وما صاحبها من تطوير وتحديث في شكل العملية الانتخابية ووسائلها وأدواتها وتأصيل فقه الدعاية الانتخابية للمترشحين، فبعد أن كان المواطن يختار ممثليه انتخابا حراً مباشراً عبر صناديق الاقتراع، اتجهت اليوم إلى تحقيق ذلك عبر استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات الالكترونية (تطبيق انتخاب) لتصنع عملية الانتخابات عبر الهواتف الذكية مسارًا نوعيًا متفردًا يقدم أعلى صور الوعي الانتخابي وتعميق دور التقنيات في صناعة الرأي وبناء الراي الآخر لضمان المزيد من السرية والدقة والسرعة والأمانة والمصداقية في الاختيار.
لذلك ظلت الممارسة الشورية حاضرة في النسق التعليمي في مختلف فتراتها وتطوراتها، وأظهر التعليم عبر مناهجه وبرامجه وإستراتيجياته مساحة اهتمام متوازنة بالمسيرة الشوروية في سلطنة عمان، عمقت وعي الطلبة بدور مجلس الشورى التشريعي والرقابي المنبثق من قانون مجلس عمان الصادر بالمرسوم السلطاني (7/ 2021)، والتي يمكن التعبير عنها في جملة المحطات الآتية:
▪ يتزامن العام الدراسي 2023/ 2024، مع انطلاقة الفترة العاشرة لانتخابات مجلس الشورى، مرحلة وطنية عكست عمق الممارسة الشوروية التي جاءت كما أشرنا سلفا في ظل إيمان وطني بأهمية المشاركة المجتمعية وتوسيع قاعدة الشراكة الاجتماعية والاستفادة من كل الفرص والخبرات والتجارب التي تضع المواطن أمام مسؤولية المشاركة في البناء الوطني، سواء دوره كمترشح لعضوية مجلس الشورى ممثلا لولايته، أو كناخب يقدم صوته بكل حيادية ومهنية لمن يمثل ولايته، وبالتالي فإن الصورة التي يقدمها التعليم للطلبة حول هذه الانتخابات والدعاية الانتخابية للمترشحين، والمفاهيم والقيم الشوروية القائمة على الحوار والرأي الآخر ومدلولاتها في الحياة الاجتماعية، سوف تشكل مدخلا لصناعة الوعي الانتخابي وتعظيم دور مجلس الشورى في مستقبل العمل الوطني، واستدامة التنمية للأجيال القادمة.
▪ يمثّل إدماج البعد العالمي والوطني في المناهج الدراسية هدفا مهما لوزارة التربية والتعليم، لكون القضايا العالمية جزءاً من حياة الطلبة، الأمر الذي يستدعي من هؤلاء الطلبة إدراك هذه العلاقة في سبيل الحصول على تعليم كوني يرتبط بالواقع ويستفيد من التحولات العالمية ويحافظ على الهوية والثوابت الوطنية، لذلك عملت على تضمين المناهج الدراسية وبشكل خاص مناهج الدراسات الاجتماعية بالمفاهيم العالمية والوطنية، التي لها علاقة بالسياسة والبرلمان والديمقراطية والتشاركية ومؤسسات الدولة، والحقوق والواجبات، والمواطنة وحقوق الإنسان والسلام والعلاقات الدولية، والتعددية والتسامح، بالإضافة إلى الموضوعات ذات العلاقة بالعمل الشوروي، منطلقة من فلسفة الشورى في سلطنة عمان والمراحل التي مرت بها في إطار الثنائية البرلمانية وعبر إدراجها في محتوى المناهج على شكل دروس وأنشطة وعناوين وأسئلة تقويمية وغيرها.
▪ أعطت فلسفة التعليم المشار إليها في المادة (1) من قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) حضورا للشورى في المحتوى التعليمي، حيث جاء في المبدأ السابع من مبادئ فلسفة التعليم في سلطنة عمان (2017) وتحت عنوان “التربية على مبدأ الشورى”، ما نصه: تهدف أخلاقيات التعليم إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية سليمة، من أجل تكوين مواطن صالح قادر على التعبير والمشاركة الفاعلة، في ظل مجتمع يكفل له العدالة الاجتماعية والمساواة، ويتم تحقيق مبدأ الشورى من خلال الأهداف الآتية: تنمية القدرة على المشاركة بالرأي والنقد البناء؛ وتعزيز مبدا الشورى والحريات المنظمة قانونيا؛ وتشجيع التنوع في أشكال التعبير المتوازن وفق الضوابط الأخلاقية والقانونية، وتنمية التوعية بالثقافة الانتخابية وتعزيزها، وتعزيز الأساليب الحضارية للتعبير الهادف عن الآراء؛ وتعزيز الممارسات المتعلقة بالشورى.
▪ يتأكد دور التعليم في نقل هذه المفاهيم والقيم والموجهات إلى الواقع العملي للطلبة، وتجسيد النموذج الشوروي في البيئة التعليمية، من خلال توظيف المجالس الطلابية في مؤسسات التعليم المدرسي والعالي في تعزيز المفاهيم الشوروية والبرلمانية والرأي والرأي الآخر والشراكة المجتمعية وغيرها كمحطات مهمة في بناء ثقافة شورورية متناغمة مع الأهداف والغايات الوطنية وتجسد مستهدفات رؤية عمان 2040.
▪ أقر قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) في مواده مسؤولية المدارس في ترسيخ هذه الثقافة الشوروية بالطرق المناسبة سواء من خلال إكساب الطلبة قيم المشاركة المجتمعية أو عبر الطالب في ممارسة حقه الانتخابي عبر المجالس الطلابية، حيث جاء في المادة (25) ج- إكساب الطالب قيم العمل والإنتاج والاتقان والمشاركة المجتمعية الفاعلة..” وجاء في المادة ( 44)” تعمل الوزارة –وفقا للضوابط التي تبينها اللائحة– على ضمان حقوق الطالب، ومن بينها: و- المشاركة في تشكيل المجالس الطلابية في القضايا والموضوعات التي تهمهم.
▪ يجسّد النموذج الشوروري في مؤسسات التعليم المدرس والعالي نموذجا مصغرا لفلسفة الشورى في سلطنة عمان، بما أتاحته من فرص مشاركة الطلبة في المجالس الطلابية لطلبة التعليم المدرسي؛ والمجالس الاستشارية لطلبة جامعة السلطان قابوس ومؤسسات التعليم العالي، والتي تعني بإكساب الطلبة مهارات الشورى والمشاركة واحترام الرأي والرأي الآخر والنقد البناء، من خلال استنطاق القيم الشوروية في الحياة التعليمية بما فيها من جملة الفعاليات والأنشطة التعليمية والتثقيفية والإعلامية الموجهة لمجتمع الطلبة، الأمر الذي يتيح لهم فرص البحث والرصد لمهام واختصاصات مجلس الشورى، ومجلس الدولة على حد سواء، والاطلاع على أنشطة العمل البرلماني للمجلسين من خلال أدوار الانعقاد والجلسات العامة والجلسات المشتركة ومشروعات القوانين والدورة التشريعية وغيرها، لتصبح هذه المفاهيم مشبعة في فكر الأجيال القادمة وقناعاتها، وتبرز في ثقافة المترشح لعضوية المجلس أو الناخب، بشكل يتناغم مع فلسفة الحالة اختيار عضو مجلس الشورى الذي يعكس طبيعة المرحلة وحجم الطموحات الوطنية والمجتمعية فيها.
عليه فإن جملة الموجهات التشريعية والتنظيمية والإطارية التي أشرنا إلى بعضها، تمثل اليوم محطات مهمة تنطلق منها أبجديات الممارسة التعليمية في ترسيخ الثقافة الشوروية، وتعظيم فرص الاستفادة من هذا التلاحم الوطني في انتخاب أعضاء مجلس الشورى، في تقديم صورة نموذجية يصنعها التعليم في إطار ترسيخ المبادئ التي انطلقت منها مسيرة مجلس الشورى والمحطات النوعية التي قدمها في مسيرة العمل الوطني وفرص الإنجاز التي ساهم في تحقيقها في إطار اختصاصاته جنبا إلى جنب مع مجلس الدولة في ما يتعلق بمشروعات القوانين والاختصاصات المشتركة بين المجلسين أو تلك الاختصاصات التي يمارسها مجلس الشورى بشكل منفرد في إطار تفعيل الوسائل والأدوات البرلمانية المتاحة لأعضاء مجلس الشورى في أداء صلاحياتهم الرقابية حول مختلف الموضوعات ذات الصلة بعمل الأجهزة التنفيذية بالدولة؛ محطات مهمة تنتجها الذاكرة التعليمية في فقه الطالب وقناعاته، لتجيب عن الكثير من التساؤلات والأفكار والحوارات والقضايا والقناعات والمواقف، في إطار معطيات الدعاية الانتخابية التي يقوم بها المترشحون من مختلف الولايات، مرتكزات في العمل الشوروي الأصيل سيستحضرها الطالب بعد تخرجه من المدرسة والكلية والجامعة أو انخراطه في سوق العمل، ليبني عليها وعيه القادم وتطلعاته نحو المشاركة الانتخابية كمترشح لعضوية مجلس الشورى أو كناخب لمن يمثل ولايته تحت قبة المجلس.