أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات التعليمية والاجتماعية في مجلس الدولة
في مجتمع سلطنة عمان الفتي تشكل نسبة النساء العمانيات نصف عدد العمانيين؛ الأمر الذي يصنع من حضور المرأة في المكون التنموي الاقتصادي والاجتماعي رقما صعبا، وهاجسا مؤسسيا يجب أن يرافقه توفير مقومات تنموية تمكّن المرأة وتستوعبها وتعزز من حضورها في خططها وبرامجها واستراتيجياتها ، لترسم صورة مكبرة للواقع الاجتماعي والتنموي والاقتصادي، وما يستدعيه من استحقاقات قادمة تصنع للمرأة العمانية الريادة والكفاءة والقيادة والإدارة وفرص المشاركة .
لذلك كانت رؤية السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- نحو تعليم المرأة وفتح أبواب العلم والمعرفة لها، مستشرفة هذا التحول واضعة مستقبل عمان في الصورة منذ الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970، ، راسمة معالم التغيير، مدركة لحجم المكوّن النسائي في مسيرة التنمية العمانية- كيف لا وهن شقائق الرجال ، وهي ولعمري المجتمع كله وقد جاء في عاطر النطق السامي ” فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟” ، واستشعارا بأهمية تعليم المرأة وتأثيره الإيجابي على مفاهيم الامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية والاستقرار الزواجي والتربية الوالدية والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والتمكن من إدارة المتغيرات والتعامل مع المعطيات والمستجدات، وصناعة المواطن الانموذج الي يقرأ في دور المرأة مرحلة التوازنات في بناء المجتمع الواعي وتعزيز استدامة التنمية، وتحقيق التحول الشامل في حياة الأجيال ومستقبلهم وطريقتهم في العيش والذي تشكل المرأة أحد أهم أعمدته ، فإن تأصيل العلم النافع والمعرفة السليمة والمهارة النوعية وتعظيم قيم الإنتاجية؛ الطريق لنهضة المجتمعات وقوتها وقدرتها على التغلب على التحديات والمشكلات التي تواجهها.
لقد كانت تلك الدعوة للمرأة العمانية لتشق طريقها إلى مرافئ العلم وأشرعة التنوير والبناء بالانخراط في المدارس وكسب العلم والمعرفة إيذانا بزوال الجهل – العدو الأكبر للنجاح والمؤخر لتنمية الشعوب وتطوير البلدان، مرحلة جديدة أطلت على عمان ، عمادها العلم، وقوامها القيم والمبادئ والثوابت، وغايتها إعادة أمجاد عمان، وسبيلها المحافظة على الإنسان العماني الواعي والمنتج، لضمان تأهيله وتدريبه ليساهم بدوره في مسيرة البناء والتطوير، الامر الذي انعكس ايجابا على استقرار الوطن وحياة المواطن وعيشه، واستطاعت المرأة العمانية أن تكون قدر الثقة التي منحها لها السلطان وأن تثبت جدارتها وتحدد بوصلة اتجاهها، وتؤسس لها حضورا نوعيا في المسيرة التعليمية، فكان التعليم طريقها للمشاركة السياسية والمجتمعية، ووصولها إلى المناصب الإدارية والقيادية، وقدرتها على تعليم أبنائها ورعاية مصالح أسرتها ومجتمعها، ووعيها بالكثير من القضايا والظواهر والظروف والعوامل والمتغيرات التي باتت تؤثر على حياة الناشئة، والتي ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية في مجتمع سلطنة عمان.
ووجدت المرأة العمانية فيما حظيت به من فرص التعليم والتدريب، والعلم والعمل أنها أمام مسؤولية كبيرة في المحافظة على المكتسبات الوطنية والاستحقاقات التي أرادها الوطن لها، وهي استحقاقات اصيلة نابعة من ثوابت الدولة العمانية، وقيم المجتمع وفلسفته ، والمرتكز الديني والقيمي والأخلاقي الذي يعمل فيه، ، كما عكس حجم ما تحظى به المرأة من تقدير القيادة الحكيمة ورعايتها لها، ليشكل الاحتفال بيوم المرأة العمانية ” السابع عشر من أكتوبر” محطة فارقة في مسيرة التنمية العمانية ، وتمكين المرأة اقتصاديا واجتماعي وثقافيا وفكريا للوصول إلى الغايات الكبرى والمهام السامية، وليكون هذا اليوم محطة مراجعة وتقييم لجهود المرأة العمانية وإسهاماتها في مختلف المجالات، وحفزا لها على العطاء والإنتاجية، فنالت بذلك استحقاقات التكريم وتوجت بوسام الوطن، وبذلت المرأة العمانية في سبيل ذلك جهدا ملموسا وعملا متقنا، عزز من ثقة الرجل فيها – شريك المرأة – ومنح المجتمع فرص اكبر لتكاتف أبنائه وبناته من أجل خدمته ورعاية مصالحه، فأبهر صنيعها الرجل، وارتبط إنجازها بحس المسؤولية وروح التغيير، فحافظت على كينونيتها ومبادئها واخلاقها وقيمها من أن تنصهر مع تيارات العالم وتتأثر بنوباته ونكباته أو تضيع في حملات التشويه المغرضة التي باتت تتجه إلى المرأة صانعة الاجيال، وكأن لسان حالها يقول: أنني أنا المرأة في عمان ، روح التغيير النابض، وأمل الوطن الباسم، ومسيرة البناء النافذ، وحس المواطن الصادق، فأنا لأبنائي احتواء، ولوطني قوة، ولمجتمعي قدوة، ولأسرتي عطاء، لا تغيّرني الأحداث، ولن تعطل قدرات الأزمات، ولن تفت من عضدي الهفوات، ولن ترغمني المواقف والأحداث على الانسلاخ من مبادئي أو التقوقع على ذاتي، مبحرة في عباب الحياة وأشرعتها وأمواجها ، متخذة من ديني حصني وملاذي وموطني ومنهجي وطريقي، ولن تؤخرني المطبات عن قبول التحدي واثبات الذات وترك بصمة نجاح يشهد بها العالم، عون لشريكي الرجل في الحياة، وقدوة لأبنائي وبناتي في استقامة الفكر وصلاح السلوك ورقي السيرة، وتوظيف الفرص ، محققة مبدأ التوازن بين استقلالية فكري وقراري، وبين المحافظة على دوري ومهامي ومسؤولياتي نحو ابنائي وأسرتي وزوجي ومجتمعي، واضعه مبادئ وأخلاقي وقيمي طريقي للنجاح ارسم بها مساري للمستقبل واشمر فيها عن ساعد الجد في ميادين العمل وعرصات المنافسة من غير افراط أو تفريط.
على أن حجم التحديات الفكرية والنفسية والأخلاقية والسلوكية والنزوع إلى الشذوذ الجنسي والترويج الاستهلاك للأفكار والمفاهيم المرتبطة به، بمسميات مختلفة، باتت تلقي بضلالها على حياة المجتمع وأمنه واستقراره ، الأمر الذي يضع المرأة باعتباره المستهدف الأكبر من هذه الحملات والأفكار؛ أمام تحديات كبيرة ومسؤوليات عظيمة تتفاعل مع طبيعتها الفطرية ودورها ومسؤولياتها ومبادئها واخلاقها ، لتؤكد بأن هذه التراكمات لن تؤثر عليها، وأن ما اكتسبته من مواقف التعليم وبرامجه واستراتيجياته وجودة محتواه ومن قدمه من معارف وقدرات وقيم ومبادئ واخلاقيات محطة وقائية مهمة تصنع الفارق وتعيد من خلالها قراءة المشهد الاجتماعي بما يحافظ على الهوية الوطنية العمانية ويسمو بها ويضمن لها قوة التأثير ومساحة الاحتواء ، بما يصنع من دور المرأة خيوط ممتدة لتعظيم روح الايمان ومبادئ الدين واخلاقياته وقيمه لتكون متناغمة مع قدرات الناشئة ، وترسيخ الوازع الديني والحصانة الروحية والثقافة الواعية في إطار تحبيب القيم إلى الناشئة وتبسيطها لهم وتجسيدها في سلوك المعلم وبيئة التعلم عبر تكوين النماذج والقدوات وصناعتها في المدارس والجامعات، وهو الامر الذي نثق بان المرأة العمانية اليوم تسعى لتحقيقه في إطار المحافظة على المكتسبات الوطنية ، وتقديم القيم والاخلاق والهوية كممارسات تمشي على الأرض.
ويبقى على المرأة العمانية في ظل ما تحظى به من رعاية واهتمام، من لدن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، أن تصنع من هذه الفرص التنافسية وممكنات القوة ، محطة تحول في مسيرة النهضة المتجددة، واثبات بصمة حضور لها، ليس في المواقع الوظيفية والمهنية وميادين العمل في مؤسسات الجهاز الإداري للدولة والقطاع الخاص ، كوزيرة وعضو مجلس الدولة وعضو مجلس الشورى ووكيلة وسفيرة ورئيسية تنفيذية ومديرة عامة وموظفه ورائدة أعمال وغير ذلك ، فهذه من المسلمات التي عملت النهضة العمانية على مدى ثلاثة وخمسين عاما على تثبيت قواعدها ؛ بل إن الدور المحوري في ذلك يرتبط بمفهوم أعمق للإنتاجية والوعي الحقوقي والتشريعي وترسيخ قيم المواطنة ، وكيف تصنع المرأة العمانية من هذا الموقع الذي وضعته فيها النهضة ، وعندها يصبح قياس هذا الجهد المتحقق للمرأة في الدور الوقائي الشامل بكل تجلياته وتفاصيله الدقيقة، في مواجهة الظواهر والممارسات السلبية التي باتت تشوه صورة المرأة ، في إطار تعزيز الوعي الاسري والاجتماعي، والمحافظة على كيان الاسرة والحياة الزوجية وتعظيم إنتاجية الاسرة وتعميق الحوار الاسري، وتعظيم الوعي الحقوقي وآلية الحصول إلى هذه الحقوق وممارستها، شواهد اثبات على قدرتها على صناعة التغيير وإعادة انتاج ثقافة الواقع وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الناشئة ، وتجسيد القيم وصناعة النماذج والقدوات، وبناء القدرات بالمحافظة على درجة الثبات في المكون الاخلاقي والسلوكي؛… لماجدات عمان في يوم المرأة السنوي كل التقدير والإجلال.