أثير- م. صلاح بن خليفة المقبالي
بيئة الأعمال في القطاع الخاص كما هو مستقر عليه قانونًا بيئة قد لا تستوي فيها كفتا القوة بين أرباب الأعمال والعمال؛ إذ يكون الأول – في أغلب الأحيان – في كفة القوة مقارنة بالعمال الذين يعملون لديهم، وعلى هدي من ذلك كان حريًا حماية لتلك الشريحة وتنظيمًا لبيئة العمل بعيدًا عن المغايرات التي قد تؤدي إلى زعزعة بيئة الاستقرار في هذا القطاع أن يكون هناك قانون واضح ينظم بيئة العمل ويحتكم إليه في حالة الخلاف، وذلك بما لا يمس بسلطان الإرادة بين الأطراف في عقد العمل، فالقاعدة أن عقد العمل يتعيّن أن يكون هو القانون المنظم للعلاقة العمالية بما لا يخل بأحكام القانون إلا في حالة ما إذا رتب شروطًا أفضل للعامل.
ومواكبًة للتطور المطرد في بيئة الأعمال ونشاط العمال فقد برز الاحتياج إلى إصدار قانون جديد ينظم علاقة العمل، والذي به صدر المرسوم السلطاني رقم (53/2023)، وقد تطرق قانون العمل الجديد إلى تنظيم العمل والعقود والالتزامات بين صاحب العمل والعامل من حيث ساعات العمل والإجازات والأجور وتشغيل الأحداث والسلامة والصحة المهنية والنقابات العمالية بأنواعها، بالإضافة إلى الاتحاد العام للعمال وتسوية المنازعات العمالية والعقوبات وأوضح فيه جميع الحقوق والالتزامات الواجبة والمتبادلة بين صاحب العمل والعامل؛ ولا يسع الحديث في هذا المقام عن كل ما حواه القانون من تنظيم، وسيقتصر الحديث هنا على الإجازات التي يستحقها العامل خلال مسيرته المهنية الذي قسمها الى ثلاثة أنواع: الإجازات السنوية، والإجازات المرضية، والإجازات الخاصة بأجر وبدون أجر؛ وفي هذه الزاوية القانونية عبر (أثير) سنتحدث عن كل نوع على حدة. قبل الشروع في ذكر أنواع الإجازات والحديث عنها يجب أن ننبّه إلى عدم الخلط بين الراحة الأسبوعية الواجبة على صاحب العمل تجاه العامل وبين الإجازات بأنواعها المختلفة حيث نصت المادة (٧٧) من قانون العمل الحالي على أنه: “يستحق العامل راحة أسبوعية مدفوعة الأجر لا تقل عن (٢) يومين متتاليين، وفي جميع الأحوال لا يجوز حرمان العامل من حقه في أيام الراحة الأسبوعية بسبب تغيبه عن العمل بعذر أو بدون عذر. ويجوز في الأعمال والمناطق التي يحددها الوزير جمع الراحة الأسبوعية.” أولًا: الإجازة السنوية: – نصت المادة (78) من قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2023م) على أنه: “يستحق العامل إجازة سنوية بأجر شامل لا تقل عن (٣٠) ثلاثين يوما يتمتع بها حسب مقتضيات مصلحة العمل، ولا يجوز له القيام بالإجازة قبل انقضاء (٦) ستة أشهر على الأقل من تاريخ التحاقه بالعمل لدى صاحب العمل، ويحق للعامل الذي لم ينتفع بإجازته السنوية الاحتفاظ برصيد الإجازة بما لا يزيد على (٣٠) ثلاثين يوما ما لم يكن عدم انتفاعه بالإجازة راجعا لمصلحة العمل. ويجوز جمع الإجازات السنوية للعامل حسب المتفق عليه بين الطرفين، ويستحق العامل غير العماني تذكرة سفر ذهابا إلى بلده لقضاء إجازته المتفق عليها في العقد وإيابا إلى مقر عمله.وفي جميع الأحوال، لا يجوز للعامل التنازل عن إجازته، إلا أنه يجوز في الأعمال والقطاعات والفئات التي يصدر بتنظيمها قرار من الوزير، الاستعاضة عن الإجازات السنوية بنظام عمل أصلح للعامل.” ويتضح الفارق في أن القانون القديم وتعديلاته الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35/2003) في المادة (٦١) منه والتي جاء في مضمونها أن للعامل الحق في إجازة سنوية بأجر شامل لا تقل عن ثلاثين يوما ويتمتع العامل بالإجازة حسب مقتضيات مصلحة العمل، ولا يجوز له القيام بالإجازة الاعتيادية قبل انقضاء ستة أشهر على الأقل من تاريخ التحاقه بالعمل لدى صاحب العمل. وللعامل الحق في إجازة طارئة بأجر شامل لمدة ستة أيام طوال السنة لمواجهة أي ظرف طارئ، ويصدر بتنظيم الإجازة الطارئة للعاملين قرار من الوزير، ولا يجوز للعامل التنازل عن إجازته؛ أما القانون الجديد فقد منح العامل إجازة سنوية 30 يوما كاملا بعد انقضاء 6 أشهر فقط من الخدمة مع صاحب العمل، ولكن منح العامل الأجنبي بعض المزايا التي لم تكن في القانون القديم وهي توفير تذكرة طيران ذهاب وإيابا على حساب صاحب العمل؛ وذلك تقديرًا من المشرع إلى الحاجة الحمائية لهذه الفئة من العاملين، وليس النص على عدد أيام الإجازة يحول دون أن يتضمن عقد العمل منح إجازة سنوية أكثر من تلك المحددة بأحكام القانون؛ إذ العبرة دومًا في علاقة العمل بما هو أصلح للعامل فإذا اشتمل العقد على نصوص أفضل فيكون هو الواجب التطبيق. ولا غرو أنه ولئن كان من حيث المبنى والألفاظ ذكر المشرع العماني في القانون القديم وتعديلاته بأن للعامل الحق في إجازة طارئة بأجر شامل لمدة ستة أيام طوال السنة لمواجهة أي ظرف طارئ، ولكن لا نرى ذلك اللفظ في القانون الجديد الصادر بالمرسوم رقم (53/2023)؛ فإنه يتعيّن البيان بأنه بالنسبة لعقود العمل القديمة السارية قبل صدور القانون الجديد فيبقى العمل بها ويحق للعامل أن يتمتع بها، وهي نوع خاص قدّره المشرع، بيد أن الخلاف الفقهي يثور بشأن عقود العمل التي نفذت أو أبرمت في ظل العمل بالقانون الجديد ففيها يدور فلك السؤال حول الإجازة الطارئة، فيقول قائل بأنه بات واضحا أنه تم ضمها تحت مسمى الإجازات الخاصة مدفوعة الأجر الشامل وقد نوعها القانون وعددها بحيث تشمل جميع الظروف التي ممكن أن تطرأ على العامل أثناء عمله لدى صاحب العمل؛ وهذا القول فيه تقييد شديد ولئن كان قد صادف ظاهر النص، إلا أن القول الأصح هو المتأول من النص – من وجهة نظرنا – والتي تًبنى على أن الإجازات الطارئة أضحت حقًا مكتسبًا لا حاجة إلى النص عليها، ويبقى أمر تحديد أيامها خاضعًا لبنود عقد العمل الذي يتعيّن أن يرد فيه هذا النص، ولا إلزام قانوني لإيرادها إذ هي من بديهيات الأمور، وطوارق الزمن لا يمكن توقعها وتحديدها، والنص المحدد للإجازات الخاصة جاء إعلاءً لأنواع محددة من الإجازات فقط. ثانيًا: الإجازات المرضية: نصت المادة (82) من قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2023م) على أنه “يستحق العامل الذي يثبت مرضه إجازة مرضية بما لا يجاوز (١٨٢) مائة واثنين وثمانين يوما في العام، بناء على النسب الآتية من الأجر الشامل: ١ – من اليوم (١) الأول حتى اليوم (٢١) الحادي والعشرين: (١٠٠٪) مائة بالمائة من الأجر. ٢ – من اليوم (٢٢) الثاني والعشرين حتى اليوم (٣٥) الخامس والثلاثين: (٧٥٪) خمسة وسبعون بالمائة من الأجر. ٣ – من اليوم (٣٦) السادس والثلاثين حتى اليوم (٧٠) السبعين: (٥٠٪) خمسون بالمائة من الأجر. ٤ – من اليوم (٧١) الحادي والسبعين حتى اليوم (١٨٢) المائة والاثنين والثمانين: (٣٥٪) خمسة وثلاثون بالمائة من الأجر. كما يحق للعامل المريض أن يستفيد من رصيد إجازاته السنوية إلى جانب ما يستحقه من إجازات مرضية، ويجدر الإشارة هنا إلى أنه يتوجب على العامل إثبات مرضه بموجب شهادة طبية وفي حال عدم الأخذ بهذه الشهادة من قبل صاحب العمل يتم عرض النزاع على اللجنة الطبية للتأكد من صحة مرض العامل من عدمه. ثالثا: الإجازات الخاصة: طبقاً لنص المادة (٨٤) من قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2023م ) التي نصت على أنه يستحق العامل إجازة خاصة بأجر شامل على النحو الآتي: 1 / (7) سبعة أيام إجازة أبوة، بشرط أن يولد الطفل حيا وألا تتجاوز الإجازة اليوم (٩٨) الثامن والتسعين من عمر الطفل. 2/ (٣) ثلاثة أيام في حالة زواجه. ٣/ (3) ثلاثة أيام في حالة وفاة الأب أو الأم أو الجد أو الجدة أو الأخ أو الأخت. ٤ / (2) يومين في حالة وفاة العم أو العمة أو الخال أو الخالة. ٥ /(10)عشرة أيام في حالة وفاة الزوجة أو أحد الأبناء أو البنات. ٦ / (15) خمسة عشر يوما لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام مرة واحدة طوال مدة خدمته، شريطة أن يكون العامل قد أمضى مدة (١) عام متصلة في خدمة صاحب العمل. ٧ / لأداء امتحان دراسي بحد أقصى (١٥) خمسة عشر يوما في العام، وذلك بالنسبة للعامل العماني المنتسب للدراسة في إحدى المدارس أو المعاهد أو الكليات أو الجامعات. ٨ / (130) مائة وثلاثين يوما بالنسبة للعاملة المسلمة في حالة وفاة زوجها و(١٤) أربعة عشر يوما للمرأة غير المسلمة. ٩ / (15) خمسة عشر يوما طوال العام للعامل العماني لمرافقة مريض تربطه به علاقة زوجية أو صلة قرابة حتى الدرجة الثانية. ١٠/ (98) ثمانية وتسعين يوما إجازة وضع للعاملة لتغطية فترة ما قبل وبعد الولادة، ويكون منح العاملة الإجازة لتغطية فترة ما قبل الولادة بتوصية من الجهة الطبية المختصة على ألا تتجاوز مدتها (١٤) أربعة عشر يوما، وتمنح باقي مدة هذه الإجازة من تاريخ الولادة. ويشترط لمنح الإجازات المنصوص عليها في هذه المادة تقديم ما يثبت ذلك. – وكذلك جاء نص المادة (٨٠) من ذات القانون في هذا السياق في ما يخص الإجازة الخاصة في حانب العامل متى طلب من صاحب العمل إجازة خاصة لكن مشروطة أنها دون أجر كالآتي:”يجوز لصاحب العمل منح العامل بناء على طلبه إجازة خاصة بدون أجر على أن يتحمل العامل في هذه الحالة كافة الاشتراكات في صندوق الحماية الاجتماعية متضمنة نسبته ونسبة صاحب العمل والحكومة خلال فترة الإجازة، وتعتبر هذه الإجازة ضمن مدة خدمة العامل ولا يعتد بتلك المدة في حساب مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في المادة (٦١) من هذا القانون.” – إلا أنه أيضا وطبقا لنص المادة (٨٣) التي نصت على أن هناك من الإجازات التي تمنح للعامل لكن بدون أجر وهى كالآتي: “يجوز منح العاملة بناء على طلبها إجازة بدون أجر لرعاية طفلها لمدة لا تتجاوز (١) عاما، على أن تتحمل العاملة في هذه الحالة كافة الاشتراكات في صندوق الحماية الاجتماعية متضمنة نسبتها ونسبة صاحب العمل والحكومة خلال فترة الإجازة، وتعتبر هذه الإجازة ضمن مدة خدمة العاملة ولا يعتد بتلك المدة في حساب مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في المادة (٦١) من هذا القانون.” – وقد يُطرح السؤال الآتي: هل تستحق المرأة العامل أجازة الأمومة بمجرد التحاقها لدى صاحب العمل أم أنه يجب أن تمر عليها فترة من الزمن من التحاقها بالعمل قبل استحقاقها لهذه الإجازة؟ للإجابة عن هذا السؤال نعود إلى أحكام المادة (84) من قانون العمل الجديد، التي لم تحدد فترة يجب أن تقضيها المرأة العاملة في خدمة صاحب العمل قبل أن تستحق إجازة في حال الولادة أو الوضع أي إنها تستحق هذه الإجازة بمجرد ولادتها لمولودها حتى ولو كان ذلك خلال الشهر الأول من العمل لدى صاحب العمل. أما فيما يخص الاختلاف بين القانون الجديد والقديم في إجازات العاملة الحامل فهي كالآتي: من خلال مطالعة الفقرة (10) من نص المادة (84) السابق ذكرها أن القانون الجديد قد راعى اعتبارات الأمومة ورعاية الطفل في فترة ما بعد الولادة للعاملة حيث نصت تلك المادة على أن (98) ثمانية وتسعين يوما إجازة وضع للعاملة لتغطية فترة ما قبل الولادة وبعدها، ويكون منح العاملة الإجازة لتغطية فترة ما قبل الولادة بتوصية من الجهة الطبية المختصة على ألا تتجاوز مدتها (١٤) أربعة عشر يوما، وتمنح باقي مدة هذه الإجازة من تاريخ الولادة. بينما عمل القانون الجديد على تلاشي القصور في عدد أيام إجازة الوضع الممنوحة للعاملة، حيث كان عددها في القانون القديم وتعديلاته في المادة (٨٣) منه التي تنص على أن : تمنح المرأة العاملة إجازة خاصة لتغطية فترة ما قبل وبعد الولادة وذلك لمدة خمسين يوما براتب شامل وبما لا يزيد على ثلاث مرات طوال مدة الخدمة لدى صاحب العمل. – ومن المثير للانتباه أن القانون القديم وتعديلاته قد أشار إلى عدد المرات التي يتم فيها منح العاملة إجازة خاصة بالولادة مدفوعة الأجر وهي ألا يزيد على ثلاث مرات طوال مدة الخدمة لدى صاحب العمل، وبمطالعة القانون الجديد نجد أنه لم يشر إلى ذلك الجانب صراحة لكنه عمد إلى اللوائح الداخلية وقرارات الوزير المختص، وكذلك إلى عقد العمل، وذلك لتنظيم حسن سير العمل. لكن في النهاية ما يلزم العامل هو سقف وغطاء قانوني ينظم له حياته المهنية والعملية حتى يشعر بالأمان في ظل قانون عادل وذلك يدفع العامل إلى بذل المزيد من الجهد والجد والاجتهاد ليكون عمله هو الأمثل دائما وهو الأمثل أيضا على رأس عمله، ويبقى القانون فيما تضمنته نصوصه بالنسبة لصاحب العمل قواعد آمرة لا يجوز له الخروج عنها، وبالنسبة للعامل تشكل الحد الأدنى لحقوقه المكتسبة، فمتى ما تضمن عقد العمل حقوقًا وامتيازات أفضل فتكون حقًا للعامل ولئن كانت بخلاف ما نص عليه القانون، فلا يجوز لصاحب العمل حرمان العامل من حق نص عليه العقد بحجة أن القانون قرر خلاف ذلك الحق.