أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري
مثلما وعدت في سابق مقالاتي ..، سأكتب عن كلّ شيء يمتّ بصلة لهذه الأسيرة من قِبل كيان صهيوني مجرم، هذه الأيقونة المنتصرة أحبّ من أحبّ وكره من كره ، ولو بعد أوقات عسيرة ولو بعد حين ..، إذ ما قال أبو القاسم الشابي:
” إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتجِيبَ القدَرْ
ولا بدّ لليل أن ينْجلي
ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ ”
ولقد اخترت في مقالتي هذه أن أمنح فكرة عن الكوفيّة الفلسطينية ..تاريخها وأسباب انتشارها كرمز للنضال والمقاومة والثبات ..، وهو أضعف إيمان منّي ..ما دمت عاجزا عن فعل شيء إلا الكتابة ..فهكذا تكون الكتابة …
تُعدّ الكوفية رمزاً للنضال ، وقد اكتسبت شهرة واسعة النطاق بفضل كفاح الفدائيين الفلسطينيين والخطاب الشهير للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1974
واللافت أنّ للكوفيّة تاريخ طويل متجذّر في الشرق الأوسط ورمزية سياسية، قبل أن تتحول بدورها إلى أيقونة في عالم الموضة العالمي ..، وقد غابت كلمة “الكوفيّة” عن القواميس العربية القديمة، باستثناء تاج العروس الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، والتي فسّرتْ بأنها شيء يُلبس على الرأس، سُمي بهذا الاسم لأنه ملفوف في الواقع، إن تتبع تاريخ قطعة القماش هذه ليس سهلاً على الإطلاق، ولكن من المعلوم أن الكوفية كانت من بين العناصر المميزة في الزيّ البدوي من أجل حماية الرأس من حرارة الشمس…
قد يكون الوصف الذي قدّمه ماكس فون أوبنهايم في تسعينيات القرن 19، الأكثر دقة، إذ قال: “غطاء الرأس الوطني للعرب البدو هو الكوفية أو الشاشية، وهو عبارة عن نسيج قطني أو حريري للأشخاص المتميزين، تبلغ مساحته حوالي متر مربع، يطوى بشكل مثلث ويوضع على الرأس بحيث يتدلى طرفاه على الجانبين وطرفه الثالث على الظهر، يُثبت هذا القماش على الرأس بواسطة حبل من شعر الماعز، غالباً ما يكون أسود اللون وصلباً بشكل ملحوظ، يلف مرتين حول الرأس….
ارتدى الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الكوفية في جميع المحافل الدولية ما أعطى لها شهرة عالمية، وكان يضع الكوفية بعناية على رأسه، مع وضع الطرف الأطول للنسيج على كتفه الأيمن، في شكل يشابه خريطة فلسطين قبل عام 1948. وساعد منع سلطات الاحتلال للعلم الفلسطيني منذ عام 1967 حتى اتفاقيات أوسلو عام 1993، أن يصبح للكوفية رمزية في التعبير عن الهوية الفلسطينية…
كما ارتدت الكوفية أيضًا الفلسطينية ليلى خالد، وهي عضو في الجناح المسلح في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كحجاب، ساعد ذلك في تغيير النظرة إلى الكوفية التي كانت مرتبطة أكثر بالرجال، وانتشرت صور عديدة لليلى خالد ترتدي فيها الكوفية وتغطي بها شعرها…
من ضمن القراءات لهذا الرمز العالمي ..نرى أنّ تعدّد الدلالات الخاصة بتصميم الكوفية، منها كونها عبارة عن شبكة صيد، أو سنابل القمح المعروف بها مدينة أريحا الفلسطينية، ويشار إلى الخياطة السوداء أحيانًا على أنها تصميم قرص العسل، تقديرًا لمربي العسل في فلسطين، ويرى البعض أحيانًا أنها ترمز للأسلاك الشائكة…، انتشرت الكوفية في جميع أنحاء العالم في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتبنى الطلاب والنشطاء الكوفية كجزء من الحركة المناهضة للحرب، ما جعلها رمز للمقاومة ضد الإمبريالية خلال القرن الماضي، وارتداها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، والزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، وانتشرت الكوفية كثيرًا بين القوى اليسارية بالتحديد…
ونختم هذا التعريف بالكوفيّة بهذه الأسطر الشعرية في عشق هذا الرمز النضالي ..وقد أدّاها المطرب محمد عساف ..وباللهجة الفلسطينية المحبّبة للنفس :
” علّي الكوفيّة علّي ولوّلح فيها وغني عتابا وميجانا وسامر فيها
وهزّ الكتف بحنّية جفرا عتابا ودحيا
خلّي البارود يهلال ويحليها
علّي الكوفية علّي ولولح فيها وغني عتابا وميجانا وسامر فيها “