أثير – سعيد العزري
“أنت شخصيّة استثنائية تميل إلى الهدوء” تحليل قد تحصل عليه من تلك الروابط التي تدّعي تحليل أنماط شخصيتك وهي تكهن افتراضيّ من خلال معرفة تاريخ ميلادك ورقم هاتفك ومعرّف حساباتك عبر مواقع التواصل الاجتماعيّة أو المنطقة التي تسكن فيها. ولكن، تهانينا الحارّة، وقعت في الفخ! الرابط أبعد من مجرّد تحليل لشخصيتك الفذّة، بل هو تحليل لاتجاهات المستخدمين وعمليّة استخباراتيّة بالمقام الأوّل، وكذلك اختراق نافذ إلى بياناتك الخاصة والشخصيّة، والتي يجب (أن تحميها).
كيف يُستفاد من البيانات في الإعلام؟
كثير من التطبيقات تستخدم البيانات لأغراض التسويق ودراسات الرأي العام، وليس غريبًا أنك صادفت منشورًا عن العقارات مثلًا بعد الحديث عنها أو البحث عبر المحرّكات البحثيّة؛ حيث تستخدم تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي شبكة من الخوارزميّات التي تدرس اتجاهك واهتماماتك المختلفة لتظهرها في المقام الأول على الخط الزمني الخاص بك، بالمقابل تمكن المسوقين والقائمين الاتصالين بالمؤسسات من دراسة اتجاهات الجماهيرية نحو منتج محدد أو خدمة لفهم السلوك الاتصالي للأفراد وتوجهاتهم، بما يعزز الخطط التسويقية والاتصال المؤسسي.
ويستفيد منها القائم الاتصالي كذلك بمعرفة جدوى خطته الاتصاليّة، ويقيس مدى التفاعل مما يسهّل عليه إعداد رسائل اتصالية (محتوى) يلائم جمهور المؤسسة، فالمؤسسات الأكاديمية تحتاج لرسائل اتصاليّة تشبع رغبات جمهورها ومتابعيها، والمؤسسات الخدميّة كذلك والتجاريّة، كما أنها تشكّل مخزونًا معلوماتيًا يمكّن القائم الاتصالي بالمؤسسة من التنبؤ بأي أزمة اتصاليّة قد تواجه المؤسسة من خلال تفاعلات الجمهور وتحليل آرائه اتجاه المؤسسة.
بالمقابل؛ تشّكل البيانات مادة بحثيّة لصانعي القرار قبل اتخاذ أي سياسة أو توجيه، فهي تدرس الرأي العام وتوجهاته، وتقيس تفاعله وتقبله لأي تشريع أو قانون قد ينفّذ من خلال ما يسمى (بالون الاختبار). ولا تنحصر مجالات الاستفادة هكذا، فهي مادة مُثرية للمترشحين السياسيين، لفهم اتجاهات الجمهور وصياغة خطاب انتخابّي يواكب تطلعاتهم ويجذب انتباههم، وتتحدد منها النهج العام للخطاب عاطفيًا أو موضوعيًا كان.
البيانات سلاح “أبيض”
تعطي البيانات نظرة عامّة وتفصيليّة لحقائق كثيرة، يستفاد منها في البحث وبناء القرارات، بالمقابل، هي مادة مميزة للاستخبارات؛ حيث إنها تدرس آراء الأفراد في الدولة (س) وتمكنهم من صياغة محتوى موجّه مستفز للجمهور ليحرّك اتجاهاتهم أمام قضيّة معيّنة. ولا يكتفى بذلك، بل تستخدم الخطابات الإعلاميّة المضمنة لرسائل اتصالية تخدم اجندتها لتحريك الرأي العام في الدولة المستهدفة وتعزيز مشاعرهم وبناء صورة ذهنيّة لقرارات أخرى، كتمهيد الجمهور لأفكار مثل “التطبيع”.
ما يحصل: تقوم مخابرات الدولة (س) بنشر روابط يمكنها أن تصل إلى بيانات الأفراد بشكل مباشر لتأخذ نظرة شموليّة عن توجهاتهم، وبياناتهم الشخصيّة، لتبني خطط إعلامية في كيفية التعامل مع جمهور البلاد (ص) وبناء مفاهيم في ذهنه مستغلة أذرعها الإعلاميّة في مواقع التواصل الاجتماعيّة ووسائل الإعلام التقليدية، لتتشكل بعد ذلك الاتجاهات مغروسة ثقافيًا على مدى طويل وبعيد.
ويستخدمها (المخترقون) للتمهيد لعملياتهم، فمن خلال تاريخ ميلادك يتسنى لهم معرفة متى تتطلب بياناتك البنكيّة أو المدنيّة للتحديث، ليتصلوا مدّعين بأنهم مندوبي خدمة العملاء لتحديث البيانات. وتمكنهم كذلك من بناء صورة شموليّة يفهم من خلالها المخترق ما يهمّك ويروق لك متابعته والمواقع التي تتردد عليها باستمرار ليتسنى له الوصول لأي ثغرة أمنيّة في جهازك ويحصل من خلالها على البيانات المختلفة كالبنكيّة وأرقام جهات الاتصال لينتقل إلى ضحيّة أخرى.
روابط الشخصيّة “الفضفاضة”
أجمل لحظة عند المخترق، أن يدخل لهاتفك أو جهازك الخاص من خلال ثغرة أمنيّة سعيت لها بقدميك، فالرابط الذي تدخله ليقرأ شخصيتك من خلال الإجابة على أسئلة شخصيّة تمكنه من بناء خطط مُثلى للتعامل معك، بل إنها تمكنه من الدخول إلى جهازك من أوسع الأبواب على هيئة شاعريّة فضفاضة يحب كثيرون الاستماع لها وقرائتها، ومن لا يحب صفات الشخصيّة المتفرّدة؟
وبالمنطق العقليّ: ماهي البرمجيات والمدخلات التي تجتمع لتشكل صفة محددة، هي إجابات لأسئلة شخصيّة جدًا، ما الغاية منها؟ حتمًا لن تكون تسلية ومجرّد ابتسامة وتضييع وقت، بل هو جمع البيانات والوصول لأعماق جهازك.
بعد هذا: اذهب وسجّل بياناتك وبع خصوصيتك!