مسقط-أثير
إعداد: سيف بن علي العجمي، باحث قانوني بجامعة السلطان قابوس.
كثيرًا ما يتكرر على مسامعنا اسم مجلس الأمن كلما طرأت أزمة سياسية عصفت باستقرار الأمن والسلم على المستوى الدولي، ولعل آخرها العدوان الإسرائيلي الواقع على قطاع غزة. فما هو مجلس الأمن؟ وما اختصاصاته؟ وهل له دور فعال في المحافظة على استقرار الأمن والسلم الدوليين على أرض الواقع؟
يهدف هذا المقال عبر “أثير” إلى التعريف بمجلس الأمن واختصاصاته ومدى فاعليته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين في أرض الواقع، من خلال التطرق للعدوان الإسرائيلي الواقع على قطاع غزة كمثال رئيسي.
التعريف بمجلس الأمن
يعرف مجلس الأمن بأنه: “أحد أجهزة منظمة الأمم المتحدة والمسؤول عن حفظ الأمن والسلم الدوليين”، وقد تم تأسيسه تزامنًا مع تأسيس منظمة الأمم المتحدة في عام 1945م على أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد حرصت الدول الخمس المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على السيطرة على صياغة ميثاق الأمم المتحدة بما فيه من بنود متعلقة بإنشاء مجلس الأمن وتنظيمه، وقد انعكس ذلك جليًا من خلال منح هذه الدول لنفسها مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، بالإضافة إلى حق النقض (الفيتو)، وهو ما يجعل من المستحيل من الناحية العملية صدور أي قرار من المجلس ضد واحدة من هذه الدول. ويتألف مجلس الأمن من 15 دولة، خمس منها دول دائمة العضوية وهي كما أسلفنا الدول الخمس المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي -روسيا حاليًا-، الصين، المملكة المتحدة، وفرنسا)، وأما الدول العشر الباقية، فيُصَوَّت لعضويتها في المجلس من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعد هذه الدول العشر غير دائمة العضوية؛ نظرًا لأن عضويتها محددة بمدة زمنية وهي سنتان، ولا يجوز انتخاب العضو المنتهية ولايته بطريقة مباشرة. والجدير بالذكر بأنه تم انتخاب سلطنة عمان كعضو غير دائم في مجلس الأمن في الفترة بين عامي 2021 – 2022م.
التعريف بمجلس الأمن
اختصاصات مجلس الأمن
نظرًا لأهمية هذا المجلس باعتباره الأداة التنفيذية للأمم المتحدة، فإنه يعنى بشكل أساسي بحفظ الأمن والسلم الدوليين، بالإضافة إلى أهداف أخرى حددها ميثاق الأمم المتحدة تدور في ذات الفلك، حيث حدد الفصلان السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة اختصاصات مجلس الأمن والتي يمكن إجمالها بالآتي:
أولاً، حدد الفصل السادس اختصاصات مجلس الأمن المتعلقة بالحلول السلمية، وهي:
1. التفاوض وتحقيق الوساطة بين الدول المتنازعة، بدعوتها إلى حل نزاعاتها بالطرق السلمية كالوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو غيرها من الوسائل السلمية الأخرى.
2. التحقيق في النزاع: يقوم مجلس الأمن بالتحقيق في النزاعات وفحصها، إذا رأى أن النزاع قد يؤدي إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين.
3. تقديم التوصيات لحل النزاع بين الأطراف المتنازعة إذا لم يتوصل الأطراف بنفسهم إلى حل بالطرق السلمية.
ثانيًا، حدد الفصل السابع اختصاصات مجلس الأمن في حال تهديد السلم والأمن الدوليين والإخلال به أو وقوع عدوان، وهي:
1. تحديد وجود أي تهديدات للأمن والسلم الدوليين واتخاذ الإجراءات التي يراها المجلس مناسبة بشأنها.
2. اتخاذ التدابير غير العسكرية، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية أو غيرها من تلك التي لا تنطوي على استخدام القوة المسلحة مثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو المواصلات مع الدولة المخلة بالأمن والسلم الدوليين.
3. اتخاذ التدابير العسكرية، في حال رأى المجلس أن العقوبات غير العسكرية ليست كافية لردع الدولة المعتدية، ويتم ذلك عن طريق القوات المسلحة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهدف حفظ السلم والأمن الدوليين.
ويتخذ المجلس أي من قراراته بتصويت ثلثي الأعضاء على الأقل، وتكون قراراته ملزمة قانونًا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة بموجب المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة. ولكن يجب التمييز بين نوعين من القرارات التي يصدرها المجلس، وهي القرارات الإجرائية، والقرارات الجوهرية، حيث إنه بالنسبة للقرارات الإجرائية، فيكفي أن يصوت عليها تسعة أعضاء على الأقل، سواء كان منهم الدول الخمس دائمة العضوية أم لا، وأما بالنسبة للقرارات الجوهرية مثل اتخاذ التدابير المنصوص عليها في الفصل السابع، فيلزم أن يكون التصويت عليها من تسعة أعضاء على الأقل، ويلزم أن يكون من ضمنهم جميع الدول الخمس دائمة العضوية، وبالتالي إذا اعترضت واحدة من هذه الدول الخمس على مشروع القرار، فإن مصيره إلى الإلغاء باستخدام حق النقض (الفيتو)، حتى ولو وافق عليه بقية أعضاء مجلس الأمن، ومن هنا تنشأ الإشكالات في ممارسة مجلس الأمن لاختصاصاته؛ حيث إن القرار يجب أن يكون موافقًا لمصالح تلك الدول الخمس الكبرى، وإلا فإن مصير ذلك القرار هو النقض. وقد تبين ذلك جليًا مؤخرًا في العدوان الواقع على قطاع غزة، حيث أسرفت الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع اتخاذ أي إجراءات ضد دولة الاحتلال. وهذا ينقلنا للمحور الثالث في هذه المقالة، وهو ما مدى فاعلية مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين؟
اختصاصات مجلس الأمن
مدى فاعلية مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين على أرض الواقع.
لا شك بأن ميثاق الأمم المتحدة بما تضمنه من صلاحيات وأهداف رُسِمَت للمجلس بها جوانب إيجابية عديدة على الورق، ولكن هل حقًا تلك النقاط الإيجابية والأهداف التي رسمها الميثاق على الورق موجودة في أرض الواقع؟ في حقيقة الأمر إذا نظرنا إلى الواقع وإلى العدوان الواقع على قطاع غزة، فإنه يشكل بلا جدال إخلالًا جسيمًا بالسلم والأمن الدوليين، بل إنه يصل إلى حد الإبادة الجماعية، وقد تبين ذلك بشكل واضح؛ حيث إنه أدى إلى اشتعال الأوضاع الأمنية في المنطقة وتوترها في عدة جبهات كإيران ولبنان واليمن، ولكن دون وجود تدخل حقيقي من مجلس الأمن، وهنا يظهر لنا التناقض بين النصوص والتطبيق على أرض الواقع لتخصصات مجلس الأمن وأهدافه المنشودة، حيث إن تطبيق الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة يقوم به المجلس بشكل انتقائي، ولذلك نجد أن هناك تباينًا واضحًا في مواقف مجلس الأمن في قضايا عديدة، وكثيرٌ من هذا التباين في المواقف يرجع إلى أصل تشكيل مجلس الأمن وطريقة اتخاذ القرار فيه، حيث إن تشكيل المجلس لم يعد يمثل إرادة المجتمع الدولي، وإنما إرادة مجموعة قليلة من الدول، علاوةً على أن من يقود زمام اتخاذ القرار في المجلس هو الدول الخمس دائمة العضوية، بحيث إنه لو تعارض القرار مع مصالح واحدة منها غالبًا ما ستستخدم تلك الدولة حق الفيتو لنقض ذلك القرار، وذلك ما يعطل فاعلية المجلس في اتخاذ قرارات حاسمة في أوقات حساسة، حيث إنه نادرًا ما تكون مصالح هذه الدول متوافقة، خصوصًا في ظل الصراع المستمر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقًا، وبين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى في الوقت الراهن. وعندما تتداخل المصالح السياسية في اتخاذ هذه القرارات الحساسة والمهمة، فإن المعيار السياسي يغلب على المعيار القانوني، وذلك ما انعكس سلبًا على فاعلية المجلس ودوره الذي يتبناه في حفظ الأمن والسلم الدوليين، حتى بات عرضةً للانتقاد والتشكيك في مدى قدرته على القيام بهذا الدور. ومن الأمثلة البارزة على تباين مواقف المجلس من القضايا وتداخل المصالح السياسية في اتخاذ قراراته هو موقف مجلس الأمن من الأحداث في سوريا وليبيا، حيث إنه بالنسبة لليبيا، فقد قرر مجلس الأمن شنَّ حرب شاملة على النظام الليبي للإطاحة به وفقًا للفصل السابع، وذلك بذريعة حماية المدنيين، في حين أن ذات الأحداث كانت حاصلة في سوريا في العام نفسه والأعوام التالية له، ولكن دون اتخاذ المجلس أي قرار بشأنها؛ بسبب الفيتو الروسي والصيني، ويتكرر الأمر ذاته حاليًا في قطاع غزة حيث يقف مجلس الأمن عاجزًا عن اتخاذ أي قرار في الأمر، على الرغم من وجود انتهاكات صريحة للقانون الدولي ووجود إخلال بيّن بالأمن والسلم الدولي في ممارسات الكيان المحتل، إلا أننا نرى مجلس الأمن يقف عاجزًا عن اتخاذ أي قرار بسبب الفيتو الأمريكي. وبناء على ذلك تبرز الحاجة الملحة لإعادة هيكلة المجلس وتغيير سياسة اتخاذ القرار فيه وإلا فستزداد الشكوك حول حقيقة دوره الذي يتبناه في حفظ الأمن والسلم الدوليين.