من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب

من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب
من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب

أثير – تاريخ عمان

أثير – تاريخ عمان


إعداد: نصر البوسعيدي

إعداد: نصر البوسعيدي

من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب
من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب من صحار، إلى الأندلس، “ابن الذهبي”.. العماني الذي أبهر العالم في الفيزياء، والطب

تاريخ عمان المجيد المسطر في صفحات التاريخ لا يحصى، وهناك شخصيات عمانية صنعت للعالم ما نفخر به أبد الدهر وخدمت الإنسانية في مختلف المجالات والعلوم بكل حبّ وإخلاص لنشر بذور الخير، وكيف لا يصبح العماني هكذا، وهو من يعرف على مر التاريخ بصفاء القلب وحب العلم، والتأليف، والربط بين حضارات العالم عبر ملوكه، وأئمّته، وسلاطينه، ونواخذته وتجاره الذين وصلوا بأخلاقهم، وقوة أساطيلهم بالإسلام في القارة الآسيوية، والأفريقية على السواء.

عمان أنجبت الكثير من الشخصيات التي اعتبرت اليوم عالميا من ضمن الشخصيات المؤثرة بالعالم تحت إشراف اليونيسكو، ولا غرابة أن يصبح الفيزيائي والطبيب العماني أبو محمد عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري المعروف ” بابن الذهبي ” الذي ألّف كتاب الماء، وهو (أول معجم طبي لغوي في التاريخ البشري) من ضمن الشخصيات التاريخية المؤثّرة في العالم والذي أدرج أسمه في الدورة 38 للمؤتمر العام لليونيسكو لعام 2015م تكريما له، ولعمان للإسهام الحضاري الذي قدمه للبشرية جمعاء.

ولد الفيزيائي العماني والطبيب عبد الله بن محمد الأزدي في مدينة صحار، وتشير المصادر التاريخية بأن ولادته كانت في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وكان عالمنا يعتز كثيرا بموطنه عمان وهو الذي ذكره في كتابه المشهور الماء في أكثر من ثلاثين موضعا تعبيرا عن حنينه الدائم رغم غربته لأمّه عمان.

وكان مشهورا لدى العرب كثيرا في براعته بعلوم الطب، والكيمياء، والفلسفة حيث قال المؤرخ ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء عنه: ” هو أبو محمد عبدالله بن محمد الأزدي، ويعرف بابن الذهبي أحد المعتنين بصناعة الطب، ومطالعة كتب الفلاسفة، وكان كلفا بصناعة الكيمياء مجتهدا في طلبها “.

لقد كان ابن الذهبي شغوفا لطلب العلم حاله من حال الكثير من العمانيين في العصور التاريخية المختلفة، ولقد بدأ تلقّي علومه في مدينة صحار بيد شيوخ عصره، ومن ثم فضّل الرحيل إلى البصرة التي كانت تستقبل الأفواج العمانية الباحثة عن العلوم ودراستها والاستفاضة منها، وهناك درس الكثير من مؤلفات العالم العماني اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي أثر كثيرا في منهجه اللغوي الذي اتبعه فيما بعد ليؤلف كتابه المشهور ( الماء) الذي أتى مشابها لكتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي في المنهجية العلمية المتبعة، إذ يقول الباحث الدكتور هادي حمودي محقّق مخطوط (كتاب الماء) الذي طبعته ونشرته وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان : ” يحتل الخليل بن أحمد الفراهيدي مكانة رفيعة في نفس أبي محمد الأزدي إذ هو الرجل الوحيد من بين العلماء الذي يعقب الأزدي بعد ذكر أسمه دائما بألفاظ الترحم والإكبار إضافة إلى شيخه وأستاذه ابن سينا، ولعل ذلك يعود إلى القرابة الوجدانية، والروحية بين العالمين الكبيرين الفراهيدي، والأزدي، إذ كلاهما قدم من عمان مهاجرا، واستقر في البصرة وإن كان الأزدي – ابن الذهبي – قد واصل فيما بعد تنقلاته بين الأمصار “.

ولا شك أن العراق حينها كانت تعيش مناخا من التقدم العلمي والاستقرار الباذخ لمسيرة الحضارة الإسلامية، لذلك كان قبلة أغلب علماء العصر ومنهم أزد عمان وكبار علمائها.

وعرف ابن الذهبي بولعه الشديد للعلم، وطلبه، ولذلك نجده يتنقل بين الأمصار، والحواضر المعروفة آنذاك في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا متناسيا عناء السفر، والتنقل رغم صعوبته في سبيل طلب العلم، وملازمة العلماء، فكانت البداية من صحار إلى البصرة، واستقر في الحي العماني هناك المسمى بحي الأزديين تحديدا، ومن ثم هاجر إلى بغداد، ومنها إلى بلاد فارس، ثم رحل إلى الشام، وأقام في بيت المقدس، وأخيرا استقر في اسبانيا أندلس العرب وتحديدا في مدينة (فالنسيا) الإسبانية التي مات فيها ودفن سنة 1064م ، وقد ذكر ذلك القاضي صاعد الأندلسي في طبقاته أن ابن الذهبي توفي في (بلنسية) في جمادي الآخرة من سنة (1064م ) ، وقال : ” شاهدت دفنه هناك رحمه الله “.

وعطفا على ما ذكر في اجتهاد عالمنا العماني أبو محمد الأزدي ابن الذهبي في طلب العلم فقد تتلمذ على يد الطبيب المعروف ابن سينا، ولازمه، وتعلّم منه الكثير في مجال الطب والفلسفة وتأثر بمنهجه العلمي بشكل كبير، ولم يكتف بذلك، بل ذهب أيضا لتلقي العلوم من العالم الفارسي المعروف بأبي الريحان البيروني الذي استفاد منه في مجال علم النبات، والصيدلة، وغيرهم من علماء عصره ليبرع كذلك في علوم الفيزياء، والكيمياء وقت انتقاله إلى الأندلس محطته الأخيرة.

وإن كنا نريد أن نعطف على أهمّ إنجازات ابن الذهبي العلمية، فهي بالطبع تكمن في مؤلفه المشهور كتاب (الماء) الذي قلنا عنه سابقا بأنه يعتبر المعجم الطبي واللغوي الأول على مستوى تاريخ البشرية والذي يدل على أن صاحبه العماني عالم متبحر في الطب واللغة وبكل براعة، حيث يقول محقق الكتاب الدكتور هادي حسن حمودي ” ولا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يذكر معجما جمع بين المعاني اللغوية والطبية قبل كتاب (الماء) في أية لغة من اللغات حتى القرن الخامس للهجرة، الحادي عشر للميلاد”.

أما طريقته المهنية في هذا الكتاب، فقد كانت متكاملة مطعما كتابه بتجاربه الشخصية في صناعة الأدوية، ووصف فوائدها، والأمراض التي يمكن علاجها ليجمع بين علوم الطب والصيدلة، واللغة، ولقد قدم للبشرية علما مهمّا للغاية لمعالجة الأمراض العضوية، والنفسية والعقلية، وأوضح في كتابه حسب خبرته علاجها أو التخفيف من حدتها، كما تناول مرض السرطان، والأورام التي يسببها في البشر، وكان الأول في الحديث عن استبدال الدم بدم آخر في سبيل التقليل من حدة المرض، وهو يعتبر لابن الذهبي في عصره سبق علمي لا مثيل له جاء به قبل غيره من علماء الطب.

كذلك تناول في كتابه العلاج النفسي للتقليل من الأمراض والمساهمة في علاجها، كما كان بشكل عام يهدف من خلال كتابه (الماء ) خدمة للبشرية في تعريب المصطلحات الطبية ولوازم الأدوات الطبية التي تميزت بها الحضارات الأخرى كالحضارة الصينية، والفارسية، والرومانية، والإغريقية، والفرعونية، والهندية، لتقديمها للأمة العربية والإسلامية على هيئة معجم طبي لغوي مرتّب على حروف المعجم، وبأسلوب بديع، ومبتكر ليؤكد العالم العماني المكنى بـ ابن الذهبي تفوق وانفراد العلماء العمانيين على مر التاريخ في خدمة الإنسانية والحضارة الإسلامية في علوم الطب، وغيرها من علوم ومجالات لا تحصى رحمهم الله أجمعين.

المرجع: الطبيب والفيزيائي العماني ابن الذهبي (ابومحمد عبدالله الأزدي)، إعداد د. حميد بن سيف النوفلي، وزارة التربية والتعليم ، اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم.

المرجع

Your Page Title