أثير – نبيل المزروعي
أثير – نبيل المزروعي
لم يُدرك أن يومه سيكون حافلًا بالمفاجآت، وأن هناك سيناريو آخر جديدًا لا يُدركه ولم تُكتب تفاصيله حتى لحظة مغادرة غرفته صباحًا، استعداده للذهاب إلى العمل في ذلك اليوم كان مختلفًا نوعًا ماء عن بقية الأيام، حتى أنه خالف هيئته المُعتادة في زي الخروج، -مكتفيًا بقميص وشورت طويل-، ولم تجدِ استفسارات ومحاولات زملاء العمل نفعًا في ثنيه عن التغيير، لأن هناك تفاصيل جديدة –كُتبت بتقدير إلهي– لا يدركونها جميعًا، وستكون مختلفة عن روتينهم اليومي في الإعداد والإخراج.
عمر المزروعي أحد كوادر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، الذي ساقه القدر ليكون سببًا في إنقاذ حياة شخصين من الجالية الآسيوية، وذلك أثناء ما كان يمارس مهام عمله برفقة زملاء المهنة وفريق عمل التلفزيون العماني، في تصوير برنامج تلفزيوني “رمضاني” بعنوان (آية ومعني)، في ولاية طاقة بمحافظة ظفار، وتحديدًا بالقرب من شلالات دربات.
وبالعودة إلى تفاصيل القصة الواقعية المُرعبة، يقول عمر المزروعي في حواره مع “أثير”: لم أستوعب ما جرى من أحداث وسيناريو في ذلك اليوم والوقت بالتحديد، الذي رسمت لحظاته بدقة غير متوقعة البتة، حتى أني لم أكن لأتخيل موقف ذهابي للاستحمام في بحيرة دربات قرب موقع التصوير، رغم مخالفتي لطلب المخرج في الانتظار حتى نهاية البرنامج للذهاب معًا جميعًا، إلا أن الله سبحانه وتعالى كان مُسيرًا لحركاتي ومسخرًا لي لإنقاذ طفلة صغيرة ووالدها من الجنسية الآسيوية –الهندية تحديدًا- من موت شبه محتم في قاع البحيرة.
ويسترسل المزروعي في حديثه لـ “أثير” في أثناء لحظة الاستجمام والانتعاش الخاصة في البحيرة، وبينما كنت أمارس عملية السباحة في اتجاه الشلال الذي ينحدر على الجانب الآخر من البحيرة، تفاجأت بصياح العائلة، التي كانت تتجول على جانب البحيرة، وخاصة الرجل “الهندي” الذي كان يصرخ نحوي ويردد بالإنجليزية (هِلب مي)، وهو يؤشر على طفلة صغيرة سقطت في البحيرة، وبينما أحاول الوصول إلى موقع الحادثة، كانت الطفلة قد غطت في الأعماق، لأغوص سريعًا نحوها بعمق يقارب من 3.5 إلى 4 أمتار، لأسحبها بقوة من شعر رأسها وقد حسبتها مفارقة للحياة، ألا أنه –ولله الحمد والمنة– ريثما خرجت بها فوق الماء وجدت قلبها ينبض بالحياة، لأذهب بها سريعًا إلى زملائي لتقديم الإسعافات الأولية لها.
يقول عمر المزروعي: لحظة إخراج الطفلة وبها من الحياة أزاح عني أطنانًا من مجهود خوف اللحظة وصعوبتها، تفاصيل مرت سريعة على الجميع، -إلا أنها لم تنتهِ عند هذا الحد– لحظة سماعي لصرخات الأسرة الهندية من جديد، وهم ينادون ويستنجدون كلٌ بأسلوب مختلف ويؤشرون من جديد على المكان نفسه، لحظة أدركت معها اختفاء الرجل الكبير الذي كان يناديني لإنقاذ الفتاة سابقًا، لأعود أدراجي من جديد مسرعًا بالسباحة إلى حيث المكان السابق، وهذه المرة سحبت معي إحدى أدوات السباحة الخاصة بالأطفال، والتي كانت بالقرب من مكان جلوس العائلة، لأنزل سريعًا تحت الماء وأسحب الرجل الذي كان قد فقد الحراك نهائيًا، وأخرجه من البحيرة بواسطة أداة السباحة متوجها به إلى الزملاء على الجانب الآخر، الذين عملوا على إسعافه بعد أن أحسوا بنبضات قلبه وقد تباطأت بالعمل.
يواصل المزروعي الذي اعترته غصة من الحزن والأسى في الوقت نفسه حديثه قائلًا: “لم أستطع النوم لليلتين كاملتين، لأن المشهد الأليم كان يمر أمامي وكأن اللحظة نفسها تعود من جديد بتفاصيلها المُزعجة، الأمر الذي يدفعني على التفكير كثيرًا في المكان الجميل والبحيرة الأنيقة بمنظرها الخارجي -المُرعبة أحضانها– كيف لا وهي التي أزهقت زرقة مائها العديد من الأرواح، وكانت سببًا مباشرًا في غرق الكثيرين من أبناء البشر، منهم من كُتبت له حياة جديدة في النجاة، ومنهم من ارتفعت روحه إلى بارئها، وحادثة أبناء الوطن الذين وهبوا أرواحهم لإنقاذ الفتيات السعوديات في خريف الصيف الماضي ليست ذكرياتها ببعيدة عن المشهد.
موجهًا عمر المزروعي عبر “أثير” رسالة للجهات المختصة والمعنية بالأمر، بإعطاء البحيرة حقها في التنبيهات والإرشادات، وليس من الضير أن يتم عمل موانع تنظم عملية السباحة في البحيرة، وأن يتم توفير مشرفين ومراقبين خصوصًا في أوقات الخريف التي باتت قريبة، لأن بعض الأماكن في البحيرة جدًا خطيرة، وبها من العمق مسافة لا يجب الاستهانة بها، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يجيدون السباحة، ليدعم المزروعي حديثة بعبارة “تجربتي في المكان كانت خير برهان”، أسأل الله السلامة للجميع.