د.سعاد بنت سعود المنجية- إدارة مخاطر الكوارث الطبيعية
تعد الأعاصير المدارية إحدى أكثر الكوارث الطبيعية شيوعًا في السلطنة، والتي تؤثر بشكل مباشر على المناطق الساحلية الممتدة من مسقط في الشمال إلى الحدود الجنوبية مع جمهورية اليمن، مع حالات استثنائية امتدت إلى المناطق الساحلية المطلة على بحر عمان، كما تعد واحدة من أخطر الكوارث الطبيعية إذ تصحبها عادة رياح شديدة السرعة، وتتعاظم معها أمواج البحر، هذا فضلا عن فيضانات شديدة للأودية، ما قد يتسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة، فعلى سبيل المثال في عام 2007م، ونتيجة لتعرض السلطنة لإعصار جونو الذي سجل كأول إعصار يصل للدرجة الخامسة في بحر العرب في الــ 100 سنة الماضية، بلغت الخسائر المسجلة جراء الإعصار حوالي 4 مليارات دولار، كما تسبب الإعصار في وفاة قرابة الــ 100 شخص، وتلى إعصار جونو بعد ثلاث سنوات، إعصار فيت الذي تسبب في خسائر مادية كبيرة أيضًا.
جونو لم يكن الإعصار الشديد الوحيد الذي أثر تأثيرًا مباشرًا على شمال عمان، فقد سجلت سجلات الأعاصير واحدًا من أشد الأعاصير وذلك عام 1890م، الذي أخذ مساراً نادرًا جدًا إذ دخل مساره مباشرة الباطنة باتجاه جبال الحجر الغربي، ما تسبب في إحداث دمار كبير، وخسائر مادية وبشرية هائلة، وتسبب في قتل حوالي 727 شخصا، وأدى إلى انهيار حوالي 50 منزلا في مسقط وحدها، نتيجة للأمطار الشديدة التي سجلت بها والتي قدرت بـــ 285 ملم، هذا بالإضافة إلى ما أعقب عبور الإعصار من انتشار للكوليرا، التي أدت إلى وفاة حوالي 100 شخص في سور اللواتيا نتيجة تجمع المياه داخل السور، كما تسبب الإعصار في إحداث خسائر كبيرة في الاقتصاد العماني قدرت بحوالي 9 ملايين دولار في ذلك الوقت، كما جرفت السيول العنيفة ما يقارب 100000 نخلة في مختلف المناطق وأهمها وادي الميح في العامرات، وسمائل، والقرى المنتشرة على جبال الحجر في الباطنة مما أدى إلى انهيار مورد اقتصادي مهم وقتها ألا وهو تجارة التمور.
لم يقتصر تأثير الأعاصير الشديدة على مناطق شمال عمان وحدها، ففي 24 مايو 1959م مر إعصار مداري شديد عابرا المنطقة الساحلية الواقعة جنوب مدينة صلالة بالقرب من ريسوت بقوة رياح بلغت سرعتها حوالي 90 عقدة، وأمطارٍ غزيرةٍ بلغت 117 ملم، كما تسبب الإعصار بأضرارٍ كبيرة في البنية التحتية، إذ جرفت السيول الطريق الواصل بين ريسوت وصلالة، وعملت الأمواج العاتية على إغراق سفينة السمحة التي كانت عائدة من زنجبار وغرق جميع ركابها البالغ عددهم 141 شخصا أغلبهم من النساء والأطفال، في حين جرفت الأمواج سفينة أخرى للساحل دون تسجيل أية إصابات.
حديثا يعد إعصار مكونو أحد أشد الأعاصير التي أثرت على جنوب عمان، إذ عبرت عين الإعصار سواحل محافظة ظفار بالقرب من ميناء ريسوت وذلك في 25 مايو 2018م، وقُدرت سرعة الرياح القصوى أثناء عبوره بـــ115 عقدة، مصنفا كإعصار من الدرجة الثالثة، وتسبب في هطول أمطارٍ شديدة الغزارة قدرت بـــ 505 ملم، أحدثت فيضانات شديدة في مدن محافظة ظفار، ونتج عنها أضرار كبيرة في البنية التحتية و المساكن.
ويوضح الجدول التالي أهم الأعاصير التي أثرت على عمان والخسائر التي نتجت عنها خلال الفترة من عام 1890م وحتى العام 2018م:
مؤشر تكرار و شدة الأعاصير:
تشير سجلات الأعاصير إلى أنه في الفترة ما بين 1881-2019م، تشكلت حوالي 235 حالة مدارية في بحر العرب، انتهت قرابة الـــ 106 حالات منها في بحر العرب وخليج عدن، في حين وصلت قرابة الــ 129 حالة منها إلى اليابسة وأثرت على الدول المحيطة ببحر العرب، منها حوالي 46 حالة أثرت تأثيرًا مباشرًا على السواحل العمانية.
كما تشير البيانات الإحصائية للحالات المدراية المسجلة في سجلات المركز الإقليمي الهندي، إلى أن معدل تكرار الحالات المدارية مستقر نسيبا مع زيادة طفيفة في المؤشر عن المستوى الطبيعي في الفترة الممتدة من منتصف الخمسينيات إلى أواخر السبعينيات من القرن العشرين، هذه الزيادة لم تكن في بحر العرب فقط لكنها شملت جميع المسطحات المائية، وقد فسرها الباحثون بأنها ناتجة عن زيادة الملوثات بشكل كبير جدا نتيجةً للحروب والثورة الصناعية في تلك الفترة، بعد تلك الفترة عاد مؤشر تكرار الحالات المتشكلة في بحر العرب للاستقرار إلى المستوى الطبيعي من جديد، في حين لوحظت زيادة كبيرة في مؤشر الشدة للحالات المتشكلة، وهذه الزيادة فسرت كنتيجة مباشرة للتغير المناخي الذي يشهده العالم، وتأثير الملوثات البشرية على شدة الأعاصير، وذلك لأن ملوثات الكربون وغيرها تؤثر بشكل كبير على قوة رياح القص العلوية وتعمل على إضعافها مما يؤدي إلى زيادة شدة الأعاصير، وذلك لأن رياح القص العلوية مهمة جدا في إضعاف قوة الإعصار.
وتوضح الإحصائيات أنه في الفترة الممتدة من 2010 – 2019م تشكل في بحر العرب 22 حالة مدارية منها 7 حالات وصلت لدرجة إعصار، والحالات التي وصلت لدرجة إعصار شديد جدا هي فت وشابالا وميج إذ وصلت للدرجة الخامسة حسب مقياس سمبسون، وأثرت 4 منها تأثيرًا مباشرًا على السواحل العمانية وهي (أشوبا ، لبان ، ميكونو، هيكا)، كما تأثرت السواحل العمانية بإعصار شابالا، في حين تشكلت حوالي 20 حالة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000- 2009م منها 6 حالات وصلت لدرجة إعصار، لكن أعنفها كان إعصار جونو الذي وصل إلى الدرجة الخامسة، وقد تأثرت السلطنة تأثرا مباشرا بثلاث حالات هي جونو، و فت، وعاصفة كيلا.
إن مراقبة التغير في التكرار أو في شدة الأعاصير مهم جدا، فمع زيادة الشدة زادت احتمالات وصول الحالات المدارية إلى اليابسة وتأثيرها المباشر على المناطق العمرانية الممتدة بطول السواحل العمانية، وهذه البيانات من المهم استخدامها في مشاريع التنمية في السلطنة كأحد المؤشرات الواجب مراعاتها في التخطيط الحضري بمختلف أنواعه.
مسارات الأعاصير المؤثرة على السلطنة:
تتأثر سواحل السلطنة بالأعاصير في موسمين، إذ يمتد الموسم الأول من نهاية أبريل إلى بداية يوليو، في حين يمتد الموسم الثاني من أغسطس إلى ديسمبر، وتسلك الأعاصير مسارات ذات نمط زماني ومكاني واضح في كلا الموسمين، ففي الموسم الأول يبدأ التأثير في شهر مايو على السواحل الجنوبية الممتدة من ظفار إلى الوسطى، وأهم الأمثلة على هذه الأعاصير، إعصار مكونو في مايو 2018م الذي أثر على ظفار، وإعصار مايو 1959م (عام الغريقة) الذي أثر على ظفار أيضا، وتسبب في حدوث أضرار كبيرة. و يمتد التأثير بعد ذلك إلى المنطقة الواقعة بين الوسطى إلى رأس الحد وقد يصل إلى بحر عمان في نهاية الموسم في يونيو، ومن أهم الأمثلة عليها إعصار الباطنة في يونيو 1890م، وإعصار جونو 2007، وعاصفة أشوبا 2015م، أما الموسم الثاني فتبدأ تأثيراته في شهر سبتمبر وذلك على المنطقة الممتدة بين رأس الحد بمحافظة جنوب الشرقية إلى محافظة الوسطى، وأهم الأمثلة عليه إعصار هيكا، كما أن هناك 6 حالات أخرى مسجلة في شهر سبتمبر منها عاصفة مدارية أثرت على رأس الحد في سبتمر 1948م، بعد ذلك يمتد التأثير إلى السواحل الممتدة بين محافظتي الوسطى وظفار وصولا إلى اليمن والصومال، ومن أشهر الحالات المسجلة في أكتوبر إعصار أكتوبر 1992م الذي أثر على رأس مدركة في محافظة الوسطى، و حديثا إعصار لبان في أكتوبر 2018م الذي أثر على محافظة ظفار، وإعصار تشابالا في نهاية أكتوبر 2015م واستمر إلى بداية نوفمبر، والذي أثر بشكل مباشر على جزيرة سقطرى اليمنية، تلاه إعصار ميج في نوفمبر من عام 2015، أما في ديسمبر فهناك عدد من الحالات المسجلة التي أثرت على الصومال.
إن تحديد مسارات الأعاصير مهم جدًا وذلك من أجل تحديد المناطق الأكثر تأثرًا بمسارات الأعاصير حسب المواسم والفترات الزمنية، وهو مهم جدا كذلك للتخطيط الحضري المسبق في عمليات إدارة المخاطر الطبيعية الناتجة عن الأعاصير والفيضانات المرتبطة بها، كما أن هذا النمط الواضح من تحديد مسارات الأعاصير بالإمكان الاستفادة منه في توقع المناطق التي قد تتأثر مستقبلاً وبالتالي يسهل ذلك عمليات تحديد النطاقات المتأثرة بشكل أبكر وذلك قبل تحديد المسار النهائي للإعصار من قبل الجهات المختصة.
المراجع:
Evan, A. T. and Camargo, S. J. (2011) A Climatology of Arabian Sea Cyclonic Storms, Journal of Climate, 24(1), 140-158.
Evan, A. T., Kossin, J. P., & Ramanathan, V. (2011). Arabian Sea tropical cyclones intensified by emissions of black carbon and other aerosols. Nature, 479(7371), 94.
Hopper, M.S., 2016. Cyclones, Drought, and Slavery: Environment and Enslavement in the Western Indian Ocean, 1870s to 1920s. In Natural Hazards and Peoples in the Indian Ocean World (pp. 255-282). Palgrave Macmillan, New York.
Membery, D., 2002. Monsoon tropical cyclones: Part 2. Weather, 57(7), pp.246-255.
Murakami, H., Vecchi, G. A., & Underwood, S. (2017). Increasing frequency of extremely severe cyclonic storms over the Arabian Sea. Nature Climate Change, 7(12), 885.
Sriver, R.L., 2011. Climate change: Man-made cyclones. Nature, 479(7371), p.50.