مسقط-أثير
إعداد: عهد الغابشية
عُمان دولة تاريخية عريقة لها إرث حضاري كبير، إلى جانب القلاع والحصون والعادات والتقاليد، فهي تملك موروثًا تتميز به ويميزها عن غيرها من الدول، ألا وهو الجانب الأدبي من شعرٍ ونثر، فتميزت بنخبة كبيرة من الشعراء منذ زمن بعيد، أمثال: أحمد بن مبارك البوسعيدي وراشد بن محمد الرستاقي، وحميد بن سعيد السيفي، وغيرهم الكثير من الشعراء.
“أثير” تعرض في هذا التقرير جانبًا من جوانب الأدب العماني، وتخصّ الحديث عن شخصية عظيمة من أئمة عمان، الذين امتازوا بفصاحة لسانهم، ألا وهو الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي وصفه حميد بن محمد بن رزيق في كتابه الفتح المبين بقوله:” كان الإمام سعيد هذا شجاعًا شهيرًا فصيح اللسان ناظمًا للشعر، عارفًا بمعانيه وبيانه، مميزًا بين الشعر البذيء والشعر الحسن، وإذا تحدث لا يمل من حديثه إذ أكثره حكم”.
عن حياته
الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي ثاني أئمة البوسعيد في عمان. بويع بالإمامة بعد وفاة أبيه الإمام أحمد بن سعيد عام 1198هـ. في ذلك الوقت حاول العديد من الزعماء عزله وتنصيب أخيه قيس، لكن فشلوا في ذلك، ومن أكثر المعارضين على إمامته أخواه سيف وسلطان، ولم تكن معارضتهما له حديثة وإنما منذ زمن والدهما عندما جعله واليًا على بركاء. وكما ذكر السالمي في كتابه تحفة الأعيان “لم يعدل في ملكه ولم يرض المسلمون عنه” وعندما شعر باختلاف القبائل عليه، أشرك ابنه حمد في إدارة دولته وعينه نائبًا له في مسقط، ولابنه حنكة عظيمة كما وصفه ابن رزيق “داهية من دواهي العرب”.
اتخذ الإمام سعيد بن أحمد الرستاق عاصمة له، وبنى فيها حصن المنصور، الذي يعد بصمة معمارية عريقة للإمام باقية إلى يومنا هذا.
الإمام سعيد شاعرًا
لقد كان الأدب العماني من أبرز الروافد في الحضارة الفكرية والأدبية، وأسهموا بشكل كبير في تقدم الحياة الأدبية، وذلك يعود إلى حرص الأئمة على التعليم والجانب الأدبي منذ العهد القديم.
يُعد الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد من أبرز الشعراء في تلك الفترة، ولا تزال أشعاره إلى يومنا الحاضر، ومن أهم الكتب التي ذكرت فيها شعره كتاب (تحفة الأعيان) و ( شقائق النعمان) وغيرها من الكتب التي أرخت ذلك.
يمتاز شعر الإمام سعيد بن أحمد بالإبداع المتناهي، وإن شعره فريد من نوعه ؛ لما يحمله من معان مؤثرة تترك إحساسًا في نفس القارئ، ويعني ذلك أن القارئ يشعر بما في نفس الشاعر من خلال الكلمات التي يسطرها في أسطر معدودة، إلى جانب ذلك تمتاز أشعاره بالكلمات البسيطة والبعيدة عن الغموض.
من روائع شعره
يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني
وتركتني حيران صبًا هائمًا
أرعى النجوم وأنت في نوم هني
عاهدتني أن لا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني
أبيات يتغنى بها الكثيرون في وقتنا الحاضر، وتتراقص كلماتها في ألسنتهم، لكن يجهل بعضهم من صاحب هذه الأبيات ذات المعاني الجياشة، ولا يعلمون أن هذه القصيدة من أشهر الأبيات التي قالها الإمام سعيد بن أحمد، وهي أبيات غزلية اختلف الرواة في مناسبتها.
قد أوْلَت هذه القصيدة اهتمامًا بالغًا من الكثير حيث نراها تارةً أدّيتْ كأغنية ملحنة، وتارة أخرى نراها بين سطور المقتبسين، وإضافة على ذلك قام أحد الشعراء بكتابة رد عليها على لسان المرأة المعنيّة.
إلى جانب آخر للإمام والشاعر سعيد قصيدة في رثاء ابنه حمد، تحمل معاني مؤثرة، ترجم الشاعر من خلالها حزنه ولوعته الذي سكن قلبه آنذاك، ومطلعها:
وافا حمامك يا حبيبي بالعجل
نار تلهب في ضميري تشتعل
يا من له شرف وفضل في الورى
أمسى وحيدًا مفردًا دون الأهل
الله أكبر من مصاب عمنا
همًا وغمًا لا يبيد ولا يفل
حمد حوى المجد الشريف تغيرت
أيامه قد كان يضرب بالمثل
والكثير من القصائد التي يجب علينا أن نتعلمها ونعلمها أبناءنا حتى تبقى خالدة، وأن نفخر بمثل هذه الشخصيات العظيمة ونفاخر بها كونها تحمل الرسائل والمعاني من خلال أبيات وقصص يسطرونها لنا؛ فهذا الفكر والإبداع الذي نراه ونقرأه في كتب التاريخ يعد قدوة لنا، وعلينا جميعًا أن نسلك هذا الطريق ونعتز بلغتنا الأم.
المراجع
-حميد بن محمد بن رزيق: الفتح المبين بسيرة السادة البوسعيديين – (تحقيق عبدالمنعم عامر، ومحمد مرسي عبدالله) – وزارة التراث القومي والثقافة – مسقط (سلطنة عمان) 1994.
-نور الدين عبدالله بن حميد السالمي: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان – مكتبة الاستقامة – مسقط (سلطنة عمان) 1997.
– مصدر صورة الموضوع: شبكة المعلومات العالمية*