سُعاد بنت سرور البلوشية- ماجستير في الصحافة
تُدرك مختلف الحكومات في كافة دول العالم الأهمية القصوى للطب الشرعي والمكانة التي يلعبها في الكشف عن ملابسات وحقائق الكثير من حوادث وقضايا الوفيات التي يعجز الطب في أحواله العادية الكشف عن أسبابها نتيجة التطور العلمي والتقني.
وعليه فإن الحاجة بملازمة هذا التقدم ومواكبته بزيادة عدد المختصين والعاملين في هذا المجال الحيوي مهمة جدا، للسيطرة على تطور الجريمة بوجود مهنيين مناسبين وبمؤهلات طبية وعلمية أساسية للقيام بالأدوار المطلوبة منهم، – إلى جانب الفرق المتوفرة في الوضع الحالي والشكر موصول لكافة الجهود والخدمات التي يتم تقديمها بوتيرة متسارعة وفقا للحاجة – ، خاصة مع تنامي عدد الجرائم والقضايا التي تقع بين الحين والآخر باستخدام وسائل فنية حديثة، تستدعي الكثير من الخبرة الكافية والنزاهة والاستقلالية للوصول إلى حقائقها المبهمة في تقرير المصير بعيدا عن الافتراضات من مبدأ قدسية الحياة البشرية، وما تنص عليه منظمات حقوق الإنسان في هذا الجانب.
إن التطور وحياة الرفاهية والنمو المستدام الذي تشهده السلطنة على مختلف المستويات يقتضي بذل المزيد من الجهد في الاستفادة الفعلية مما توصل إليه العلم الحديث في المجال، من حيث المناهج الدراسية في مؤسسات التعليم العالي كما هو الحال في جميع مجالات الطب الأخرى، بإدراج حقول لتخصصات جديدة ومتعمقة جنائية وطبية ومعملية تركز على أحدث التقنيات العلمية الحديثة في علم التشريح والتوبولوجيا وأمراض الدم وعلم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة وعلم السموم وعلم الأمراض الكيميائية على سبيل المثال وليس الحصر.
فالتحقيق في الوفاة غير الطبيعية أو غير المتوقعة أو العنيفة، نطاق يكتنفه الكثير من الغموض والتفسير الذي ينجلي بالتطوير المهني والتعليمي المستمر، والحاجة يوما بعد يوم تبدو ماسة جدا لوجود موظفين مدربين أو مؤهلين تأهيلا كافيا ومناسبا لتقديم الخدمات اليومية وبالدقة والسرعة المطلوبة، في فك طلاسم الرموز والتعقيدات التي يمكن العثور عليها لتشمل جميع أنحاء السلطنة كقرينة قوية للحكم على القضايا الجنائية، وبالتالي تقليص مدة الإجراءات القانونية، مع اختصار في الجهد الشاق فيما لو ظل الحال كما هو الآن.
إن العناية التي يستحقها العاملون في الطب الشرعي بلا شك ستسهم في دعم وتطوير البحوث العلمية على المدى الطويل، وستعزز جهود النظم القضائية في إقامة العدل بطريقة آمنة ونزيهة على الضحية والمشتبه فيه، وستواكب الطفرة المحلية والدولية التي أفرزتها الثورة العلمية الحديثة في تنفيذ وتخطيط الجرائم، بالسعي إلى الاستثمار الأمثل للقدرات الوطنية والاعتراف بها، وإتاحة الفرصة لتمكين الشباب في علوم وفنون هذا المجال ودعم مهاراتهم لممارسة هذه المهنة بشكل معاصر وبأنماط مبتكرة، وفق سياسات أخلاقية وطنية معينة وقوانين منظمة للسلوك المهني الطبي الشرعي، وبما يتوافق مع أنظمة القضايا الجنائية، بناءً على تعليمات أو طلبات من الجهات المسؤولة عن التحقيق في حالات الوفاة المفاجئة أو الإجرامية على سبيل المثال.
الأمل يحدونا لتطوير أساليب تدريس هذا المجال، وتوسيع نطاق عدد الأطباء الشرعيين والمحترفين وهم الأكثر مصداقية، للمضي قدما ومن أجل المنفعة العامة لمصلحة الوطن والمواطن في ضوء الحاجة المعترف بها، لضمان تقديم الأدلة الطبية والعلمية وعرضها على المختصين للبت في الحكم المناسب بشأنها كجزء من مجموعة من الأدلة والمعطيات المتشابكة، فضلاًعن أهمية استخدام أحدث التقنيات في هذا المجال للتعرف على الطريقة والوقت وسبب الوفاة وغيرها من الثغرات المرتبطة بها باستجابة مستعجلة ودقيقة، عند الطوارئ وتقديم الرعاية الصحية الأولية للمتوفى، لتحسين جودة العمل الطبي الشرعي أو القانوني في السلطنة.
وبما أن العصر يحمل في طياته الكثير من التغيرات، ولأن “الأطباء ليسوا شهودا عاديين، ولكنهم يحكمون بدلا من الشهادة” كما قال الإمبراطور جوستينيان في كتابه “Digest”، وجب على الصناعة السينمائية أو الإعلامية المحلية ووفق سياقات ثقافية واسعة، إبراز دور هذه الفئة من العاملين بهذا المجال المهم وأهمية جهودهم من خلال تفاعل المتلقي إيجابيًا مع الأعمال التي يقومون بها، وجعل المجتمع أكثر وعيًا بمسؤولياته في الحد من الجريمة ومحاربتها بشتى الطرق، كما هو معمول في مختلف الدول العربية والأجنبية.