أثير- سيف المعولي
أجريت مؤخرًا حوارًا مع أحد أصحاب السعادة السفراء أثناء زيارته لـ “أثير” سألته فيه عن رأيه في “التقارب” العماني السعودي الواضح خلال هذه الفترة؛ فجاء جوابه مُنكِرا لصيغة السؤال، ومؤكدًا لحقيقة لا يستطيع أحدٌ إنكارها، حيث قال: وهل كان هناك تباعد حتى يحصل تقارب الآن!
إجابة السفير – وهو ليس عُمانيًا ولا سعوديًا- ليست عادية أبدًا، وهي ليست كرد فعل على سؤال ربما يُسمّى “استفزازيًا” في عالم الصحافة، لكنه تأكيدٌ للمؤكد، وترسيخٌ للواقع، وإشارة واضحة على “امتداد” عميق لعلاقة البلدين، رغم بعض المتغيرات التي ربما تُبطئ التواصل لكنها لا تقطعه.
ما قاله سعادة السفير نلمسه اليوم بشكل ملموس في المشاعر الإيجابية التي تطغى على الأخبار المتعلقة بالبلدين؛ حيث تُتَداول بصورة كبيرة عبر مختلف الوسائل، ويتم النقاش حولها بحديث ملؤه التفاؤل والفرح بمستقبل مُزهر وأكثر إشراقًا، ليس اقتصاديًا فقط وإنما في جميع المجالات والمستويات، وهو مشهد يعيدني إلى حج عام 1437هـ عندما تشرفت بالمشاركة في تغطيته بدعوة كريمة من السفارة السعودية لـ “أثير”، فحينها لم أحس أبدًا بأنني خرجت من بلدي عمان إلا إلى بلدي الآخر السعودية؛ فمن ألتقي بهم يرحبون بي كأنهم يعرفونني من قبل، وعندما نجتمع على مائدة واحدة أو نقاش نكون كأننا شعب واحد أمام الجنسيات الأخرى من الشرق والغرب؛ فلغة المودة هي الطاغية، ومشاعر الأخوة هي الغالبة، وإن اختلفت الوجوه والملابس.
وفي رأيي -الذي أعتقد أن الأغلب يتفقون معه- هناك مسلّمات في العلاقة بين البلدين لا تحتاج إلى المزيد من التباحث فيها؛ فالشعبان “يعتقدانها اعتقادًا تامًا” كوحدة الدين واللغة والمصير المشترك، وإنما يتم البناء عليها لتُثمِر نتائج ملموسة على أرض الواقع، فما المانع في أن نرى صناعات عمانية سعودية مشتركة، وما الضير في أن تتقاسم ظفار والطائف توجهات السياح وبحثهم عن جمال الطبيعة وسحرها، وماذا لو التقت حلاوة تمر “الخلاص” مع نقاوة “السكري” ليخرج لنا مُنتَج طبيعي فريد من نوعه، وهل بغريب أن يلبس السعودي “الدشداشة العمانية” ويتجوّل بها في سوق البطحاء في الرياض، بينما يتمصّر العماني بـ “الحجازية” ويجوب بها في سوق مطرح بمسقط.
واليوم تشير البيانات والتصريحات الرسمية من البلدين إلى وجود مسارين جديدين لهذه العلاقة المبنية على المسلّمات، أحدهما عملي يرتكز على فتح النقاش في جميع المجالات التعاونية اقتصاديًا واجتماعيًا وفنيًا وسياحيًا؛ الأمر الذي سيرفع معه أرقام التبادل التجاري والصادرات والواردات، وتبادل المنتجات، وإطلاق مبادرات استثمارية مشتركة، فرؤية المملكة 2030 ورؤية عمان 2040 تتواءمان في الكثير من المشروعات العملاقة، والآخر واقعي عبر الطريق البري الذي يربط البلدين ويختصر نحو 800 كم ويؤمل افتتاحه قريبًا، وهو يُعدّ وسيلة لوجيستية لتحقيق طموحات المسار الأول وخططه وأهدافه المنشودة.
إن “يوم الأحد” 11 يوليو 2021م يستشرف مستقبلًا مشرقًا ترنو إليه أعين العمانيين والسعوديين وقلوبهم، ويُعيد للتاريخ رونقه؛ فقبل 50 عامًا وتحديدًا في 11 ديسمبر 1971م كانت أول زيارة للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- لأرض المملكة العربية السعودية، واليوم تُعاد هذه الخطوات المباركة برؤية جديدة وأفكار طموحة تعانق السماء.
ومن المؤكد أن هذه الزيارة “لها ما بعدها” فثمارها ستُقطَف ولو بعد حين، وأُكلها سيُؤتى بهمةِ مَن يقومون على تنفيذ التوجيهات السامية الكريمة من جلالة السلطان هيثم بن طارق وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظهما الله- أما الشعبان العماني والسعودي فهما يملكان استعدادًا نفسيًا لهذه الانطلاقة، واندفاعًا عاطفيًا بصورة غير مسبوقة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.