أخبار

“هبطة العيد” ما أهمية تعليم مدلولاتها للطلبة؟

“هبطة العيد” ما أهمية تعليم مدلولاتها للطلبة؟
“هبطة العيد” ما أهمية تعليم مدلولاتها للطلبة؟ “هبطة العيد” ما أهمية تعليم مدلولاتها للطلبة؟

أثير – د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

انطلاقا من أن التعليم منظومة مجتمعية، يتكامل دورها مع المجتمع، وتتقاسم معه الكثير من المشتركات القيمية والأخلاقية التي ستشكل جزءا من حياة الطالب، ليجد في التعليم الموجهات والأطر والإستراتيجيات التي تعينه على تحقيقها، وفق ممارسة أكثر تنظيما ومهنية واحترافية، لذلك كان تناول التعليم ومن خلال البرنامج الدراسي اليومي للطلبة لهذه المحطات الاجتماعية، أمرا مهما في إطار تعزيز الهوية وترسيخ القيم وتأصيل العادات والتقاليد الاجتماعية العمانية الأصيلة التي باتت تمثل اليوم وجها حضاريا مشرقا لمجتمع سلطنة عمان في منظوماته الاقتصادية والوعي الاجتماعي والمنظومات السياحية والثقافية والتراثية وغيرها، لتصنع هذه الموجهات روابط قوة تعزز من دخول التعليم في قلب المجتمع وارتباطه به، وعندها يشعر الطلبة بأن التعليم حياة متجددة تصنع في المجتمع مواقف وأحداثًا ونماذج نوعية، وأن المجتمع بدوره يضع في التعليم ثقته وموقعه في قدرته على إعادة إنتاج السلوك الاجتماعي بطريقة نوعية تتناغم مع القوانين والتشريعات والأنظمة وقواعد السلوك العامة التي يرتضيها المجتمع لأبنائه، فيصبح التعليم خلالها داعما أساسيا للممارسة الإيجابية القادرة على صناعة الفارق وإنتاج الفرص وبناء المواطنة المسؤولة القادرة على ترقية السلوك المعتاد ونقله من التكرارية إلى الابتكارية، وأن يتلمس الطلبة في هذه الموجهات والفرص المجتمعية مساحة احتواء وفرصة أكبر للتعمق في فهم الأبعاد المفاهيمية والاجتماعية والثقافية وغيرها التي تقف خلف هذا السلوك الجمعي العام.

إن المواسم الدينية بما تحمله فيها من روحانيات الإيمان وتعظيم السلوك الإنساني الراقي في إنسانيته، وتهذيبه وترقيته سعيا للثواب والأجر من الله عز وجل، والتي يمثلها عيدا الفطر والأضحى، ومناسبتان عظيمتان هما شهر رمضان المبارك، والحج الأكبر، فإن ما ارتبط بهاتين المناسبتين وغيرهما في التقليد العماني والعادات الاجتماعية من ممارسات نوعية ظلت في عصور التاريخ المختلفة مساحة متجددة عكست عمق الترابط والتكامل الحاصل بين المنظومة الدينية والاجتماعية، وأن ما حمله المجتمع العماني من ثقافة ومبادئ وقيم وأخلاقيات ومنهجيات في العيش والحياة في الكثير من الجوانب الحياتية المرتبطة بالسلوك الجمعي والتي ظلت حاضرة ملتصقة بالمجتمع العماني وميزة تميزه عن غيره، كان ينطلق في أبجدياته من مبادئ الدين الحنيف ورسالة الإسلام العظيمة وسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو تعكس سلوكا أقرب إلى تعميق أخلاقيات الدين وما صنعه من محطات للتفكير والتأمل والإنجاز في حياة الإنسان العماني، فإن ما تمثله “هبطة العيد” كإحدى هذه الموروثات الاجتماعية الشعبية التي لازمت السلوك الجمعي العماني في مختلف ولايات سلطنة عمان ومحافظاتها والتي ما زالت تحظى اليوم بشعبية كبيرة واهتمام نوعي من مختلف شرائح المجتمع وما يزال ينظر إليها على أنها موسم اقتصادي وسياحي واجتماعي، والتي تقام في الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك وقبل عيد الفطر السعيد، وكذلك في الأيام العشر من شهر ذي الحجة وقبل عيد الأضحى المبارك، محطة اجتماعية استراح لها الإنسان العماني وعظم قدرها، إذ حملت معها الكثير من القيم والمبادئ الداعية إلى الألفة والتعاون والتكامل والترابط وترقية التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، بالإضافة إلى أنها حملت معها أبعادا اقتصادية فهي سوق تجاري واسع القدرة، نظرا للنشاط الحاصل في حركة البيع والشراء والتسوق والتسويق وعرض المنتوجات المحلية وغيرها، يفد إليها الناس من مختلف المحافظات لشراء مستلزماتهم من الأقمشة والأحذية والزينة والطيب والخناجر والسيوف والفضيات، بالإضافة إلى احتياجاتهم من اللحوم وغيرها، فمن جهة تقوم فيه الأسر المنتجة بعرض منتجاتها من السعفيات والفضيات والفخاريات والمنتجات الغذائية والحلويات لتشتري منتجات أخرى بحاجة إليها في العيد، وهكذا يتم هذا التكامل الاقتصادي متخذا من أسلوب البساطة والأريحية في البيع والشراء وتوفر المعروض من المنتجات مساحة في أجواء إيمانية وروحانية قوامها العمل والمسؤولية والمصداقية ويشارك فيها الكبار والصغار والشباب وغيرهم من أبناء المجتمع في لحمة اجتماعية وطنية تستهدف ترقية فرص التواصل والتكامل وتقوية جوانب العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعرض المنتج المحلي والتسويق له.

هذه الصور الإيجابية التي تحملها هبطات العيد وغيرها من الموروثات الاجتماعية الأخرى التي بات يمارسها المواطن العماني في هذه المواسم الدينية عكست روح الصفاء والوفاق وحس المسؤولية وعملت على ربط الأبناء بتاريخ الأجداد وتراثهم العماني العريق حتى أصبح لهم حضورٌ في تراجيده ورسم معالمه بطريقة تتناغم مع متغيرات الزمان والمكان وطبيعة الاحتياج، وتؤصل في النشء قيمة التراث وأهميته في حياة الأمة العمانية، والدلالات التي تحملها هذه المواسم واقترابها مما يدعو إليه الإسلام العظيم من قيم الاعتماد على النفس والبيع والشراء والبحث والسعي والعمل والجد والاجتهاد والرزق الطيب الحلال بكد اليمين وعرق الجبين، بما يؤكد أنه لا يجب أن تغفل المؤسسات التعليمية المسؤولة عن تربية النشء عن هذه المحطات بل أن تجسدها في سلوك الطالب اليومي وأن يكون لهذه المواسم حضورا في القاموس والمفردة التعليمية، ينطبق هذا على الهبطات أو غيرها من الموروثات الاجتماعية والعادات، بما يسهم في رفع سقف الفرص الإيجابية التفاؤلية لدى الطلبة، وتعظيم قيمة الموروث الاجتماعي القادر على صناعة التغيير في حياة المواطن، ولا شك بأن هذه الهبطات وما يدور فيها من تفاعلات وبيع وشراء، إنما تمثل خيوط اتصال ممتدة، وجسور تواصل متناغمة تستهدف جميعها صناعة التغيير في السلوك القادم والمحطات الأخرى في حياة المواطن العماني، وإظهار البشر والسرور والفرح في حياة الأسر والأطفال والصغار والكبار، في استعداداتهم للفرح بيوم العيد، وتجهيز احتياجاتهم الشخصية من ملابس، وزينه وغيرها، بما يرسمه ذلك من ابتسامة في وجوه الأطفال وسعادة وطمأنينة في حياة الأسرة، وبالتالي أن يجسد التعليم اليوم هذه المعاني الاجتماعية في أجندته وبرنامجه التدريسي سواء من خلال المناهج الدراسية بما تتضمنه من مفردات اجتماعية متوارثة أو كذلك بالتعريج على البعد الأخلاقي والإنساني والاجتماعي والجمالي والذوقي لهذه المواسم وانعكاساتها على حياة المجتمع، أو كذلك من خلال مشاركة الطلبة للمجتمع في هذه المناسبات واطلاعهم على ما يدور في هبطات العيد، وإتاحة الفرصة للطلبة وغيرهم من الشباب الذين لديه منتجات في بيعها أو شراء ما يحتاجونه من هذه الهبطات.

إن من بين أهم الدلالات التي تحملها الحركة الشرائية النشطة في أسواق الهبطات أنها تمنح الجميع فرص الحصول على الرزق إما ببيع منتح أو شراء سلعة، الأمر الذي يظهر فيه انخراط الأبناء مع الآباء، واندماج الصغار مع الكبار، وحضور الشباب في هذه المواسم ليمارسوا مهمة البيع والمناداة وعرض السلع، منصة تسوق يظهر فيها حضور أبناء البلد أنفسهم في إدارة عمليات البيع والمناداة، وعرض منتجاتهم في شغف وحماس ونشاط، ورغبة في العطاء، ومزاجية عالية، وروح معطاءة منذ الصباح الباكر، تعبير عن عطاء الشباب المتجدد، وحضور الكبار النماذج والقدوات، ودخول الصغار الواعد وعدم ترفعهم جميعا عن البيع والمناداة وعرض السلع، وتسويق المنتجات، واستغلال أكثرهم لموسم هبطات العيد في أن يكون لهم بصمة حضور في الهبطة، لما يظهر فيها من فرص أكبر للبيع، وارتفاع القوة الشرائية في الهبطات من داخل ولايات المحافظة والمحافظات الأخرى، وعليه يؤسس دور التعليم في تأصيل هذه الموجهات في حياة الناشئة مساحة احتواء وفرص أكبر يقوم خلالها التعليم بتقديم نموذج عملي في تعظيم هذا المسار في حياة الطلبة وعبر برامج التوعية والتثقيف والزيارات الميدانية وتنفيذ برامج محاكاة لهبطات العيد على مستوى المدارس وغيرها مما يعطي صورة تفاؤلية أكثر تعبيرا عن دور التعليم في بناء جسور التواصل مع الموروث الشعبي الاجتماعي والمحافظة على إشراقته وتعظيم قيمته المضافة في فقه الطلبة.

Your Page Title