خاص-أثير
خَلصتْ دراسة تحليلية عن قَصدِيَّة النَّص في خِطابات جلالة السلطان هيثم بن طارق بن طارق -حفظه الله ورعاه- إلى أن هناك مواءمة بين المُعجم اللغوي المُوظَّف في السياق مع قصدية الخطاب وظروفه، ووجود اتساق بين المدة الزمنية للخطاب والرسالة التواصلية التي سعى مُنْتج النص إلى إيصالها، وأيضًا هناك أثرٌ لسياق الخطاب وظروفه في اختيار أزمنة الأفعال، فقد شكَّلتْ الأفعال المضارعة حضورًا لافتًا في السياقات التي تتحدث عن مسيرة بناء عُمان والخطط المستقبلية، ولم تَردْ أفعال الأمر في خطابات السلطان هيثم إلا في آية قرآنية واحدة.
واعتمدتْ الدراسة التي أجراها د. زاهر الغسيني أستاذ مُشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة السلطان قابوس والباحثة تسنيم الحسنية على النظرية التداولية مَنهجًا؛ إذ ركزت على الجانب الضمني للخطاب، وقصدية المتكلم، ومدى تأثير الأفعال في المتلقي المُمثَّل في المجتمع العماني، ثم رصد إحصائي للأفعال المُتكررة في الخطاب.
ووفق قراءة “أثير” لها؛ فقد توصلت الدراسة إلى تسع نتائج رئيسة هي:
1. ارتباط المعجم اللغوي المُستخدم في الخطابات مع قصدية الخطاب، وسياقه، وظروفه.
2. أظهر توظيف الجُملة الفعلية البُعدين النفسي والوجداني اللذين سعى جلالة السلطان إلى تكريسهما في المجتمع العُماني من خلال الوعي بالمسؤولية الوطنية والشراكة المجتمعية وتحقيقهما واقعيًا.
3. أثَّرَ سياق الخطاب وظروفه في اختيار أزمنة الأفعال وتوظيفها القصدي في خطابات جلالته؛ إذ كثرت الأفعال الماضية في سياقات وصف أحداث ماضية، سواء في التعبير عن مشاعر الأسى والحزن بعد وفاة السلطان الراحل طيَّب الله ثراه، أم في الحالة المدارية (شاهين)، ثم هَيمنتْ الأفعال المضارعة التي كان لها حضورٌ واسعٌ، إذ جاءت في السياقات التي تتحدث عن مسيرة بناء عُمان، والخطط المستقبلية.
4. لم تردْ أفعال الأمر على وجه الإلزام والاستعلاء في خطابات جلالته إلا في آية قرآنية وظفها جلالته بغرض الدعاء في استفتاح خطابه بتاريخ 23 فبراير 2020م، ويرى الباحثون في هذه الدراسة أن قصدية الخطاب لا تُحتم استخدام أفعال الأمر، إذ إنها مرحلة انتقالية، ورسالة السلطان هيثم بن طارق إلى المجتمع العُماني تنبثق من البُعد الوجداني نحو المحافظة على المنجزات، وترسيخ المواطنة الصالحة، وإشعار العُماني بواجبه الوطني الذي ينطلق من شعوره النفسي بقيمة الأرض بعيدًا عن مبدأ الإلزام والإكراه.
5. تنوَّعتْ الجُمل الفعلية في خطابات جلالته بين جُمل فعلية بسيطة يحمل أغلبها فعلًا واحدًا (وبدأنا نُكْمِلُ لكم ومعكم طريقَ النماءِ والازدهار)، وجُمل متتابعة بأفعال متجاورة تُعطي الخطاب إيقاعًا حركيًا يُسرع وتيرة الجُملة، ويتميز بالتكثيف الدلالي والاختزال اللغوي في المعنى: (فَلْنَعْتزّ بِهَوِيَتِنَا وجَوْهَرِ شخصيتِنَا، ولِنَنْفَتِحْ على العالَمِ في توازنٍ ووضوحٍ)، تبني ولا تُهدم، تُقرب ولا تُبعد)، ممَّا جعل الخطابات نصًا مُتحركًا يسهل وصوله للمجتمع العُماني.
6. أسهمتْ قصدية الخطابات السلطانية في التوظيف السليم لحرف التسويف والاستقبال (السين) دلالة على الاستقبال مقارنة بتوظيف (سوف): “سوف يشهد الاقتصاد خلال الأعوام الخمس القادمة”، (وسنتابع بصفة مستمرة مستوى التقدم في هذا النظام الإداري)، (وستحظى هذه المنظومة برعايتنا الخاصة بإذن الله)، (سنحرص على توجيه جزء من عوائد هذه السياسات المالية إلى نظام الحماية الاجتماعية).
7. كشفَ تحليل المدة الزمنية للخطابات أن هناك اتساقا ومواءمة بين مدة الخطاب الزمنية والرسالة التواصلية التي سعى مُنتج النص إلى إيصالها، لهذا تباينت المدة الزمنية بين خطاب وآخر وفقًا لسياق الخطاب، وظروفه، والأحداث المُحيطة به.
8. مَثَّلَ التكرار في الخطابات أداة فاعلة أدَّت إلى تسلسل الخطاب وسهَّلَ الانتقال من فكرة إلى أخرى، وكان للتكرار أغراض منها التأثير في المجتمع العُماني، ولفتُ انتباهه لمضمون الخطاب وقصديته.
9. جاءت صيغ النداء في الخطابات بصيغة حذف أداة النداء، سواء مع المُنادَى المضاف: (أبناء عُمان الأوفياء)، (أبناء عُمان الأعزاء)، (أبناء عُمان المخلصين) بعدد (9) مواضع، أم حذف (يا) و(أيها) معًا: (المواطنون الأعزاء)، (المواطنون الكرام) بعدد (3) مواضع، أم حذف أداة النداء “يا” مع (أي)، ووصف المنُادى بصفتين مُحددتين (الكرام، الأعزاء): (أيها المواطنون الكرام)، (أيها المواطنون الأعزاء)، وفي هذا دلالة ذات بُعد نفسي لقُرب العلاقة بين السلطان وشعبه الوفي.
يُذكر أن الدراسة استقرأت خمسة خطابات لجلالة السلطان هي:
11 يناير 2020م: خطاب تولي جلالته مقاليد الحُكم خَلفًا للسلطان الراحل قابوس بن سعيد طيَّب الله ثراه.
23 فبراير 2020م: الخطاب الأول بعد نهاية فترة الحداد على وفاة السلطان قابوس بن سعيد طيَّب الله ثراه.
18 نوفمبر 2020م: خطاب العيد الوطني الـ (50) المجيد.
11 أكتوبر 2021م: خطاب الحالة المدارية (شاهين).
11 يناير 2022م: خطاب ذكرى تولي جلالته مقاليد الحُكم في البلاد.
