أثير- د. محمد بن حمد العريمي
وثيقتنا في هذا التقرير عبر “أثير” هي وثيقة عمانيَّة، أُخذت من أرشيف وثائق (علي بن عيسى الزدجالي) والذي يتضمن الآلاف من المراسلات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية، وتأتي أهميّته في أنه يسلّط الضوء على جانبٍ مهم من التاريخ العماني وبالأخص خلال القرن العشرين.
وتحوي الوثيقة رسالة موجّهة من شخص يُدعى محمد -ولم نتمكن من قراءة الاسم كاملًا- وقد يكون محمد بن سليمان، إلى الشيخ علي بن عيسى الزدجالي بتاريخ 17 صفر 1371هـ الموافق 17 نوفمبر 1951م، وفيها يشير إلى ظهور كائن بحري غريب قد يكون أحد أنواع الحيتان، بالقرب من ساحل الخابورة، وله جناحان كأجنحة الطير، وفم طويل، وأنياب حادة، وطول هذا الكائن 36 ذراعًا، وعرضه سبعة أذرع، وقد أثار استغراب الناس وهلعهم، وأنه تم إطلاق حوالي (70) طلقة بندقية عليه دون أن تتمكن من قتله.
ثم يشير كاتب الرسالة إلى أن هذا الكائن قد ظهر في اليوم التالي في منطقة تُدعى (الخويرات) حيث جرفته الأمواج إلى الساحل ميتًا من أثر ضربات الرصاص، وأن عددا من تجار البانيان القادمين من السويق قد التقطوا صورًا له، ثم أرسلوا بعضًا من لحمه إلى الهند لغسله وتصفيته:
وهنا نص الوثيقة:
“إلى حضرة الشيخ المكرّم الثقة الفاضل الحاج علي بن عيسى بن خميس المحترم حرسه الله تعالى.
سلام عليكم وإني أحمد الله إليكم. أما بعد فإني أكتب لكم نبذة عن غريبة وقعت بأطراف الباطنة وذلك أنه في أوائل هذا الشهر الجاري خرجت دابة عظيمة من البحر، ولما اقتربت من ساحل البر من بندر الخابورة ابتهر الناس منها وعمّ الصريخ في البلد وارتابوا منها، ولها جناحين كأجنحة الطير وفم طويل وأنياب حِداد، وطولها ستة وثلاثون ذراعًا، وعرضها سبعة أذرع وزيادة، وارتفاعها في العلوّ قدر قامة الانسان الطويل، فرموها بالبنادق أكثر من سبعين ضربة فلم تقتلها، فرجعت عائمة في البحر، وفي اليوم الثاني ظهرت على ساحل البحر شرقي الخابورة في موضع يسمى (الخويرات) مستوهنة من الفعال، وساحت على البر ميّتة والدم منسكب منها شيء كثير، فأتوها وقطّعوا شيئًا من لحمها ليعتبروه في النار، فالتوى، وكلما قطع منها شيء التحم ثم انفتقت وسُمِعَ لانفجارها دويّ من بعيد، فسار إليها البانيان تجّار السويق وأخذوا عكسها وأرسلوه إلى الهند للغسل والتصفية (يخلق الله ما يشاء).
هذا ما لزم بيانه بوقته والباري يحفظكم والسلام عليكم.
حرّر في 17 صفر 1371هـ”
يُذكر أن الشيخ علي بن عيسى بن خميس الزدجالي من الشخصيات الصورية البارزة خلال القرن العشرين، حيث برز في عدة مجالات كالتجارة والملاحة وعلوم الدين والتاريخ، ومن أبرز مجالاته التي تميز فيها دوره قبل عصر البريد والهاتف في تنظيم الاتصال وتبادل المعلومات والوثائق والأموال بين الناس، وقد احتفظ بمجمل الرسائل التي تلقاها وبلغت 22 ألف رسالة، وما يزال كثير منها محفوظًا إلى الآن، وهي تقدم صورة دقيقة عن الحياة في منطقة الخليج في القرن العشرين، وله مخطوط كتاب “الحاوي”، دوَّن فيه مذكراته وملاحظاته، وكانت تصله الصحف والمجلات العربية بانتظام. ويُنسب إليه أنه أول من دخل ولاية صور بسفينة غير شراعية، وأول من أدخل المذياع إليها.
المراجع
-مجموعة مؤلفين. “دليل أعلام عُمان”، جامعة السلطان قابوس، 1991م.
-أرشيف وثائق الشيخ علي بن عيسى الزدجالي.