الأولى

“مفارقةٌ غريبةٌ” حدثت في تخصصها: ملامح من مسيرة سعادة د.جوخة الشكيلية المتميزة في التعليم

سعادة الدكتورة جوخةَ الشكيلية، الرئيسة التنفيذية للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم

أثير - ريما الشيخ

أحيانًا نتمنى أن نمرّ بطريقٍ يقودُنا لأحلامنا، لكن الطريق نفسه يأخذُنا لنجاحٍ آخر لم نتخيَّلهُ، فالنجاحُ طريقٌ يأتيك ليُلبّي طموحك ويُحقِّق أهدافك.

هذا ما عاشتهُ سعادة الدكتورة جوخةَ الشكيلية، الرئيسة التنفيذية للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، التي لم يكن طريقها مُمهَّدًا نحو القيادة في مجال التعليم، بل مر عبر تجارب مختلفة ومفارقاتٍ شكَّلت شخصيتها المهنية والأكاديمية.

برزت وتميَّزت عن غيرها بحبها للتطوير والتحسين والتفكير بشكل مختلف بعيداً عن النمطية، وكرَّست الكثير من جهدها للنهوض بالأفكار التي تُواكب التعليم في العالم، فكان هدفُها الوصول لأرقى مراحل التعليم في بلادنا.

وفي كل مسيرة نجاح، هناك محطات تشكل منعطفاتٍ حاسمة، فولدت سعادة جوخة الشكيلية في ولاية نزوى، حيثُ تلقت أولى سنوات تعليمها الأساسي، قبل أن تنتقل مع أسرتها إلى مسقط في سن مبكرة بسبب ظروف عمل والدها-رحمه الله، ومع انتهاء المرحلة الثانوية، كانت تطمحُ لدراسة التربية، إلا أن الأقدار وجهتها نحو إدارة الأعمال في جامعة السلطان قابوس، حيث تصفُ سعادتها في هذا الانتقال بأنه “مفارقةٌ غريبةٌ” بين ما كانت تطمح إليه وما قدره الله لها، مُشيرةً في حديثها لـ “أثير” إلى أن شغفها الأصلي كان في التعليم، لكن إدارة الأعمال أثرت في تفكيرها وجذبتها، حتى أصبحت تؤمن بأن هذا التخصص “جواز عبورٍ لأي تخصص آخر “.

ورغم أن رغبتها الأولى كانت في دراسة التربية، إلا أن الشغف بإدارة الأعمال نما تدريجيًا لديها خلال دراستها الجامعية، حيثُ أدركت أهمية هذا المجال وأثره في جميع جوانب الحياة، فبعد تخرجها من الجامعة، قررت استكمال تعليمها العالي، لتحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، ثم الدكتوراة في مجال التربية، حيث كانت أطروحتها البحثية تدور حول تدويل التعليم العالي ودوره في تجويد المنظومة التعليمية.

الرحلة المهنية للشكيلية لم تبدأ في التعليم العالي فورًا، بل انطلقت في القطاع الخاص لفترات قصيرة، وبعد تلك التجربة، التحقت بالعمل في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيثُ قضت ما يزيد على 22 عامًا فيها تقلدت خلالها مناصب مختلفة، وتدرجت في السلم القيادي في مجال ضمان الجودة, فكانت من مؤسسي مجلس الاعتماد (الهيئة حالياً) حيث ترأست أمانته الفنية، ثم أسست دائرة ضمان الجودة بالوزارة وكانت أول مديراً لها، وصولاً إلى قيادة أهم القطاعات التعليمية الحيوية من خلال منصبها كمدير عام للجامعات والكليات الخاصة. قادت عدد من المشروعات الإستراتيجية في التعليم من بينها بناء النظام الوطني لإدارة جودة التعليم، والاستراتيجية الوطنية للتعليم ٢٠٤٠، والمشاركة ضمن فريق اعداد رؤية عمان المستقبلية ٢٠٤٠، ومثلت المرأة العمانية في عدد من المحافل الإقليمية والدولية، وتصف تلك الفترة بأنها كانت غنية بالتحديات التي صقلتها كقائدةٍ في مجال التعليم.

ومنذُ توليها منصبها كرئيسة تنفيذية للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، ركزت سعادتها على تطوير نظام جودة التعليم في سلطنة عُمان وتحسين جودته من خلال عدد من المبادرات والمشاريع، ولعل أبرز تلك المبادرات كانت تطوير النظام الوطني لجودة التعليم المدرسي بشقيه الحكومي والخاص والذي من المتوقع تدشينه قريباً، إلى جانب تحديث عمليات الاعتماد المؤسسي لمؤسسات التعليم العالي، وتدشين عمليات الاعتماد البرنامجي، وإطلاق “الإطار الوطني للمؤهلات”، وهو مشروع وطني مهم يسعى إلى تصنيف المؤهلات الوطنية ومعايرتها عالمياً، حيث قالت لـ “أثير”: تحقيق الاعتراف بجودة التعليم في السلطنة عالميًا هو هدفنا الأساسي ومنه تنطلق رؤية الهيئة، وأكدت بأنها تطمح لترى مؤسساتنا التعليمية سواء في التعليم العام أو التعليم العالي تحقق أعلى المعايير، وتثبت كفاءتها وقدرتها على التنافس عالمياً، مع الاحتفاظ بثوابتها وهويتها العمانية.

شددت سعادتها على أهمية التحول الرقمي في تسهيل إجراءات العمل وتعزيز كفاءة المؤسسات التعليمية، مشيرةً إلى ضرورة تبسيط الإجراءات الحكومية بما يتماشى مع التحولات التقنية المتسارعة عالمياً، مؤكدةً أنها تعمل مع فريق الهيئة على تحقيق هذه الرؤية.

ولم تتوقف إسهامات سعادة د.جوخة الشكيلية عند حدود المناصب التنفيذية، بل تعدتها لتشمل رؤيتها لدور المرأة في التعليم العُماني، حيث مثلت المرأة العمانية في العديد من المحافل الإقليمية والدولية، مؤكدةً بأن المرأة كانت وستظل أحد أعمدة بناء النظامِ التعليمي في سلطنة عمان،قائلة: إن ربات البيوت، المعلمات، الأكاديميات، وحتى القائدات في قطاع التعليم، كلهنَّ يُسهِمن بصورة فاعلة بشكل أو بآخر في رفعِ جودة التعليم وتطويره.

كما أعربت عن فخرها بالقيادة النسائية في السلطنة، حيثُ تتقلد النساء مناصب قيادية في مختلف قطاعات التعليم، مؤكدةً أن المرأة العمانية تشكلُ اليوم “القلب النابض لأهم القطاعات الخدمية في عُمان كقطاعي التعليم والصحة”، وهي قادرةٌ على تحقيق الكثير من الإنجازات بفضل الدعم الكبير الذي تحظى به من الحكومة.

وفي عام 2020م، كُرِّمت سعادة جوخةَ الشكيلية ضمن خمسين شخصية عُمانية من قبل السيدة الجليلةِ حرم السلطان هيثم بن طارق -حفظهما الله ورعاهما- حيث وصفت سعادتها تلك اللحظةَ بأنها “لحظة استثنائية”، مشيرةً إلى أنها لم تكن تعلم مسبقًا عن التكريم، مما جعلَ اللحظةَ أكثر تأثيرًا، حيث قالت: هذا التكريم حملني مسؤوليةً كبيرةً وجعلني أشعرُ بأن ما قدمتُه للوطن حتى الآن ما هو إلا بداية لمسيرة أطول في خدمة هذا الوطن“.

بالنسبةِ لسعادة جوخة الشكيلية، فإن التكريم لم يكن نهاية للإنجازات، بل بداية لمرحلة جديدة من العطاء والمسؤولية، معتبرةً أن الوطن يستحق دائمًا المزيد، وتؤمن بأن “الوطن أعطانا الكثير”، وأن رد الجميل يتطلبُ بذل المزيد من الجهد والعطاء المستمر.

ورغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها سعادة جوخة الشكيلية، ما تزال تطمح إلى تحقيق المزيد في مجال تطوير التعليم وضمان جودته، فذكرت: الطموح لا يتوقف، فكل محطة في حياتي المهنية كانت فرصة لتطوير نسخة أفضل من نفسي، وأرى أن التحديات القادمة في قطاع التعليم تتطلب عملًا دؤوبًا وتعاونًا مستمرًا بين جميع الأطراف لتحقيق رؤية التعليم في سلطنة عُمان.

وأكدت سعادتها خلال ختام حديثها مع ”أثير“ بأن التعليم هو أساس التنمية في أي مجتمع، وأن العمل على تطوير النظام التعليمي يجب أن يكون مستمرًا لتحقيق تقدم مستدام للمجتمع العُماني، مشددة على أهمية الابتكار في أساليب التعليم والتدريس، وجعل النظام التعليمي أكثر جذبًا للأجيال القادمة.

Your Page Title