أثير - جميلة العبرية
في مشهد يجسد عظمة الأوطان وامتداد جذورها في أعماق التاريخ، تحتفي سلطنة عُمان الغالية بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد. ليس الاحتفال مجرد مناسبة وطنية فحسب، بل هو تجسيد لمعاني السيادة والوحدة الوطنية. وبين زخم الفعاليات المتنوعة، تبرز العروض العسكرية كأحد أبرز مظاهر الاحتفال، حيث تحمل في طياتها رسائل عميقة تتجاوز الأطر المحلية لتصل إلى آفاق دولية، فتجدد شعور المواطنين بالفخر وتروي فصولًا من تاريخ طويل صاغته الشجاعة والتضحيات.
عن رمزية العروض العسكرية ودلالتها، أوضحت الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية، الأكاديمية والباحثة التاريخية، في حديثها لـ”أثير”، أن العروض العسكرية خلال الاحتفال بالعيد الوطني تمثل مرآة تُبرز التاريخ العسكري العريق للسلطنة. فهي تجسد العلاقة الوثيقة بين التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد، حيث أصبحت منذ انطلاق النهضة العُمانية الحديثة عام 1970م بقيادة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- رمزًا حيًا لتطور الأجهزة العسكرية والأمنية وتجسيدًا للروح الوطنية الواحدة.
وأشارت النبهانية إلى أن هذه العروض تحمل رمزية عميقة تعكس السيادة الوطنية من خلال استعراض القوة العسكرية والقدرات التكنولوجية المتطورة، مما يعزز الثقة بقدرة السلطنة على حماية مصالحها والدفاع عن أراضيها. كما أن هذه العروض تتجاوز الجانب العسكري لتعزز التلاحم المجتمعي، إذ يشارك فيها الرجال والنساء من مختلف الفئات العسكرية، ما يجسد وحدة المجتمع تحت مظلة الهوية الوطنية.
وأضافت أن هذه العروض تُعيد إحياء ذكريات الانتصارات والتضحيات التي ساهمت في بناء هذا الوطن. على سبيل المثال، فإن مشاركة الفرق الوطنية في العروض العسكرية بعد انتصار ديسمبر 1975م أكدت أهمية الدور الذي لعبته في تحقيق السلام وتعزيز الهوية الوطنية. اليوم، تستمر هذه العروض كصلة تربط بين الماضي والحاضر، مما يعكس أهمية التضحيات التي بُذلت للحفاظ على سيادة السلطنة واستقرارها.
وعن المشاركة المميزة لهذا العام، لفتت النبهانية إلى أن حضور القوات الخاصة في العروض العسكرية أضفى بُعدًا جديدًا يُبرز رسالة مزدوجة للداخل والخارج. داخليًا، ترمز هذه المشاركة إلى الطمأنينة والاستقرار، مؤكدًا قدرة السلطنة على حماية أمنها الداخلي. أما خارجيًا، فتحمل رسالة ردع واضحة لكل من يحاول العبث بأمن سلطنة عمان، مشددة على جاهزية القوات المسلحة بكافة تشكيلاتها للدفاع عن سيادة البلاد.
وأوضحت أن العروض العسكرية تمثل وثيقة بصرية حية تسجل مراحل تطور العقيدة العسكرية لسلطنة عمان، حيث يمكن للمؤرخين والباحثين استقراء التطورات العسكرية من خلال الأزياء والمعدات المستخدمة في هذه العروض. كما أن الطابع الثقافي لهذه العروض، الذي يجمع بين التراث العُماني والحداثة، يعكس صورة سلطنة عُمان كدولة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وأكدت النبهانية أن هذه العروض تسهم أيضًا في تعزيز الوعي الوطني وتعريف الأجيال الجديدة بتاريخ القوات المسلحة ودورها في بناء الهوية الوطنية. فهي تُبرز قيم الشجاعة والتضحية والولاء للوطن، مما يعزز الشعور بالفخر بالإنجازات الوطنية، ويعكس تلاحم المواطنين من مختلف الفئات في الاحتفال بتاريخهم المشترك.
واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن العروض العسكرية في السلطنة تمثل توازنًا بين احترام التقاليد العريقة والانفتاح على مقتضيات العصر الحديث. فهي تُظهر احترامًا للتراث الوطني عبر الأزياء والموسيقى العسكرية التقليدية، وفي الوقت ذاته تسلط الضوء على التطورات التكنولوجية والمعدات الحديثة، مما يُبرز مكانة السلطنة كدولة ذات تاريخ عريق وقدرة عسكرية متطورة.
وبمناسبة العيد الوطني الرابع والخمسين المجيد، وجهت النبهانية تهانيها القلبية إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وإلى الشعب العُماني الكريم، داعية الله أن يديم على البلاد الأمن والأمان تحت ظل القيادة الحكيمة.
الصورة: الاحتفاء بالعيد الوطني الـ 51 المجيد