الأولى

يومٌ لا يُنسى في صور: قصة “السندباد الحديث” الذي قاد (فتح الخير) في رحلة عودتها الأخيرة

يومٌ لا يُنسى في صور: قصة “السندباد الحديث” الذي قاد (فتح الخير) في رحلة عودتها الأخيرة

مسقط-أثير

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

لم يكن يوم الجمعة 18 يونيو 1993م باليوم العادي في تاريخ مدينة صور الحديث، ذلك أنه هو اليوم الذي شهد عودة السفينة (فتح الخير) إلى مهد صناعتها الأولى، وهو اليوم الذي استعاد فيه العديد من الربابنة، والبحارة، وصنّاع السفن في صور ما تبقى من ذكرياتٍ جميلة مغلّفة بالمغامرة وحكاياتٍ كثيرة مع البحر وأهواله.

نصب تذكاري يتضمن معلومات عن السفينة فتح الخير

كانت السفينة الخشبية المصنوعة بحيّ الرشّة أحد أحياء صور العريقة في عام 1951م، وعلى يد واحد من أمهر مهندسي صناعة السفن ألا وهو محمد بن خميس بن علي الشقّاق العريمي، مملوكة للنوخذا المعروف سعيد بن علي بن خميس ولد شيلة القاسمي، وقامت بأول رحلة تجارية لها إلى البصرة، ومنها انطلقت في رحلاتها إلى موانئ الخليج والمحيط الهندي المختلفة، حيث تعاقب على قيادتها عدد من النواخذا المعروفين من بينهم: عبدالله بن راشد بن سعيد مهنا السناني، وسعيد بن مبارك العتيقي، وظلت تمارس نشاطها الملاحي حتى عام 1975 عندما تم بيعها لأسرة آل الجروان بدولة الإمارات العربية المتحدة، واختفت أخبارها كما اختفت أخبار العديد من مثيلاتها اللواتي كنّ يزيّنّ مداخل خور البطح كمناراتٍ عالية، وكشواهد على تاريخ طويل من حركة الأسفار ما بين صور وموانئ العالم القديم المختلفة.

وفي عام 1985م تم بيع السفينة لأحد تجار اليمن حيث سعت بين موانئ البحر الأحمر المختلفة، وفي عام 1992م شوهدت " فتح الخير" في ميناء دبي وهي محمّلة بالبضائع، ووصل خبرها إلى مدينة صور موطن صناعتها ونشأتها، فكان القرار الذي اتخذته المدينة، ألا وهو السعي إلى إعادة السفينة إلى مكان (وشارها) الأصلي لتكون شاهدة على ذلك التاريخ العريق الذي كاد أن يُمحى بعد إزالة بقايا السفن التي كانت راسية في الخور العريق، وبعد بيع مثيلاتٍ أخرى لفتح الخير.

صورة أرشيفية لفتح الخير وهي واقفة في أحد موانئ شرقي أفريقيا

بعد تشاور القائمين على موضوع عودة السفينة وتأكيدهم على ضرورة عودة السفينة، وقع الاختيار على أحد النواخذا البارزين الذين كانوا على قيد الحياة وكان وقتها قد تجاوز السبعين من العمر، كي يقوم بمهمة البحث عن السفينة وقيادتها في طريق العودة، ولم يكن اختيار ذلك النوخذا عن عبث، فقد كان من الربابنة المشهود لهم بالدراية والمعرفة بعلوم الملاحة، عدا عن كونه كان خبيرًا بالموانئ اليمنية وما حولها، حيث قضى فترة من حياته الملاحية يعمل كقبطان في عدد من السفن العاملة في اليمن وموانئ البحر الأحمر، بالإضافة إلى أن هذا النوخذا كان من القلائل الذين استمروا في مهنة الملاحة البحرية حتى نهاية حقبة الثمانينات الميلادية.

محمد بن ناجم الغيلاني

كان هذا النوخذا هو محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني الذي تحمّل عبء البحث عن السفينة " فتح الخير" وإعادتها إلى موطنها، وقد توفّق في مسعاه، وعثر على السفينة في أحد الموانئ اليمنية، وبعد الانتهاء من الإجراءات الإدارية المتعلقة بشراء السفينة، أبحرت “فتح الخير” بقيادة ربّانها الخبير عائدةً إلى صور يحملها الشوق، وتسرع بها اللهفة، واستغرقت رحلة العودة ستة أيام استقرت بعدها شامخةً على ذات الساحل الذي دشّنت منه، كنصبٍ تذكاري يذكّر أبناء المدينة وضيوفها بتاريخٍ بحريّ عريق متواصل على مدى قرون طويلة.

وثيقة الاتفاق مع صاحب السفينة الأخير على بيعها
السفينة فتح الخير تقف في مهد نشأتها الأولى

“أثير”، ومن خلال هذا التقرير تتبع سيرة هذا الربّان الذي قاد السفينة (فتح الخير) في رحلة عودتها، والذي يعد نموذجًا للربّان العماني التقليدي من خلال سيرته الحافلة، وتنقلاته العديدة بين الموانئ المختلفة التي جابها الملاحون العمانيون بحثًا عن لقمة العيش، ولنشر الثقافة العربية والإسلامية في أرجاء المحيط المختلفة.

هو (السندباد الحديث) الذي جاب الموانئ المختلفة وتنقّل فيما بينها، بل واستقر في عددٍ منها ناقلًا ثقافة مدينته ودولته في كل بقعةٍ يستقر فيها، هو (الصوري)، و(أسد البحر الأحمر) كما أُطلِق عليه أثناء عمله في موانئ ذلك البحر نظرًا لخبرته وتمكنه من فنون الملاحة المختلفة، هو الحجري أو (الحيري) كما أطلق عليه أبناء مدينته نظرًا لأنه كان يستقبل القوافل القادمة من بدية والمحملة بجواني البسور والليمون في طريقها إلى موانئ العالم المختلفة، حيث كان يستقبلهم ويسهّل مهام إقامتهم وبيع بضائعهم، هو الملاح الذي أبى أن يكلّ أو يمل أو يرضخ لحياة الراحة على الرغم من تحسن الأوضاع المعيشية بعد نهضة السبعين، بل آثر أن يتخذ من سفنه رفيقًا له ولم يفارقها سوى في السنوات الأخيرة من عمره وبعد إلحاح أبنائه الشديد عليه.

“أثير” إذ تقدّم هذا التقرير فإنها تتقدم بالشكر الجزيل إلى الفاضل عبدالله بن محمد بن حمد الغيلاني، ابن النوخذا صاحب التقرير، على دعمه لإعداد هذا التقرير من خلال المعلومات التاريخية القيّمة التي قدّمها، وأرشيف الصور الخاص بالأسرة، والمراجعة التاريخية للمعلومات الواردة في نص التقرير.

مولده ونسبه

هو محمد بن حمد بن ناجم بن عبدالله بن غابش المريجبي الغيلاني، ولد في مدينة صور في عام 1921م لأسرة ملاحية مارست الملاحة أبًا عن جد، وكعادة أبناء جيله فقد التحق بإحدى مدارس تعليم القرآن الكريم (الكتاتيب)، حيث كانت هناك عدد من المدارس المنتشرة في حارات المدينة المختلفة، وقد درس على يد أخت جدّته وهي المعلّمة سالمة بنت مسلّم بن حمد الكثيرية الغيلانية، حيث درس على يديها مبادئ القراءة والكتابة وبعض الحساب، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم قبل أن يترك المدرسة ليلتحق بوالده كي يرافقه في أسفاره ويتشرّب منه علوم الملاحة البحرية وأسرارها على عادة النواخذا الذين كانوا يأخذون أبناءهم في سنٍ مبكرة لتعلّم علوم البحر الذي كان هو مصدر الحياة لهذه المدينة البحرية بامتياز!

صورة أرشيفية للنوخذا محمد الغيلاني في الفترة الأخيرة من حياته

مرحلة التعلّم

سافر الفتى الذي لم يبلغ العاشرة بعد مع والده في إحدى سفن الأسرة وكانت تدعى (ولد جاريه) وهي من نوع البدن، وكانت من السفن ذات الصناعة المتينة والشكل الجميل حتى أن صانع السفن الشهير الأستاد ياقوت بن سليّم الغيلاني قد قال فيه قصيدة طويلة، من بين أبياتها:

لوحه فضّه ومسماره ذهب ... والعنبر الأصلي نصها شحنته

حيث سافر على متنه إلى عدد من الموانئ في الخليج العربي وموانئ المحيط الهندي المختلفة في الهند واليمن وشرقي أفريقيا، وهو ما يزال في مرحلة التعلّم واكتساب الخبرة الملاحية من خلال ملاحظة الأعمال التي تقام على ظهر السفينة، ومعرفة المصطلحات الملاحية المختلفة، وكيفية قياس المجاري والمطالع، وكيف تدار الدفّة، وعلميات إنزال وتحميل البضائع وحسابها، وغيرها من الأعمال التي ينبغي على الربّان تعلمها وإدراكها.

وخلال فترة تعلّمه، سافر النوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني برفقة والده عدّة أسفار، من بينها رحلة إلى جدّة لحمل الحجّاج الراغبين في أداء فريضة الحجاج من أفراد عائلته وغيرهم، حيث انطلقت السفينة من صور باتجاه سواحل حضرموت مرورًا بمرباط، ومنها إلى عدن، وعندما دخلوا البحر الأحمر في طريقهم إلى محطتهم الأخيرة في ميناء جدّة أعاقتهم ظروف مناخية قاسية أجبرتهم على التوقف في ميناء جيزان، حيث قام والده ببيع البدن ولد جاريه على أحد تجار جدّة، ومنها عادوا في سفينة مستأجرة إلى عدن، ومنها إلى صور حيث اشتروا كمية من البضائع قاموا بشحنها على متن إحدى سفن أهل صور.

ولأن النوخذا لا يمكن أن يظل بدون سفينة، فقد قام الوالد حمد بن ناجم بشراء سفينة أخرى بعد بيع السفينة السابقة، وكانت السفينة الجديدة تدعى (حفظ الرحمن) وهي ملك للنوخذا مبارك بن سعيد العلوي من أهالي العيجة في صور، وتم تجهيز السفينة في بداية الموسم حيث سافر النوخذا محمد بن حمد بن ناجم على متنها برفقة والده إلى البصرة محمّلين بأخشاب الكندل التي تم بيعها في موانئ قطر، والكويت قبل الوصول إلى البصرة التي اشتروا منها كميتهم المناسبة من التمور قبل العودة إلى صور استعدادًا للسفر إلى موانئ أخرى استكمالًا لموسم السفر الشاق الذي يستمر لحوالي ثمانية أشهر.

أول الطريق

بعد أن رست السفينة في ميناء البطح في صور بعد عودتها من البصرة، قرّر النوخذا حمد بن ناجم الغيلاني أن ابنه محمد قد اكتسب المهارات الكافية التي تمكّنه من استكمال مسيرته الطويلة وقيادة السفينة في الرحلات القادمة، فتنحّى عن قيادة السفينة في رحلتها القادمة إلى موانئ شرق أفريقيا وأوكل المهمة لابنه، وكانت تلك هي الرحلة الأولى التي يقودها كربّان بعد أن (استلم الدرك)، أو حصل على الشهادة التي تؤهله لقيادة سفينة شراعية كبيرة في رحلة طويلة في أعماق البحار!

سافر النوخذا اليافع سالكًا بالسفينة طريقها المعتاد مرورًا بموانئ عمان كمصيرة، والجازر، ومحوت، ومرباط، مرورًا بموانئ اليمن كالغيضة، وسيحوت، والحامي، ثم منها إلى موانئ الصومال كحافون، ومركا، ومقديشو، والخزائن، قبل المرور بممباسا ثم محطته الأخيرة في ميناء زنجبار حيث أفرغ حمولته من البضائع التي كان قد حمّلها من صور، ومن الموانئ المختلفة التي كان يمر بها مثل التمور، واللخم، والسمك المجفف، والنورة (بودرة الجبس)، ومن زنجبار توجه إلى (سيمبورانجه) لتحميل كمية من أخشاب الكندل التي تستخدم في تسقيف المنازل، وكانت من السلع الأساسية التي تجلبها السفن العربية خلال سفرها إلى موانئ شرق أفريقيا.

ومن المواقف الطريفة التي ارتبطت بهذه الرحلة أن والده وعلى الرغم من ثقته في قدرة ابنه على قيادة السفينة الشراعية في رحلتها الطويلة، إلا أن شعور القلق الخفي على ابنه كان يراوده، لذا قرّر التوجه إلى زنجبار على متن إحدى سفن الأسرة كي يطمئن على أوضاع ابنه، والتقى الاثنان في زنجبار ثم عادا معًا في رحلة العودة إلى صور حيث توقفوا في بعض موانئ اليمن لتنزيل بعض البضائع مثل قشر البن.

وفاة الوالد وتحمّل المسؤولية

بعد أن عاد النوخذا حمد بن ناجم وابنه محمد من رحلة زنجبار، قرّر النوخذا محمد بن حمد السفر منفردًا في رحلة البصرة مع بداية الموسم الجديد، حيث أخذ حمولة من خشب الكندل الذي كان قد جلبه في رحلته السابقة من زنجبار. كما شحن كمية من اللومي العماني وباع شحنته في موانئ الباطنة، والكويت، وأخيرًا في البصرة التي عاد منها بكمية من التمور البصرية المعروفة، وعند عودته إلى صور في استراحة قصيرة قبل مواصلة ما تبقى من رحلات الموسم التجاري الطويل، قرّر والده مرافقته في رحلته إلى ميناء ممباسا على متن السفينة (حفظ الرحمن)، وقرّر كذلك أن يأخذ معهم ابنه الأصغر سعيد كي يتدرب على فنون الملاحة البحرية ويعدّه لمساعدة أخيه مستقبلًا.

لم يكن النوخذا الصغير يدرك أن تلك الرحلة هي آخر عهده بوالده النوخذا الكبير الذي أصيب بمرضٍ ألزمه الفراش وهم في منتصف الطريق، ووافاه الأجل وهم قبالة ميناء مقديشو، وكانت الحرب العالمية الثانية وقتها في أوجّها، ومخاطر الملاحة عديدة، فاضطروا إلى غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في عرض البحر.

واصل النوخذا محمد بن حمد قيادة السفينة بعد وفاة والده يساعده أخوه النوخذا سعيد، حيث أكملت السفينة طريقها إلى ميناء ممباسا ومنه إلى ميناء زنجبار حيث بيعت حمولة السفينة من الأسماك المجففة، وظلوا لمدة عامٍ كامل يتنقلون بين موانئ شرق أفريقيا قبل أن يعودوا إلى ميناء صور في نهاية الموسم القادم حاملين العديد من البضائع والسلع مثل خشب الكندل، والسمن، والتوابل، والقرنفل، وغيرها.

الافتراق المؤقت

ظل الأخوان محمد وسعيد يعملان لبضعة سنواتٍ معًا على متن السفينة (حفظ الرحمن) الملقبة بالسوكة، متنقلين بين ميناءٍ وآخر حتى قررا في إحدى رحلاتهما إلى البحر الأحمر بيع هذه السفينة في ميناء جيزان، واختار كلٌ منهما مسارًا خاصًا به، فترك سعيد البحر واتجه إلى دولة الكويت للعمل هناك لفترة قصيرة قبل أن يعود إلى صور ومنها سافر إلى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية للعمل هناك أسوة بالعديد من الشباب العماني وقتها.

أما الأخ الكبير محمد فقد عاد إلى البحر، لكن في العمل كنوخذا متنقل (نوخذا بحر) على متن عدد من السفن التي كان أصحابها بحاجة إلى قبطان متمرس لقيادتها.

قيادة سفينة السلطان

بعد أن قام النوخذا محمد بن حمد بن ناجم ببيع السفينة (حفظ الرحمن) في ميناء جيزان، طُلِبَ منه قيادة إحدى السفن التي كانت مهداة إلى السلطان سعيد بن تيمور، حيث أبحر بها من صور إلى ظفار وكان السلطان موجودًا وقتها هناك، وبعد أن قام بتسليم السفينة عمل كنوخذا بحر (قبطان) متنقل بين عدد من سفن أهل صور، حيث كان بعض ملاك السفن يبحثون عن قباطنة أصحاب خبرة لقيادة سفنهم.

في جدّة

بعد أن عمل النوخذا محمد بن حمد الغيلاني كقبطان متنقل بين عدد من السفن الشراعية، قرّر ترك العمل في صور والسفر إلى موانئ البحر الأحمر وتحديدًا مدينة جدّة حيث كان ميناؤها يتمتع بحركة ملاحية دائبة نظرًا لموقعها المهم، وكونها كذلك ميناءً لمكة، وكان النوخذا محمد قد سبر أغوار بحر تلك المنطقة في فترة سابقة، وفي جدّة التحق بالعمل كقبطان في إحدى سفن أحد التجار من أسرة (البغدادي) وهي أسرة تجارية عريقة في جدة، وكانت السفينة التي يعمل عليها تدعى “الحجاز”، ومن جدة تنقّل الغيلاني بين عدد من موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي، ووصل إلى جيبوتي، وبور سودان، وعصب، ومصوّع، والحديدة، والمخاء، وغيرها من الموانئ التي لم تكن من بين الجهات المعروفة لدى العديد من النواخذة العمانيين والخليجيين، وبقى يعمل لدى أسرة البغدادي لمدة ست سنوات وعلى عدّة سفن وبواخر، اكتسب خلالها سمعة ملاحية واجتماعية كبيرة لدرجة أنه أطلق عليه لقب " أسد البحر الأحمر“، كما عرف بالصوري، وكان ملاك كثير من السفن الأخرى يثقون بخبرته ويطلبون من قباطنة سفنهم ألا يجازفوا بالسفر إلا بعد أن يسبقهم الصوري على الرغم أنهم من أبناء المنطقة!

خلال عمله على إحدى السفن في ميناء جدة

الاستقرار في جيزان

بحكم تنقله بين موانئ البحر الأحمر المختلفة، فقد حكمت الظروف على النوخذا محمد بن حمد بن ناجم أن يكون بعيدًا عن أهله وأسرته في صور، لذا فقد قرّر أن يستقر في جيزان كونها تتوسط الموانئ التي يتنقل بينها، وقد امتلك بيتًا هناك، كما تزوج من كريمة إحدى أسر المدينة، وكان موقع بيته مميزًا بالقرب من البحر، وظل البيت في ملكيته حتى انتقاله في فترة لاحقة إلى عدن حيث قرّر حينها بيعه خاصةً وأنه لم يرزق بأبناء من زوجته الجيزانية.

وخلال إقامته هناك، طلب من أفراد أسرته بعد قضائهم لمناسك الحج أن يقوموا بزيارته في منزله بجيزان، حيث ظلوا هناك لحوالي سنة كاملة، رزق خلالها أخوه سعيد بن حمد بابنه أحمد، وكان النوخذا محمد خلال تلك الفترة يتردد عليهم بين حينٍ وآخر نظرًا لانشغاله بعمله الملاحي.

ومن الحكايات الطريفة التي ترتبط بفترة استقراره في جيزان أنه كان خلال زياراته إلى صور يجلب معه كميات من الحلوى العمانية ويقوم بتوزيعها عند عودته على ضيوفه ومعارفه من أبناء مدينة جيزان الذين أعجبوا بها وتمنوا لو تمكنوا من معرفة سر صناعتها، وعندما زاره أفراد أسرته وظلوا معه لفترة سنة كاملة قاموا بصناعة الحلوى العمانية في منزلهم وكانوا قد أحضروا مقاديرها الأساسية المعروفة، وبعد ذلك تم عرض هذه الحلوى في محل تجاري بسوق المدينة تم استئجاره لهذا الغرض، وقام بعض من أهالي المدينة بتعلم صناعة هذه الحلوى، وما يزالون يصنعونها حتى الآن وتعرف لديهم بالحلوى الصورية.

صورة أرشيفية له خلال فترة الشباب

مرحلة عدن

كان النوخذا محمد بن حمد بن ناجم يتردد على ميناء عدن من فترةٍ لأخرى بحكم عمله كقبطان، وبحكم كون عدن ميناء رئيسا ومهما لسفن أهل عمان والخليج، وخلال عمله بين موانئ البحر الأحمر امتلك سمعةً حسنة كنوخذا قدير. كما كوّن العديد من العلاقات التجارية والاجتماعية، لذا فبعد أن ترك العمل في سفن أسرة البغدادي وبواخرها، استقر في عدن حيث عمل كوسيطٍ تجاري في مجال بيع السفن، وتجهيزها للسفر، وتخليص الإجراءات المتعلقة بها، وهناك، ونظرًا لعلاقاته، والثقة الكبيرة الذي كان يتمتع بها، طلب منه اثنان من كبار التجار اليمنيين وهما الشيخ عثيمان بن سعيد البابكري وأخوه الشيخ سالم بن سعيد البابكري، وكانا من تجار مدينة شبوه (مدينة تقع في جنوب اليمن) المعروفين، ومعهم شريك آخر هو ناصر بن سويدان، أن يشتري لهم سفينة كبيرة، وكانت المصادفة أن البوم (المرزوق) الملقّب بعبد الواحد ويعد وقتها من أكبر السفن الصورية وأشهرها، معروضًا للبيع في عدن من قبل مالكه السابق الشيخ ناصر بن سالم ولد عوشّه العلوي، وكان ذلك في عام 1962م، فاقترح عليهم شراءه نظرًا لسابق معرفته به، فطلبوا منه أن يعمل فيه كقبطان، فتم لهم ذلك، وتم تغيير اسم البوم إلى (الفوز)، وظل يعمل به كقبطان بعد أن قام بإضافة عدد من التجهيزات الحديثة به كرافعات البضائع، ومكينة لرفع المراسي، ومكينة دفع حديثة، كما زوّده بقمرة قيادة، وأدخل إليه خدمة الإنارة بالكهرباء، حتى عام 1965م تقريبًا، أي قبل نهاية عهد الاستعمار البريطاني بفترة بسيطة.

صورة أرشيفية له في أحد أسفاره البحرية وهو يرتدي الزي التقليدي

إلى الحديدة

نظرًا لانتقال مركز عمله من جدّة إلى عدن، ولأنه كان قد انفصل عن زوجته الجيزانية في بداية الستينيات، فقد قرر النوخذا محمد بن حمد بن ناجم أن يتزوج مرةً أخرى، ووقع اختياره على امرأة من إحدى أسر قرية اللّحية، وهي ميناء صغير يقع في حدود ميناء الحديدة، حيث كانت تربطه بأبناء تلك القرية علاقات اجتماعية وطيدة.

صورة أرشيفية له في إحدى مراحل حياته

وبعد إتمام الزواج بثلاثة أشهر انتقل الغيلاني مع زوجته وأهلها للعيش في مدينة الحديدة وكانت الميناء الرئيس لليمن الشمالي وقتها، فاختار موقعًا مناسبًا قرب البحر (مكان الكورنيش الحالي) لبناء منزله، حيث اشترى قطعة أرض هناك بتاريخ 19 يناير 1966، وشيّد عليها منزله الجديد، وكان ملاصقًا لأحد المساجد ويدعى مسجد ابن جميل، وقد اهتم طوال فترة إقامته بهذا المسجد، وأسهم في أعمال ترميمه وصيانته، وبعد وفاته قام أبناؤه بوقف بيته هناك للمسجد.

وثيقة شراء الأرض في مدينة الحديدة والتي أقام عليها منزله
وثيقة تحوي تعاملات تجارية خاصة بالنوخذا محمد الغيلاني تعود إلى نهاية الستيينيات من القرن العشرين

وترجّل السندباد

على الرغم من تبدّل الأوضاع السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج بشكلٍ عام منذ منتصف الخمسينيات، وسلطنة عمان بشكلٍ خاص مع مطلع النهضة المباركة عام 1970، وتخلّي العديد من النواخذة عن نشاطهم الملاحي السابق، والتحاق بعضهم بأعمال إدارية ثابتة، إلا أن السندباد الصوري أبى إلا أن يواصل مسيرته حتى آخر رمق، فعاد إلى مدينته صور كي يتخذ منها مركزًا لنشاطه خاصةً بعد فقدان البوم عبد الواحد في عام 1971، حيث عمل على سفينته التي اشتراها حديثًا وهي (جاد الكريم)، كما قام في مراحل قادمة بصناعة سفن جديدة مثل (الميمون)، و(جاد الكريم 2)، وقام بإسهامات وطنية عديدة، من بينها الإسهام في جلب مواد وسلع لها علاقة بالبنية الأساسية، كما أسهم في إعادة العديد من الأسر العمانية التي كانت مستقرة في بعض موانئ شرق أفريقيا.

اتفاقية تعاملات تجارية خاصة بالميمون تعود إلى عام 1979
وثيقة تحوي تعاملات تجارية مع أحد التجار العرب في ممباسا

ويمكن أن نعد النوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني وأخاه النوخذا سعيد بن حمد آخر القباطنة من أهالي مدينة صور الذين واصلوا عملهم الملاحي حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، وكانت قيادة السفينة (فتح الخير) في طريق عودتها النهائية إلى صور عام 1993 هي بمثابة مسك الختام لهذه المسيرة الطويلة التي امتدت لأكثر من ستين عامًا متواصلة امتزجت بملوحة البحر، وعرق الشمس وسط عالمٍ مجهول لا يعرف الفرد فيه مصيره مع كل موجةٍ ترتفع، أو عاصفةٍ تهب!

صورة أرشيفية تجمع كلًا من النوخذا محمد بن حمد وأخيه النوخذا سعيد بن حمد

ولأن من اعتاد حياة الأسفار المتواصلة لا يطيق البقاء دون عملٍ أو نشاطٍ دائب، فقد تعرض النوخذا محمد بن حمد الغيلاني إلى مرضٍ أقعده طريح الفراش لفترةٍ من الزمن قبل أن يغادر دنيانا ظهر يوم الأربعاء 14 يونيو 2006م عن عمرٍ يناهز الخامسة والثمانين من العمر، ثم لحقه أخوه سعيد بن حمد يوم الخميس 29 أكتوبر 2009م.

النوخذا محمد بن حمد بن ناجم أمام منزل ابنه عبد الله بن محمد وخلفه باب صوري تقليدي
صورة تضم ثلاثة أجيال متعاقبة من أسرة النوخذا محمد بن حمد بن ناجم

السفن التي امتلكها

عدا عن السفن التي امتلكتها أسرته مثل البدن ولد جاريه، والسفينة حفظ الرحمن، والسفينة المفرّح، فقد امتلك النوخذا محمد بن حمد بن ناجم وأخوه سعيد عددًا من السفن التي كانت تعد من السفن الكبيرة والمعروفة في صور وذات الحمولة الكبيرة، وقد امتلكوها في فترة الستينيات الميلادية وما بعدها، وهي الفترة التي شهدت تأثر الملاحة البحرية نتيجة ظهور فرص العمل في الخليج، وهجرة العديد من البحّارة للبحث عن فرص عمل أفضل، ومنافسة السفن التجارية الحديثة، الأمر الذي حدا بالعديد من ربابنة صور إلى بيع سفنهم الكبيرة وصنع سفن أصغر حجمًا تلائم الظروف الاقتصادية الحالية، وكانت أغلب تلك السفن تباع في اليمن، لذا فقد استغل النوخذا محمد بن حمد فرصة وجوده في اليمن أو في عمان فيما بعد لشراء بعض تلك السفن لسابق معرفته بها وبأصحابها. ومن بين تلك السفن التي آلت إليه بالشراء أو الصناعة:

السفينة المرزوق (عبد الواحد): من نوع البوم، وقد صنعها الوستاد ياقوت بن سليّم الغيلاني لحساب النواخذة حمد بن سالم بن مبارك الرزيقي وأخيه سعيد بن سالم، وكان يعد أكبر سفينة شحن في صور ووصلت حمولته إلى (350) طنا، وقد لقّب بعبد الواحد نظرًا لضخامة حجمه لدرجة أنه قيل: " عبد الواحد طوله وعرضه واحد“، وقد اشتراه النوخذا الشيخ ناصر بن سالم بن خميس العلوي قبل أن تؤول ملكيته في نهاية المطاف إلى النوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني.

ولشراء هذا البوم الكبير قصة، فقد حدث أن تم بيعه على أحد تجار اليمن الجنوبي، وقام النوخذا محمد بن حمد بقيادته لعدة سنوات حتى عام 1965م قبل أن يتوقف نشاط السفينة بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة وقتها، وحدث أنه في عام 1966م ومع اشتداد المعارك بين البريطانيين وبين الثوار، اضطر صاحبه إلى عرضه للبيع خشية أن تصادر الحكومة الجديدة السفينة خاصة وأنها تحمل توجهات يسارية واشتراكية، فتم عرضه على النوخذا محمد بن حمد الغيلاني الذي كان يعرف السفينة جيدًا ويعرف إمكاناتها، لكن لم يكن يمتلك المبلغ الكافي لشراء السفينة، وبسبب سمعته الحسنة بين أوساط المجتمع المحيط، فقد تمت الموافقة على شرائه للسفينة مقابل أن يقوم بسداد المبلغ المطلوب على دفعات، كما قام بعض التجار المحليين بتقديم دعم مالي عاجل له لاستيفاء قيمة الدفعة المقدّمة للشراء، وبعد شرائه للبوم قام بإعادة صيانته وتجهيزه للسفر ثم قام بشحن كمية من البضائع والسلع من ميناء عدن كالسمن، والورس، والحرير، والبهارات، والبن اليمني، والعسل، وزيت السمسم وغيرها، ثم انطلق متوجهًا به إلى صور حيث كانت مفاجأة سعيدة للعديد من أبناء المدينة الذين فوجئوا بالبوم الشهير يعود إلى مكان نشأته الأولى، وكان استقبالًا كبيرًا حظي به البوم ومالكه الجديد.

وقد ظل النوخذا محمد بن حمد بن ناجم يعمل على متن البوم عبد الواحد مستعينًا بأخيه النوخذا سعيد بن حمد الذي كان وقتها يعمل في الدمام بالمملكة العربية السعودية، حيث طلب منه العودة إلى صور للالتحاق بالعمل معه في السفينة الجديدة.

ونظرًا لجمال البوم وضخامة حجمه، فقد وضعت صورته على أوراق النقد الصادرة عن مؤسسة النقد للجنوب العربي خلال الستينيات من القرن العشرين.

عملات نقدية يمنية تحمل صور البوم الفوز (عبد الواحد)
عملات نقدية يمنية تحمل صور البوم الفوز (عبد الواحد)

وقد كانت نهاية هذا البوم الشهير مأساوية، حيث إنه في عام 1971 وبينما كان البوم راسيًا بخور دبي وقد شُحن بكمية كبيرة من الحديد والإسمنت في طريقها إلى عمان لتسهم في حركة النهضة المباركة وتشييد البنية الأساسية، أشار النوخذا محمد بن حمد الغيلاني بسابق خبرته الملاحية على المرشد البحري القائم على تنظيم خروج السفن من الخور، بأن مياه الخور ضحلة لا تكفي لعبور السفينة وأنه لابد من انتظار المد، إلا أن المرشد البحري أصرّ على إخراج البوم دون تأخير، مما أدى إلى ارتطام قاعدة البوم بالأرض وانقلابه على أحد جانبيه، ولم تجدِ كل المحاولات لإعادة تعويمه، وكانت تلك هي النهاية المؤلمة!

السفينة (المرزوق) وهي راسية في ميناء عدن

السفينة (حفظ الرحمن): وهي من نوع السمبوق، وكانت قد صنعت للنوخذا عبدالله بن راشد بن مبارك ولد فنه العريمي، وأشرف على صنعها الأستاد سالم بن خميس بن علي الشقّاق العريمي، وقد اشتراها النوخذا محمد بن حمد الغيلاني أثناء وجوده في عدن في ديسمبر من عام 1968 من وكلاء ملّاكها وهم النوخذا سعيد بن حميد بن راشد، والنوخذا خميس بن عبدالله بن راشد، وكانا قد وصلا إلى عدن لعرضها للبيع، وتم توثيق البيع في اليمن.

وقد تولى قيادة السفينة أخوه النوخذا سعيد بن حمد، يعاونه ابنه عبدالله بن محمد، وظلت السفينة تجوب الموانئ حتى تم بيعها على أحد تجار المهرة عندما كانت السفينة راسية في ميناء ممباسا الكيني.

صورة أرشيفية للسفينة (حفظ الرحمن) نقلًا عن كتاب صور مهد الملاحة البحرية
وثيقة بيع السفينة (حفظ الرحمن) في عدن بتاريخ 10 ديسمبر 1968

السفينة (جاد الكريم): من نوع (الغنجة) وتعد من السفن القديمة التي صنعت في صور في أوائل القرن العشرين، وكانت ملكًا للنوخذا خميس بن عبد الله بن محمد ولد مصبّح العريمي، وبعد سنوات من الإبحار ضمن أسطول الولاية التجاري اشتراها النوخذا سالم بن عبد الله بهوان، وواصلت رحلاتها، ثم آلت ملكيتها للنوخذا محمد بن علي بن خميس القاسمي، ثم بيعت للنوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني الذي اشتراها بعد أن انكسر البوم عبد الواحد في دبي، وكانت معروضة للبيع في مسقط، وظلت تعمل في الملاحة ونقل البضائع إلى نوفمبر من عام 1976، حين استعادها ملاكها الأصليون للاحتفاظ بها كتحفة بحرية بعدما اشتراها الشيخ خميس بن علي الحشار.

وبينما كانت (جاد الكريم) واقفة في خور صور انقلبت على جانبها الأيسر وانشطرت بسبب الرياح الشديدة التي تهب على صور عادةً في فصل الصيف، وذلك في عام 1985.

صورة أرشيفية للسفينة جاد الكريم وهي راسية في ميناء صور
طاقم السفينة جاد الكريم عام 1973

السفينة (الميمون): من نوع البوم، تبلغ حمولته حوالي (250) طنًا، وطوله (105) أقدام، وقد تم بناء هذا البوم في كاليكوت بالهند في عام 1975، وتم الانتهاء منه في عام 1976، وتم جرّه إلى صور حيث استكملت بعض لوازمه، ومنها إلى دبي حيث تم تركيب مكينة حديثة له، وظل يخدم لمدة خمس سنوات حيث تم بيعه في دبي بتاريخ السابع من فبراير 1981.

وثيقة السفينة (الميمون) تعود إلى عام 1976

السفينة (جاد الكريم 2): من نوع اللنش، تم صناعتها في عام 1984م بطلب من النوخذا سعيد بن حمد بن ناجم الغيلاني، وهي من السفن صغيرة الحجم، وأطلق عليها جاد الكريم تيمنًا بالسفينة السابقة التي كانت تمتلكها الأسرة وتحمل الاسم ذاته، وقد تم بيع هذه السفينة في نهاية عام 1986 تقريبًا.

السفينة جاد الكريم 2 تمارس نشاطها في خور البطح
ما تبقى من أدوات ملاحية امتلكها النوخذا محمد بن حمد الغيلاني
ما تبقى من أدوات ملاحية امتلكها النوخذا محمد بن حمد الغيلاني

مآثر اجتماعية

يمكن أن نطلق على النوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني لقب (السندباد الحديث)، حيث كان الرجل دائم التنقل من ميناءٍ لآخر، وكانت الهويّة الثقافية والاجتماعية العمانية حاضرة معه في المحطات التي يتنقل بينها، بل يمكن أن نعدّه سفيرًا لعمان في تلك المحافل، من خلال زيّه التقليدي، وتعامله الإيجابي مع الآخر، وحرصه على رفع العلم العماني أينما حلّت سفنه.

صورة أرشيفية للنوخذا محمد بن حمد في مدينة دبي مطلع السبعينيات

وفي هذا الصدد يذكر قائد إحدى سفن البحرية السلطانية العمانية أنه وأثناء رحلة عودته من بريطانيا إلى عمان بحرًا، وعندما توقفت السفينة في ميناء جيبوتي، فوجئ بالعلم العماني يرفرف خفّاقًا أعلى سارية إحدى السفن الراسية في الميناء، وبعد أن استفسروا عن السفينة علموا أنها تعود للنوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني الذي فرح بزيارتهم له، وقام باستقبالهم على متن سفينته وتقديم واجب الضيافة لهم.

جانب من لقاء صحفي أجرته معه جريدة (عمان) بعد عودة السفينة فتح الخير

كما كان الغيلاني حريصًا على توطيد روابطه الاجتماعية مع السكان المحليين خلال إقامته خارج عمان، فخلال إقامته في مدينة الحديدة قام بتمويل صناعة ثلاث سفن صيد وتجهيزهن بأدوات الصيد الحديثة، ثم قام بتسليمهن إلى عدد من الصيادين للعمل فيهنّ مناصفة، قبل أن يقوم ببيعهن على هؤلاء الصيادين بسعر رمزي مساهمةً منه في رفع مستوى المعيشة لديهم بحكم العلاقات الاجتماعية التي ربطته بهم.

كما أنه قام بالإسهام في كفالة أحد المساجد القريبة من بيته في الحديدة، وهو مسجد (ابن جميل)، حيث أسهم في أعمال ترميمه وصيانته، كما قام أبنائه بعد ذلك بوقف البيت الذي يملكه لصالح المسجد.

وكان بيته ومجلسه في المدن التي عاش بها خارج عمان مفتوحًا للقادمين من أبناء عمان بشكلٍ عام، وأبناء صور بشكلٍ خاص، القادمين إلى تلك الموانئ، حيث كان يستضيفهم في منزله طيلة فترة مكوثهم ويتبادل معهم أخبار الوطن والعالم والمستجدات الطارئة في مجال الملاحة البحرية.

كما كان أثناء وجوده في عدن، وبحكم علاقاته الاجتماعية المتشعّبة مع التجار والمسؤولين هناك، يقوم بتقديم التسهيلات لأصحاب السفن التي تواجه مصاعب جمركية أو إدارية معينة، أو تلك التي تتعرض لمخاطر ملاحية أو مناخية، أو أولئك الذين يتعرضون لمخالفات أو مسائلات قانونية نتيجة جهلهم ببنود بعض القوانين.

صورة أرشيفية تجمع النوخذا محمد بن حمد بن ناجم مع عددٍ من رفاق دربه من نواخذة صور

ويروى عنه أنه قام بكفالة أحد التجار العمانيين في أحد موانئ شرق أفريقيا الذين تعرضوا للاعتقال بسبب مخالفة قانونية، فما كان من النوخذا محمد بن حمد الغيلاني سوى أن قام بدفع كل ما لديه من مال وقتها في سبيل الإفراج عن ذلك التاجر!

جيلان زمنيان يتوسطهما جيلٌ ثانٍ. النوخذا محمد بن حمد وحفيده الغواص المعروف حاليًا عمر بن عبدالله بن محمد

المراجع

  • العريمي، ربيع بن عمبر. صور العمانية مهد الملاحة البحرية، الطبعة الأولى، مطبعة المها للطباعة والقرطاسية، مسقط، 2016.
  • الغيلاني، عبد الله بن محمد. مدونة مكتوبة عن سيرة النوخذا محمد بن حمد بن ناجم الغيلاني، بدون.
  • الغيلاني، عبدالله بن محمد. مقابلة شخصية في منزله، ولاية صور، الخميس 28 نوفمبر 2024.
  • الصور من أرشيف الفاضل عبدالله بن محمد بن حمد الغيلاني، كتاب صور العمانية مهد الملاحة البحرية، شبكة المعلومات العالمية.
Your Page Title