مسقط-أثير
إعداد: عبد العزيز بن عبدالله السعدي، باحث في التاريخ العماني
يعد القضاء مهنة شريفة، ووظيفة جليلة، قال تعالى " يا داؤد إنا جعلنــك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق“، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وعمل العلماء العاملين، رفع الله من مقامها، وأعلى مكانها، وكتب للقائم بها الأجر الكبير، والثواب العميم.
والمتتبع لسجل القضاء في عمان يجد كبار العلماء وفقهاء الشريعة هم الذين قاموا بهذا الواجب، فكان فيهم القضاة والولاة والأئمة، وسنتناول في هذا المقال عبر “أثير” سيرة أحد القضاة البارزين في التاريخ العماني الحديث، ألا وهو القاضي سعيد بن حمد الخروصي.
نسبه وتعليمه:
هو الشيخ سعيد بن حمد بن خميس بن سالم بن خلفان بن عبدالله بن عمر الخروصي. أما عن أصل قبيلة الخروصي فيذكر الشيخ السيابي عنها:" بنو خروص بن شاري بن اليحمد وهم من الأزد، وليس بنو خروص بحاجة إلى تعريف فهم حضيرة الإمامة بعمان، وبيت العلم والعمل، وهم في مصاف القبائل، ولهم وادٍ معروف يسمى بوادي بني خروص، والذي ينحدر من الجبل الأخضر“. وتجدر الإشارة بأن الشيخ سعيد يعود أصله إلى الخليل بن الشاذان بن الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي. فهم أئمة عمان في زمانهم.
ولد الشيخ سعيد ببلدة مشايق بولاية السويق، في محافظة شمال الباطنة، في عام 1330هـ/ 1912م، في زمن السلطان فيصل بن تركي بن سعيد، ونشأ وتعلم في بلدته مشايق على يد والده حمد، وكان جده خميس بن سالم زعيم قومه، وتميز بعلمه ومهابته، وله جهود إصلاحيه بين القبائل.
سافر الشيخ سعيد مع والده إلى شرقي إفريقيا لطلب العلم، فقد كانت الصلات الحضارية بين عمان وشرقي إفريقيا في أوجها، كما هاجر الكثير من أمثال القاضي سعيد إلى شرقي إفريقيا، حيث استقر الشيخ في بلدة كنداني التابعة لجمهورية تنزانيا حاليا، وتتلمذ على يد الشيخ أحمد بن محمد الهاشمي، واستفاد من الحلقات العلمية، والمكتبات الدينية والأدبية التي كانت تزخر بها شرقي أفريقيا في تلك الفترة.
عاد الشيخ سعيد إلى عمان وإلى بلدته مشايق ليستقر مدة من الزمن، ويعاود البحث عن طلب العلم مرة أخرى فيرحل إلى نزوى عند الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله، وبعض مشايخ نزوى، وتعلم الشيخ سعيد مبادئ القضاء عند الإمام الخليلي، كما درس الفقه، والعقيدة، ونظم الشعر.
العمل في القضاء
بدأ الشيخ سعيد الخروصي بالعمل في مهنة القضاء بصفة رسمية بعد تعيينه نائب قاضٍ لولاية السويق في زمن السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه عام 1977م، بعد ذلك عُين قاضيًا على ولاية الرستاق في عام 1979م، وفي عام 1981م انتقل إلى محكمة العوابي، ثم إلى صحم، وبعد ذلك الى السيب، ثم إلى عبري، وفي عام 1986م انتقل الى البريمي، ومكث بها إلى أن أحيل للتقاعد في عام 1993م، بعد مسيرة دامت قرابة 16 سنة، ودائما ما كان ينتدب لحل بعض القضايا رغم ارتباطه بالعمل في الولاية التي عُين بها، وهكذا ظل الشيخ سعيد متنقلا في الولايات العمانية ملبيًا نداء الوطن يقوم بواجبه الوطني في حل قضايا الناس.
لقد كان الشيخ سعيد رجلا حكيماً عارفًا بأحوال الناس، والقبائل وأنسابها، كما كان مقصد القريب والبعيد، وكان مجلسه لا يخلُو من مستفتِ في الدين، أو من متخاصمين، كما كانت له جوابات شعرية لبعض المسائل الفقهية التي ترد إليه.
وفاته
توفي الشيخ سعيد في عصر يوم السبت 24 محرم 1434هـ الموافق الثامن من ديسمبر عام 2012م، عن عمرٍ يناهز 100 عام.
المراجع:
- السيابي، سالم، إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان، منشورات المكتب الإسلامي، بيروت، 1965م، ص111.
- السيابي، عبدالله، معجم القضاة العمانيين، مكتبة خزائن الآثار، بركاء، سلطنة عمان، 2017م، ص331.
- مقابلة شخصية مع ابن القاضي سلطان بن سعيد الخروصي.