الأولى

قبل حوالي 118 سنة: عندما كاد المركب السلطاني أن يغرق قرب الأشخرة

نور البحر

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

شهدت سلطنة عمان العديد من الأحداث التاريخية المختلفة التي ما يزال بعضها راسخًا في أذهان من عاصرها أو عايشها، أو سمع عنها، ومن بين تلك الأحداث، ما يتعلق بالأنواء المناخية التي تتأثر بها سواحل عمان وترتبط لدى السكان بأحداث وذكريات تزل راسخة في أذهانهم.

ومن بين تلك الأحداث المرتبطة بالأنواء المناخية، ما حدث للمركب السلطاني (نور البحر) وهو مركب كان يملكه السلطان فيصل بن تركي ثم آل لابنه السلطان تيمور بن فيصل، وكان السلاطين وولاتهم يستخدمونه في التنقل ما بين الموانئ العمانية، وكذلك موانئ المنطقة وشرق إفريقيا.

وتعود الحكاية إلى أنه وفي نهاية عام 1906 وتحديدًا في شهر ديسمبر، وبينما كان (نور البحر) عائدًا من ظفار إلى مسقط حاملًا على متنه السلطان فيصل بن تركي وعددا من مرافقيه وحاشيته، حيث اعتاد السلطان فيصل على زيارة ظفار وقضاء بعض الوقت فيها، وكان قد سافر إليها في 15 نوفمبر 1906م برفقة عدد من الشخصيات من بينهم: ابنه السيد تيمور، والسيد علي بن سالم، وعبد الجليل الزواوي، وعبد القادر الزواوي، والوالي سليمان بن سويلم، والسيد حمد بن بدر، إذ تعرض المركب لعاصفة شديدة أثناء عبوره ساحل بحر العرب بالقرب من الأشخرة، وقد عانى ركّابه كثيرًا قبل الوصول إلى (خور جراما) بالقرب من رأس الحد، والذي كان يعدّ مرفأ طبيعيًا للسفن الشراعية وبالأخص خلال فصل الشتاء وذلك للحماية من الأنواء المناخية التي تصادفها وهي في طريقها من وإلى موانئ الخليج والهند وشرق أفريقيا.

فقرة تتناول رحلة السلطان من مسقط إلى ظفار في 15 نوفمبر 1906. مكتبة قطر الرقمية.

وقد اكتسب هذا الخور سمعةً طيبة في سلطنة عمان وخارجها نظرًا لموقعه الإستراتيجي ودوره الكبير في ازدهار تجارة عُمان ودول الخليج المجاورة، جعلت منه ومن نيابة رأس الحد منطقة ذات طابع حضاري تجاري مهم، حيث يتميز بطوله ودخوله مسافة كبيرة في اليابسة بعيدًا عن أمواج بحر عُمان، ما جعل السفن تقصده عند هيجان البحر بأمواجه العاتية وأثناء هبوب رياح الشمال الشديدة حيث تجد السفن في هذا الخور الأمان ويجد البحارة الراحة والطمأنينة على أنفسهم.

خريطة لخور جراما وخور الحجر في رأس الحد عام 1932. مكتبة قطر الرقمية
صورة حديثة نسبيًا لخور جراما. جريدة وجهات

وعلى عادة السلاطين في تقريب الشعراء والأدباء وأخذهم معهم في رحلاتهم وأسفارهم المختلفة، فقد كان من ضمن المرافقين للسلطان فيصل، الشاعران الكبيران أبو نذير محمد بن شيخان السالمي، وأبي الصوفي سعيد بن مسلّم المجيزي، اللذان كتب كل منهما قصيدةً تصف المشهد وتصوّر ما حدث، فكتب أبي الصوفي (القصيدة التاريخية في الرحلة الظفارية) في 149 بيتًا، رصد من خلالها التفاصيل الدقيقة لكل ما وقعت عليه عينه من مشاهدات عبر تجواله ذهابًا وإيابًا، وبدأها كالعادة بمدح السلطان فيصل، ومن ضمن أبياتها في وصف الحادثة:

فسرنا ونور البحر يكتب في الهوا ... بدخانه خطًا كما يكتب السطرُ

إلى أن حذونا بالأشاخر إذ بدا ... عمودٌ بناه الريح أو شاده العفرُ

بحادي هواع هبّت الريح ضحوةً ... وهاج عباب الماء إذ زمجر البحرُ

نسخة من مخطوطة ديوان أبي الصوفي. المكتبة الزنجبارية
نسخة من مخطوطة ديوان أبي الصوفي

أما ابن شيخان فقد وصف الحادثة في قصيدةٍ لامية تتكون من خمسة وخمسين بيتًا، استهلها بمقدمة غزلية، ثم وصف الحادثة وما جرى فيها، وتناول مشهد الإعصار العاصف الذي فاجأ ركاب اليخت بعد أن كان البحر هادئًا وساكنًا في بداية رحلة العودة، ووصف منظر السلطان معتليًا كرسيه، وبسالة السلطان في تقبّل ما حدث، ثم كيفية نجاتهم بعد وصولهم إلى (خور جراما).

يا نعم (نور البحر) كم من صدمةٍ ... في البحر زاحمها بصدرٍ لا يُفل

كم ظلمةٍ فيه استقلت فانجلت ... عن راكبيه بنوره يوم استقل

يهوي فيوشك أن يقبّل قعره ... طورًا ويعلو تارةً يبغى زحل

نسخة من مخطوط لديوان ابن شيخان
نسخة من مخطوط لديوان ابن شيخان

وعلى الرغم من أن أغلب المصادر التي أشارت إلى الحادثة وإلى القصيدتين السابقتين قد ذكرتا أن تاريخها هو الرابع من ذي الحجة عام 1324هـ الموافق 19 يناير 1907، إلا أنه وبالعودة إلى تقارير القنصلية البريطانية في مسقط خلال تلك الفترة، وتحديدًا الملف (مذكرات مسقط ١٩٠٥-١٩٠٧) المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم استدعاء IOR/R/15/6/350، والذي يحتوي على عدة أنواع من الوثائق تتضمن معلومات حول ظروف البلد، ووصول السُفُن ومغادرتها، وتحركات الممثلين البريطانيين، والمؤسسات التبشيرية، والطيران إلخ. ويتكون في أغلبه من تقارير أسبوعية تحتوي على الأخبار السياسية الرئيسية ذلك الوقت، رفعها الوكيل السياسي في مسقط إلى المقيم السياسي في الخليج العربي، نجد أن هذه الحادثة قد وقعت في شهر ديسمبر من عام 1906 وليس في يناير 1907، فقد أشارت بعض فقرات هذا الملف إلى عودة السفينة وما حدث لها، ففي التقرير الخاص بشهر ديسمبر 1906 وتحديدًا يوم 19 ديسمبر هناك إشارة إلى أنه تم إرسال عدد (2) من السفن الشراعية بحمولة من الفحم إلى السفينة (نور البحر) التي كانت وقتها في رأس الحد.

فقرة من فقرات الملف

كما تشير فقرة خاصة بأحداث يوم 21 ديسمبر 1906 إلى أن السلطان قد وصل إلى (خور جراما) بعد تعرض السفينة التي تقلّه لطقس سيئ، ومن المتوقع أن يصل إلى مسقط يوم الاثنين القادم.

فقرة من فقرات الملف

المراجع

  • “خور جراما.. أكبر الخيران وأهمّها في نيابة رأس الحد”، تقرير منشور في جريدة “وجهات” الإلكترونية، 19 أغسطس 2024.
  • مخطوط ديوان ابن شيخان السالمي، الناسخ: عبدالله بن حمود بن حامد الريامي المسقطي، المنسوخ له: محمد بن نور الدين السالمي، تاريخ النسخ: ٧ شعبان ١٣٩٨هـ.
  • المطروشي، حسن. “سلطان وشاعران .. في مواجهة الإعصار”، مقال منشور في جريدة عمان، 30 أكتوبر 2024
  • مكتبة قطر الرقمية، ملف بعنوان (مذكرات مسقط ١٩٠٥-١٩٠٧)، رقم استدعاء IOR/R/15/6/350،
Your Page Title