رصد - أثير
وسط أنقاض خان يونس، وبين مشاهد الخراب التي خلّفتها الإبادة الإسرائيلية، تجلس الشابة الفلسطينية ريهان شراب داخل خيمة بدائية، منشغلة بقصّ كراتين المساعدات الإنسانية وتحويلها إلى فوانيس رمضان. بيديها المنهكتين وأدواتها البسيطة، تحاول أن تبعث بصيص فرح في قلوب الأطفال النازحين، رغم شح الموارد وثقل المعاناة.
بمقصّ قديم، تقصّ ريهان قطع قماش استخرجتها من بين ركام المباني المدمّرة، تقيسها بعناية، ثم تلصقها على فوانيس ورقية، تضفي عليها ألواناً زاهية تُعيد للنازحين شيئًا من أجواء رمضان التي اعتادوا عليها قبل الدمار. هذه الفوانيس ليست مجرد زينة، بل رسالة صمود وسط ظلام الإبادة الإسرائيلية الذي استمرّ لأكثر من 16 شهرًا، حاصدًا أرواح أكثر من 160 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، فيما لا يزال أكثر من 14 ألف شخص في عداد المفقودين.
المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة عبر المؤسسات الدولية تحمل للفلسطينيين الضروريات الأساسية، لكنها بين يدي ريهان تتحوّل إلى مصدر فرح وسط المعاناة. تجلس لساعات طويلة في خيمتها، تصنع الفوانيس بأعداد كبيرة، تهدي بعضها للأطفال النازحين، وتبيع البعض الآخر لتأمين ما يمكن من احتياجاتها.
قبل الحرب، كانت ريهان تزيّن منزلها وحارتها بفوانيس رمضان، ناشرة البهجة بين جيرانها وأفراد أسرتها. أما اليوم، وقد دُمّر منزلها وسُلبت منها لحظات الفرح المعتادة، فهي تحاول أن تستعيد روح الشهر المبارك عبر هذه الفوانيس، التي تنير بها خيام النازحين، وتعيد الابتسامة إلى وجوه الأطفال الذين فقدوا ألعابهم وأحلامهم.
منذ خمس سنوات، كانت ريهان تصنع الفوانيس من الخشب، لكن اليوم، في ظل الحصار وما خلّفته الحرب، لم يعد الخشب متاحًا.
أمام هذا الواقع، وجدت ريهان نفسها تبحث بين الركام عن أي شيء يصلح لإعادة تدويره. استخرجت الأقمشة المناسبة من تحت الأنقاض، واستبدلت الخشب بكراتين المساعدات، مستعينة بخيوط الصوف لصنع فوانيس صغيرة تُضفي مزيدًا من التنوع على إبداعها.
تقول ريهان: “رغم الظروف الصعبة، أريد أن أُفرح أهل غزة، خاصة الأطفال. أواصل عملي رغم قلة الموارد، فأنا أبحث بين الركام عمّا يصلح لصنع الفوانيس، وأستخدم كراتين المساعدات لتكون مصدراً للنور في هذا الظلام”.
ريهان لم تعد تمتلك بيتًا تزيّنه بفوانيسها، لكنها تصرّ على أن تصنع الفرح ولو من قلب المأساة، مؤمنةً بأن هذا النور الصغير قد يكون كافيًا ليضيء شيئًا من عتمة غزة.
المصدر: حوار أجرته وكالة الأناضول مع الشابة الفلسطينية ريهان شراب