رصد-أثير
إعداد: مـحـمـد الـعـريـمـي
على مدار أكثر من 100 عام، كانت بريطانيا تعاني في سباقات الدراجات، ولم يحقق متسابقوها أي انتصار كبير، لكن في عام 2003م، حدث التحول الكبير بـ ”فلسفة“ أدت إلى هيمنة بريطانية غير مسبوقة في رياضة الدراجات!
كيف حدث هذا التحول، وما الذي غير تلك المعادلة، وما السر خلف ذلك النجاح، وكيف يمكن لفلسفة بسيطة أن تُحدث تحولاً هائلًا؟
الإجابة ترصدها ”أثير“ من كتاب جيمس كلير ”العادات الذرية“ الذي يخبرنا عن قصة تغيَّر مصير الفريق الإنجليزي للدراجات حين عُيِّن ديف بريلسفورد مديرًا للأداء الجديد من قِبل إدارة شؤون سباقات الدراجات الاحترافية في بريطانيا حيث عمل بفلسفة بسيطة أطلق عليها ”تراكم المكاسب الهامشية“ والتي تؤكد كيف للعادات الصغيرة أن تحقق نتائج مذهلة.
منذ عام 1908م، كانت سباقات الدراجات في بريطانيا تقتصر على الذكريات القليلة والإنجازات المحدودة، وطوال أكثر من قرن، عانت بريطانيا ضعفا في أدائها في أكبر التحديات الرياضية العالمية، مثل الألعاب الأولمبية وسباق ”طواف فرنسا“، ورغم مرور السنوات وتوالي الأجيال، لم يتمكن أي درّاج بريطاني من الفوز بأهم وأكبر سباق للدراجات في العالم، ولم يحققوا سوى ميدالية ذهبية واحدة في تاريخهم الأولمبي منذ أكثر من مئة عام.
لكن في عام 2003م، تغيرت المعادلة بصورة مفاجئة، فقد تم تعيين ديف بريلسفورد كمدير أداء جديد للفريق ، ليبدأ فصلًا جديدًا في تاريخ الرياضة البريطانية، كانت المهمة صعبة، والتوقعات ضئيلة، فقد كان الفريق يعاني من عدم القدرة على المنافسة على أعلى المستويات.
بريلسفورد، الذي كان يملك رؤية مختلفة تمامًا عن سابقيه، لم يتبع الأساليب التقليدية التي اعتاد عليها الفريق، بل أطلق فلسفة جديدة تُعرف باسم ”تراكم المكاسب الهامشية“، اعتقد بريلسفورد أن السر في التفوق ليس في التغييرات الكبيرة والدراماتيكية، بل في تحسينات صغيرة بنسبة 1% في كل جانب من جوانب الأداء، ومن خلال تجميع هذه التحسينات البسيطة معًا، سيحدث التحول الكبير الذي طالما انتظره الفريق.
بدأ الفريق تطبيق فلسفة ”تراكم المكاسب الهامشية“، التي شملت تعديلات لم تكن متوقعة، حيث تم إعادة تصميم مقاعد الدراجات لتوفير الراحة القصوى، وبدأوا في مسح الإطارات بالكحول لتحقيق ثبات أفضل على الطريق، ومع الوقت؛ توسعت دائرة التحسينات، فتم اختبار أنواع مختلفة من هلام التدليك التي تساعد في تعافي العضلات بسرعة أكبر، وتم تعيين أطباء لتعليم الدراجين كيفية تجنب الأمراض البسيطة مثل الإنفلونزا، وحتى التفاصيل الصغيرة التي لم تكن تخطر على بال أحد، مثل نوع الوسائد التي ينام عليها المتسابقون، أصبحت محل اهتمام.
رغم أن هذه التعديلات قد تبدو بسيطة أو غير مهمة للكثيرين، فإن نتائجها كانت غير متوقعة
في غضون 5 سنوات فقط، هيمن الفريق البريطاني على سباقات الدراجات في الأولمبياد، ففي أولمبياد بكين 2008م حققوا فوزًا مذهلًا بحصولهم على 60% من الميداليات الذهبية المتاحة في سباقات الدراجات، ولم يكن هذا سوى البداية.
في أولمبياد لندن 2012م حطم الدراجون البريطانيون 9 أرقام قياسية أولمبية، و7 أرقام قياسية عالمية، ومع مرور الوقت، أصبحت بريطانيا القوة العظمى في رياضة سباقات الدراجات حيث فازوا بـ 178 مسابقة عالمية وحصدوا 66 ميدالية أولمبية وبارالمبية.
لكن الإنجاز الأعظم كان في ”طواف فرنسا“، الذي كان دائمًا يشكل عقدة للفريق البريطاني، وبعد أكثر من 100 عام من الفشل، تمكن الدراجون البريطانيون من الفوز بالسباق 5 مرات في العقد بين 2007م و2017م.
لم يكن سر النجاح يكمن في تعديل واحد فقط، بل في تلك التحسينات الصغيرة التي تراكمت على مر الوقت، لتحدث تحولًا كبيرًا وغير متوقع في تاريخ الرياضة البريطانية.
قصة الفريق البريطاني للدراجات ليست مجرد قصة انتصارات، بل هي درس في كيف أن التغيير البسيط والمستمر يمكن أن يحدث فرقاً هائلًا في المستقبل.